محللون: المعنويات الإيجابية تعود للسوق النفطية تدريجيا مع انخفاض التوترات التجارية
يتوقع محللون استمرار المكاسب السعرية للنفط خلال الأسبوع الجاري بعد أن اختتم تعاملات الأسبوع الماضي على ارتفاع في أكبر مكاسب أسبوعية على مستوى شهر.
وتسود توقعات بارتفاع الأسعار بفعل التفاؤل بمفاوضات التجارة بين الولايات المتحدة والصين، وانخفاض مستوى المخزونات، علاوة على أنباء عن التوجه لتعميق تخفيضات الإنتاج، التي ينفذها تحالف المنتجين في "أوبك" وخارجها، وذلك خلال اجتماعهم الدوري في فيينا في كانون الأول (ديسمبر) المقبل.
ويحد من مكاسب الأسعار بعض التوقعات السلبية للنمو العالمي ومخاوف تباطؤ الطلب، خاصة بعد تخفيضات مؤثرة قامت بها منظمات دولية على رأسها وكالة الطاقة الدولية لمعدل نمو الطلب في العام المقبل ليكون بنحو 1.1 مليون برميل يوميا.
في هذا الإطار، تقول لـ"الاقتصادية"، أرفي ناهار، المختصة في شؤون النفط والغاز في شركة "أفريكان ليدر شيب" الدولية، إن السوق تواجه تغييرات هيكلية وشيكة، وهناك تحولات رئيسة باتت ملحة في خطط تنوع موارد الطاقة ورفع الكفاءة وخفض انبعاثات الكربون للتواءم مع متطلبات حماية المناخ وتحقيق التوازن بينها وبين جهود التنمية وتلبية احتياجات الطاقة وإرضاء المستهلكين.
ولفتت ناهار إلى أن شركات الطاقة المملوكة للدولة تقوم بخطط تحول سريعة ومؤثرة خاصة في دول الإنتاج الكبرى في "أوبك" وخارجها، ليس فقط من أجل الاستمرارية، بل أيضا من أجل تحقيق معدلات نمو جيدة، وتناسب الظروف الاقتصادية، موضحة أنه كجزء من هذا التغيير، فإن عديدا من شركات النفط الوطنية تفتح أبوابها وتنوعها، وتؤدي إلى موجة جديدة من أعمال تطوير وتعزيز التجارة للوصول إلى أسواق جديدة، حيث تتطور إلى ما هو أبعد من مجرد الشركات الوطنية، وتعد "أرامكو" أبرز الأمثلة على خطط التحديث والتطوير والتنمية في الشركات الوطنية، حيث تتحول إلى شركة طاقة شاملة وتستعد لاستقطاب رؤوس أموال واستثمارات جديدة إليها من خلال الطرح العام المرتقب.
من جهته، أوضح لـ"الاقتصادية"، روبرت شتيهرير، مدير معهد فيينا الدولي للدراسات الاقتصادية، أن الأسعار تتجه إلى استئناف المكاسب بوتيرة جيدة، ومبعث ذلك السحب السريع والمفاجئ في مستوى المخزونات الأمريكية، والذي يتزامن مع انقطاع إمدادات خط أنابيب بحر الشمال الرئيس، بينما يكبح تحقيق وتيرة أوسع المكاسب البيانات الاقتصادية الضعيفة الصادرة من ألمانيا.
وأشار شتيهرير إلى أن الأسعار تتعرض لضغوط أخرى تشمل استمرار المخاوف بشأن تباطؤ الاقتصاد العالمي، في ضوء تقارير تؤكد أن الركود الألماني سيستمر على مدى الربع الرابع من العام الجاري، لافتا إلى أنه بالرغم من ذلك، فإن العوامل المعززة لصعود الأسعار في تلك الفترة تبدو أقوى تأثيرا في السوق، ولذا وجدنا تسجيل مكاسب هي الأعلى في شهر، خاصة في ضوء تقلص المخزونات الأمريكية بشكل غير متوقع بمقدار 1.7 مليون برميل الأسبوع الماضي.
من جانبه، يقول لـ"الاقتصادية"، ماركوس كروج، كبير محللي شركة "إيه كنترول" لأبحاث النفط والغاز، أن المخاوف من انكماش الطلب تعد التحدي الأبرز للسوق النفطية في المرحلة الراهنة، خاصة أن مفاوضات التجارة لم تسفر بالفعل عن تقدم ملحوظ في هذا الملف، والجميع يتطلع إلى ملامح اتفاق يتم إعلانه في الشهر المقبل، لافتا إلى أن الاقتصاد العالمي يحتاج إلى تعزيز جهود النمو، وهو الأمر الذي سيكون على الأرجح محور مباحثات المنتجين في اجتماعات "أوبك" وحلفائها خلال كانون الأول (ديسمبر) المقبل.
وأضاف كروج، أن الأسعار انتعشت على نحو جيد في الأسابيع الماضية وسيستمر الأمر إذا تم التغلب على مشكلات الطلب المستمرة، خاصة في آسيا، التي تعد بالفعل أكبر مركز لاستهلاك للنفط في العالم، لافتا إلى أن بيانات ضعيفة ومقلقة صدرت أخيرا أن الاقتصاد الكوري الجنوبي، الذي حقق نموا بوتيرة أبطأ في الربع الثالث بالتزامن مع تباطؤ مماثل في الصين، والتي سجلت الأسبوع الماضي تباطؤا في وتيرة النمو الاقتصادي، فيما يعد أدنى مستوى منذ قرابة 30 عاما.
