صراع بين عمالقة الهواتف المحمولة.. وحرب «أبل» و«هواوي» ترجح كفة «سامسونج»

صراع بين عمالقة الهواتف المحمولة.. وحرب «أبل» و«هواوي» ترجح كفة «سامسونج»

في 29 حزيران (يونيو) عام 2007 باع متجر "أبل" أول هاتف محمول من طراز "آيفون".. بالطبع، كانت هناك هواتف محمولة قبله، لكن تأثير القادم الجديد فاق ما قبله وفاق أيضا التوقعات.
الثورة التي أدخلها "آيفون" إلى عالم الهواتف المحمولة، كانت وليد أفكار العبقري ستيف جوبز، الذي دمج بين الهاتف الخلوي، وشاشة تعمل باللمس عالية الدقة، وجهاز كمبيوتر قوي للأغراض العامة، يتمتع بالقدرة على تثبيت تطبيقات عامة وتشغيلها.
المنتج الجديد لم يكن هاتفا محمولا، بل كان الطراز الأول في عصر الهواتف الذكية، ومع الإصدارات الجديدة زادت حصة "أبل" في الأسواق، وزادت هيمنة الشركة على الحصة الأكبر من سوق الهواتف المحمولة في العالم، خاصة في الولايات المتحدة.
بيع "آيفون" بسرعة كبيرة منذ البداية، وبحلول نهاية عام 2008، انخفضت مبيعات "نوكيا" 3.1 في المائة، وارتفعت مبيعات "أبل" 327.5 في المائة. حقبة جديدة كانت في طريقها إلى الميلاد، بنهاية عصر "نوكيا" وبدء سلالة "آيفون".
يعتقد المهندس ستانلي روبرت الخبير في شركة 3 للاتصالات، أن نجاح "آيفون" لم يكن نجاحا فنيا أو تقنيا فقط، بل كان بشكل أو آخر ترسيخا لفكرة التفوق التكنولوجي للولايات المتحدة، ومصدرا أساسيا لتعزيز قوتها الاقتصادية.
ويقول لـ"الاقتصادية"، إن "تراجع آيفون في مواجهة منافسيها حاليا مثل سامسونج وهواوي لا يجب أن ينسينا أن شركة أبل أوجدت للاقتصاد الأمريكي 80 ألف وظيفة عمل مباشرة و450 ألف وظيفة لدى موردين من جهات خارجية، إضافة إلى وظائف فيما يعرف بأبل ستور".
ويؤكد أنه بفضل شركة أبل، وتحديدا منتجها "آيفون"، تمكن المبرمجون في الولايات المتحدة من كسب نحو 16 مليار دولار منذ عام 2008 حتى الآن.
بالطبع، نقاط القوة تلك أغرت آخرين على التقدم للمنافسة، فإن لم يفلحوا في تحقيق قصب السبق، فيكفيهم نيل قطعة من تلك الكعكة.
بلغت حصة "أبل" في سوق الهواتف المحمولة ذروتها في نوفمبر 2018، إذ بلغت 24.44 في المائة، لكن بحلول يوليو الماضي تراجعت تلك النسبة لتصل إلى 22.01 في المائة.
البعض يرى في هذا التراجع دليلا على أن منتجات "آيفون" بدأت تفقد جاذبيتها، ولم تعد مثيرة للإعجاب كما كان الحال في الماضي. وفي الواقع، فإن حصة "آيفون" لم تتراجع فقط، بل تراجعت أيضا الإيرادات المحققة من المبيعات لتكون الأقل خلال عامين، اذ انخفضت 13 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
وتراجع حصة "آيفون" كان يصب في مصلحة المنافسين الرئيسين "سامسونج" من كوريا الجنوبية، و"هواوي" الصينية.
ويعتقد الدكتور المهندس سيمون وينشستر أستاذ الهندسة الإلكترونية في جامعة لندن، أنه في الوقت الراهن ولفترة طويلة مقبلة سيتنافس نظاما أندرويد وiOS من "أبل"، ومن الصعب في الوقت الراهن تصور أي تغيير جذري أو حقيقي يشير إلى ظهور نظام تشغيل آخر جديد.
ويضيف لـ"الاقتصادية": أن "نظام التشغيل أندرويد يهيمن على صناعة الهواتف الذكية، ففي يوليو الماضي استخدم بنسبة 76.08 في المائة في جميع الهواتف الذكية، أما نظام iOS فكانت حصته 22.01 في المائة".
