"السياحة والتراث" تستعد لإطلاق الموسم التاسع من مشروع "الجزيرة العربية الخضراء"
يستعد قطاع التراث الوطني بالهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني لإطلاق الموسم التاسع في المشروع العلمي "مشروع الجزيرة العربية الخضراء" بالشراكة مع جامعة الملك سعود وهيئة المساحة الجيولوجية (محليا) ومعهد ماكس بلانك الألماني وجامعة أكسفورد البريطانية وجامعة كوين لاند الأسترالية (عالميا).
وأوضح رستم الكبيسي نائب الرئيس لقطاع التراث الوطني بالهيئة أن الهيئة تولي اهتماما كبيرا لمشروع الجزيرة العربية الخضراء الذي حقق أصداء عالمية واسعة من خلال ما أعلن عنه من مكتشفات مهمة تبرز المكانة التاريخية للمملكة وعمقها الحضاري وكونها مهدا لبدايات الحضارات الإنسانية كان أبرزها اكتشاف أثار أقدام إنسان على ضفة بحيرة قديمة في صحراء النفود على أطراف تبوك يعود عمرها إلى 85.000 عام مما يعد اكتشافا مدهشا ونادرا جدا يظهر اتساع مناطق الهجرات البشرية ووصوله إلى شبه الجزيرة العربية إضافة إلى اكتشاف أحفورة أصبع إنسان عاقل عثر عليها بالقرب من موقع الوسطى في محافظة تيماء يعود عمرها إلى 85.000 سنة يرجح أنه من أوائل المهاجرين في العصر الحديث إلى الجزيرة العربية التي كانت آنذاك مراعيا خضراء غنية بالأنهار والبحيرات وهو ما أثبتته اكتشافات أخرى في المشروع لأحافير حيوانات مثل الفيلة والتماسيح وغيرها.
وبين نائب الرئيس لقطاع التراث الوطني بالهيئة أن مشروع الجزيرة العربية الخضراء يتناول العلاقة بين التغييرات المناخية التي تعرضت لها شبه الجزية العربية على مر العصور وبين بداية الاستيطان البشري في البلاد وهجرة البشر إليها عبر قارات العالم القديم حيث كشفت الدراسات عن أدلة على وجود مئات البحيرات والأنهار والغابات والكائنات في أنحاء الجزيرة وقد نشأت حولها العديد من الحضارات المتعاقبة. مشيرا إلى أنه يعمل في مشروع الجزيرة العربية الزرقاء والخضراء عدد من منسوبي قطاع الآثار وهيئة المساحة الجيولوجية وعلماء الآثار من جامعة الملك سعود بالإضافة إلى عدد من طلاب الجامعات السعودية وطالباتها وهي مبادرة من هيئة السياحة والتراث الوطني لنقل الخبرة إلى الآثاريين السعوديين حيث قدم عدد من طلاب الدكتوراه والماجستير مشاركات مميزة مع هذه المشاريع ويعمل حاليا أكثر من 30 طالبا من جامعة الملك سعود وحائل وجازان.
من جانب آخر أكد الدكتور عبدالله الزهراني مدير عام مركز الابحاث والدراسات الاثرية بالهيئة أن "الهجرات البشرية من إفريقيا موضوع رئيس في دراسات تطور البشرية ولأراضي المملكة دور مهم بحكم موقعها الجغرافي بين القارات في معرفة حركة البشر وتنقلاتهم، وتأثير تغيرات المناخ في تشكيل تاريخ السكان إبان العصر الجليدي "بليستوسين". ومع هذا غالبا ما يجري تهميش أدلة العصر الحجري القديم في الجزيرة العربية في إبراز الأمثلة خارج إفريقيا على افتراض أن الإنسان القديم تجنب سلوك الحزام الصحراوي شديد الجفاف وتطاول في تنقلاته السواحل خاصة امتداد حافة المحيط الهندي وقد أسهم التقدم الأخير في البحوث الأثرية البيئية في إيجاد منطلق يشرك الجزيرة العربية في مداولاته ودراساته ولذا تأتي أهمية المشروعين الأثريين بهدف معالجة ودراسة الأمثلة على انتشار الإنسان وتوسيع دائرة تاريخ استقرار البشر وسكنهم على ساحل البحر الأحمر (الجزيرة العربية الزرقاء) وداخل شبه الجزيرة العربية خاصة خلال الفترات المطيرة (الجزيرة العربية الخضراء).
وأضاف"مع أهمية منطقة البحر الأحمر لكونها ناحية يرجح استقرار البشر فيها وسكنه إبان العصر الجليدي "بليستوسين" فإن نتائج الأبحاث الأخيرة تؤكد أن للبيئات البرية أهمية حاسمة في انتشار البشر وتكرار توسعهم خلال فترات تحسن ظروف العصر الجليدي فكانت آنذاك متنوعة الأحياء وعامرة بالأنهار والبحيرات والمروج والمراعي. وتهدف هذه الدراسة للمناطق الداخلية إلى معالجة إحدى الفجوات الباقية في تاريخ الجزيرة العربية ألا وهي دراسة علم الأحافير القديمة وذلك بدراسة بقايا أحافير انهيارات الجليد والتحقق منها بغربي نفود الصحراء بالمملكة وتتطرق إلى مراجعة شاملة عن تاريخ أحافير الثدييات من عصر البليستوسين في المملكة والمناطق المحيطة بها وإبراز الطبيعة المعقدة لتاريخ الأحافير في الجزيرة العربية، وتنوع الحيوانات جراء المناخ في إفريقيا واستقرار الظروف نسبيا جنوب غربي أسيا وجنوبيها.
وأجريت خلال السنتين الماضيتين العديد من التحليلات بواسطة النظير المستقر على الأحافير المتصلة بالأدوات الحجرية وعلامات حز العظام والجِزارة المكتشفة حديثاً، حيث أظهرت النتائج وجود ظروف مشابهة للسافانا حاليا شرقي إفريقيا مما يوحي بانتشار أسلاف البشر في المنطقة وسرعة تكيفهم فيها. كما اتضح من النتائج أيضًا مرور الصحراء العربية بظروف سيئة شديدة أثرت في الأحافير وتكوينها وغيرت من مظاهرها مع تسليط الأضواء على تاريخ الجزيرة العربية وإفريقيا من حيث جغرافيا الأحياء قديما والشام من ناحية أخرى. واختتمت هذه الدراسة نتائجها خلال المواسم الماضية بأن أقدم الهجرات من إفريقيا لم تكن متجهة إلى بلاد الشام فحسب بل امتدت إلى داخل الجزيرة العربية، وتعطي هذه الدراسات عموما نظرات ثاقبة عن تفاعل البشر والحيوانات والبيئة داخل مناطق الجزيرة العربية، وقد سلطت الضوء على بعض الأسئلة البارزة في علم الإنسان.