من ناحيته، أوضح لـ"الاقتصادية"، ديفيد لديسما، المحلل في شركة "ساوث كورت" الدولية للطاقة، أن المعنويات الإيجابية تعود للسوق تدريجيا مع انخفاض التوتر التجاري وتراجع المخزونات وتراجع تأثير العوامل الجيوسياسية بشكل نسبي، مشيرا إلى أن السعودية احتفظت بالمركز الأول بين مصدري النفط إلى الصين في الشهر الماضي متقدمة على روسيا والعراق.
وذكر لديسما أن السعودية، التي تقوم بتخفيضات طوعية واسعة في الإنتاج لامتصاص وفرة الإمدادات ودعم الاستقرار في السوق استفادت– بالرغم من ذلك- من انخفاض واردات الصين من فنزويلا وإيران بسبب العقوبات الأمريكية، كما أن واردات بكين من واشنطن جاءت أقل من واردات فنزويلا وإيران بسبب تعريفة الاستيراد على الخام الأمريكي، التي تم فرضها أخيرا مع تصاعد وتيرة الخلاف التجاري بين البلدين.
وكانت أسعار النفط قد ارتفعت في ختام الأسبوع الماضي، مسجلة أقوى مكاسبها الأسبوعية في أكثر من شهر بفضل تفاؤل إزاء اتفاق تجارة أمريكي- صيني، وتراجع مخزونات الخام الأمريكية وإجراء محتمل من "أوبك" لتمديد تخفيضات الإنتاج، ما طغى على مخاوف اقتصادية أوسع نطاقا.
وتلقت الأسعار الدعم الأكبر من التفاؤل بإحراز تقدم في مفاوضات التجارة بين الولايات المتحدة والصين، علاوة على الأنباء الإيجابية الداعمة للطلب والمستمدة من بيانات تراجع المخزونات على نحو مؤثر، إضافة إلى قناعة السوق باحتمالية قيام تحالف المنتجين في "أوبك+" بتعميق تخفيضات الإنتاج خلال اجتماعهم الموسع في فيينا خلال شهر كانون الأول (ديسمبر) المقبل.
وقال جون كيلدوف، من أجين كابيتال في نيويورك، "بعض ما يرد من المحادثات الأمريكية الصينية إيجابي مجددا، وهذا يغذي بلا ريب سوق الأسهم، ولذا يستفيد النفط منها".
وارتفعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط 43 سنتا بما يعادل 0.8 في المائة ليتحدد سعر التسوية عند 56.66 دولار للبرميل، مسجلة زيادة أسبوعية تتجاوز 5 في المائة، هي الأقوى منذ 21 حزيران (يونيو)، وأغلق خام برنت مرتفعا 35 سنتا أو 0.6 في المائة عند 62.02 دولار للبرميل، بمكسب أسبوعي أكثر من 4 في المائة، هو الأفضل منذ 20 أيلول (سبتمبر).
واقتربت الأسهم الأمريكية، التي تقتفي أسعار النفط أثرها عادة، من مستويات قياسية مرتفعة بعد صدور تصريحات التجارة من واشنطن.
وتدعم الأداء الأسبوعي بتراجع مفاجئ في المخزونات الأمريكية، حيث نزل مخزون الخام نحو 1.7 مليون برميل الأسبوع الماضي، بينما توقع المحللون ارتفاعها 2.2 مليون برميل.
وأفادت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن مخزونات الخام في الولايات المتحدة تراجعت الأسبوع الماضي مع قيام المصافي بزيادة الإنتاج، في حين انخفض أيضا مخزون البنزين ونواتج التقطير.
وزادت مخزونات الخام في نقطة التسليم في كاشينج في ولاية أوكلاهوما 1.5 مليون برميل، حسبما ذكرته إدارة المعلومات.
وارتفع استهلاك الخام في مصافي التكرير 429 ألف برميل يوميا، وفقا للبيانات، بينما زاد معدل تشغيل المصافي 2.1 نقطة مئوية، بينما هبطت مخزونات البنزين 3.1 مليون برميل، في حين توقع المحللون في استطلاع أن تنخفض 2.3 مليون برميل.
وتراجعت مخزونات نواتج التقطير، التي تشمل الديزل وزيت التدفئة، 2.7 مليون برميل، مقابل توقعات لانخفاض قدره 2.8 مليون برميل.
وانخفض صافي واردات الولايات المتحدة من النفط 873 ألف برميل يوميا الأسبوع الماضي.
من جهة أخرى، ذكرت شركة "بيكر هيوز" للاستشارات والخدمات النفطية أن عدد منصات التنقيب عن النفط العاملة في الولايات المتحدة واصل تراجعه، حيث انخفض خلال الأسبوع الحالي بمقدار 17 منصة إلى 696 منصة.
ووصل إجمالي عدد منصات النفط والغاز العاملة في الولايات المتحدة خلال الأسبوع الماضي إلى 830 منصة، مقابل 851 منصة خلال الأسبوع السابق عليه بتراجع قدره 21 منصة خلال أسبوع.
ونقلت وكالة "بلومبيرج" للأنباء عن تقرير "بيكر هيوز" بأن عدد منصات الغاز تراجع خلال الأسبوع الحالي بمقدار أربع منصات إلى 133 منصة، ويعد عدد منصات استخراج النفط والغاز مؤشرا مبكرا على مستوى الإنتاج المستقبلي.