مع هذا، تمكنت "أبل" من الاحتفاظ بسيطرتها على المستهلك الأمريكي، حتى زيادة حصتها في السوق إلى 55.67 في المائة في يوليو من هذا العام، وذلك على الرغم من أن هواتف أندرويد أرخص وأكثر تنوعا وتهيمن على الأسواق العالمية.
من جهتها، تقول لـ"الاقتصادية" الدكتورة جو ماك دين أستاذة التجارة الدولية: "هيمنة أبل على الأسواق الأمريكية تعود في جزء كبير منها إلى السياسات الحمائية التي تتبنها إدارة الرئيس دونالد ترمب في وجه خصوم ومنافسي الشركة".
وتشير إلى أن الولايات المتحدة لا تتعامل مع "أبل" باعتبارها شركة أمريكية كبيرة، إنما باعتبارها إحدى الأيقونات والأعمدة الرئيسة للتقدم التكنولوجي الأمريكي، وجزء رئيسي من مكونات الأمن القومي واجب الدفاع عنها، ولهذا فإن السياسات التجارية الأمريكية تبدو بالنسبة إلى كثير من المراقبين حمائية، وعدوانية في مواجهة الخصمين الرئيسين "سامسونج" و"هواوي".
مع هذا، فإن سياسات الإدارة الأمريكية ذات الطابع الحمائي، لم توقف شركتي سامسونج وهواوي عن التقدم إلى الأمام، فبحلول الربع الثاني من عام 2019، استعادت شركة سامسونج مكانتها كأكبر شركة للهواتف الذكية من حيث حصتها في السوق.
ومن نقطة انخفاضها في 28 نوفمبر 2018، حينما بلغت حصتها في أسواق الهواتف المحمولة 28.34 في المائة فقط، تستقر منذ بداية العام فوق خط 30 في المائة، لتبلغ الآن تحديدا 31.13 في المائة.
مع هذا، فإن خبراء في مجال التقنية يشيرون إلى جوانب مقلقة في المشهد العام لهواتف سامسونج الذكية، تتطلب من الشركة إعادة النظر في بعض سياستها الإنتاجية.
ويقول لـ"الاقتصادية"، هيو أكتون محلل مالي في بورصة لندن ومتخصص في بيع وشراء أسهم شركات التقنية: "أداء هاتف جالكسي إس 10 وإس 10 بلس، كان أقل من توقعات شركة سامسونج، وعلى الرغم من أنها حققت زيادة في الإيرادات خلال النصف الأول من العام الجاري بنحو 8 في المائة، إلا أن أرباح الهواتف الذكية لسامسونج انخفضت 42 في المائة مقارنة بالعام السابق، وتلك أقوى ضربة تلقتها الشركة منذ المصاعب التي رافقت إطلاق جالكسي نوت 7".
لكن الشركة تحاول أن تحسن الوضع من خلال الريادة في أجهزة G5 ومن ثم زيادة حصتها في سوق الهواتف الذكية مقارنة بمنافسيها. كما تراهن أيضا على تفوقها في إنتاج أفضل شاشات الهواتف الذكية، وربما يعزز ذلك التقديرات الراهنة بأن أرباح "سامسونج" في النصف الثاني من هذا العام لن تتباطأ.
لكن "سامسونج" مثل "أبل" تماما تواجه منافسة حادة من شركة هواوي الصينية. فالنمو الاقتصادي غير المسبوق للصين، الدولة الأكثر اكتظاظا بالسكان في العالم، جعل منها سوقا استهلاكية ضخمة، خاصة مع تمتعها بأكبر طبقة متوسطة في العالم. ومن ثم احتلت الصين دائما دورا رئيسا في تصنيع الهواتف المحمولة لشركات مقرها الرئيسي في بلدان أخرى.
لكن الصين لم تقبل بلعب هذا الدور لفترة طويلة، فسريعا ما طورت هاتفها الذكي الخاص. وفي بداية عام 2010 لم يكن لدى مصنعي الهواتف الذكية في الصين حصة تذكر من سوق الهواتف الذكية في العالم. لكن عاما بعد آخر، باتت "هواوي" تهديدا حقيقا لكل من "سامسونج" و"أبل"، ونمت حصتها من 3 في المائة من الهواتف الذكية عالميا عام 2011 إلى 14 في المائة العام الماضي.
ويؤكد لـ"الاقتصادية" الدكتور ويليام كيلي أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة لندن، ذلك التطور، وهو أن نجاح "هواوي" يعد أكثر وضوحا في ضوء الحقيقية الراهنة بأن الحكومة الأمريكية معادية لها، فلا توجد شركة أمريكية تقوم بتسويق "هواوي" داخل الولايات المتحدة، والآن تعد الشركة تهديدا للأمن القومي الأمريكي، ومع هذا فإن صعود الشركة الصينية مستمر، وهذا يعيق حصولها على التكنولوجيا الأمريكية.
الرئيس التنفيذي لـ"هواوي"، أشار إلى أن القيود الأمريكية ستكلف شركته 30 مليار دولار في غضون عامين، ومع هذا فإن الشركة حققت 32.2 مليار دولار مبيعات في الربع الثاني من هذا العام، بزيادة قدرها 23 في المائة عن الربع السابق، وخلال النصف الأول من العام الجاري باعت الشركة 118 مليون هاتف محمول، خاصة مع ارتفاع مبيعاتها في الصين، بعد بدء الحرب التجارية مع الولايات المتحدة.
وانعكس تأثير عمليات الشراء المحلية على إيرادات الشركة، فعلى الرغم من انخفاض سوق الهواتف الذكية 6 في المائة، نمت "هواوي" 31 في المائة، لتكون حصتها الراهنة من الأسواق الصينية 28 في المائة.
مع هذا، يظل السؤال قائما، كيف سينعكس الصراع التجاري بين واشنطن وبكين على مستقبل صناعة الهواتف الذكية في العالم؟
الدكتورة مارجريت سميث أستاذة أنظمة المعلومات في معهد التقنية في جلاسكو تشير لـ"الاقتصادية"، إلى أن شركة سامسونج هي المستفيد الأكبر من التوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة.
وتقول "البيانات المتاحة تظهر أن الحرب التجارية قلصت المبيعات في سوق الهواتف الذكية 5 في المائة، ومن الواضح أن موقف واشنطن من شركة هواوي أضعف مخططات الصينيين بإخراج سامسونج من المنافسة العالمية، لكن النتيجة أن سامسونج ستخرج أكثر قوة".
وتشير التقديرات إلى احتمال ارتفاع مبيعات الهواتف الذكية العام المقبل مع وجود ابتكارات جديدة متمثلة في الهواتف الذكية القابلة للطي وتقنية 5G، والتوقعات الحالية أن يباع 220 مليون هاتف بتقنية 5G العام المقبل، وسترتفع المبيعات إلى 930 مليون هاتف ذكي عام 2023، أي أن مبيعات هواتف 5G ستشمل تقريبا نصف جميع مبيعات الهواتف المحمولة في الأعوام الخمسة المقبلة.
ويجمل المهندس ستانلي روبرت الخبير في شركة 3 للاتصالات طبيعة أسواق الهواتف الذكية بالقول "سوق الهواتف المحمولة سوق تنافسية منذ البداية، لكن لا توجد صناعة كان العمالقة يتساقطون فيها كما هو الوضع في صناعة الهواتف المحلولة، فلا أحد يتذكر نوكيا التي كانت تسيطر على 40 في المائة من سوق الهواتف المحمولة عام 2007، أو شركة أريكسون، وكانت تسيطر على نحو 10 في المائة من السوق أو موتورولا التي ارتبطت فكرة الهاتف المحمول بعلاماتها التجارية".
ويضيــــــف، "فــي مجــــــالات التكنولوجيا الأخرى يبدو من الصعب المساس بالشركات الكبيرة مثل مايكروسوفت أو أبل أو إتش بي، لكن في عالم الهواتف الذكية الأمر مختلف، وربما يرجع ذلك إلى أن تلك الصناعة لا تزال صناعة شابة، وتتطور بمعدلات سريعة، وبعد عقد من الآن ستختلف الأسماء السائدة حينها عن الأسماء المتداولة في السوق حاليا، وربما ستخرج بعض أسماء شركات الهواتف الذكية البراقة من السوق لتدخل قائمة المراجع التاريخية".

سمات

الأكثر قراءة