"أرامكو" .. الوعد يتحقق
إنه حلم الوطن الاقتصادي الضخم المتطور تحقق بكل دقة وإتقان بفضل السياسات الاقتصادية التي خططها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مهندس "رؤية 2030"، فقد وعد بما هو مطلوب وتحقق الهدف الذي ينشده الوطن، فالعالم كله من شرقه إلى غربه كان يترقب هذا اليوم ومنذ أكثر من ثلاثة أعوام عندما أعلن ولي العهد السعودي إتاحة جزء من ملكية شركة أرامكو السعودية للجمهور، من خلال بيع جزء من أسهم الشركة وطرحه للتداول، فقد كانت تلك الخطوة الجريئة جدا من جانب هذا القائد الملهم تعد قفزة كبيرة في أفق الاقتصاد السعودي، وكانت التحديات كبيرة، فـ"أرامكو" مندمجة مع الأعمال الحكومية بشكل لا يمكن معه فصل هذا عن ذاك بسهولة، كما أن الشركة كانت تتعامل مع كثير من القضايا، وتجهيز شركة بهذا الحجم الضخم الذي قدر بتريليوني دولار، كان أمرا مستحيلا دون إحداث ارتباك واسع النطاق في الاقتصاد السعودي، ولهذا كان البعض قلقا، لكن وضوح الرؤية عند الأمير محمد بن سلمان وفهمه للمسألة مكناه من التعامل مع هذه القضية الشائكة قانونيا واقتصاديا كما لو كانت عملية معقدة للفصل بين التوائم، ولا بد أن يحيا كلاهما بصحة جيدة.
وهذا تطلب كثيرا من الدقة في إعداد عديد من العقود والتشريعات وفي مرحلة كان التشكيك يتزايد من أعداء الوطن تارة وممن جهل كثيرا من العمل القانوني الضروري تارة أخرى، حتى أصبح بعضهم يروج بتوقف المشروع بأكمله، لكن عراب "الرؤية" السعودية كان يعي ما يفعل ولم ينشغل بالرد على هذه الترهات بقدر انشغاله بالإعداد للمرحلة بدقة حتى تتم بنجاح، وقد تم ما أراده وما خطط له بعناية من نجاح الاكتتاب في شركة أرامكو وبدء تداول سهمها في السوق السعودية.
ما معيار النجاح في الاقتصاد؟ إنها القيمة، فالحديث عن أي نجاح في اكتتاب لا ينفع إلا إذا جاءت تغطيته بنسبة 100 في المائة، وفي اكتتاب "أرامكو" كانت التغطية تقترب من 500 في المائة على الرغم من ضخامة الطرح الذي بلغ عدد الأسهم المطروحة فيه ثلاثة مليارات سهم "1.5 في المائة من أسهمها" وخصصت الشركة 0.5 في المائة من الأسهم "أي مليار سهم" للأفراد، و1 في المائة "أي مليارا سهم" للمؤسسات، وجاءت حصيلة الطرح بما يتجاوز 96 مليار ريال "25.6 مليار دولار"، منها 32 مليار ريال من الأفراد، و64 مليار ريال من المؤسسات، وبهذه الأرقام القياسية لسهم "أرامكو" في السوق المالية السعودية يحق لنا أن نفخر بأضخم اكتتاب في العالم، متفوقا على شركة علي بابا الصينية البالغة قيمتها 25 مليار دولار، هكذا هو النجاح الذي ألهم به الأمير محمد بن سلمان وحققه.
لكن المسألة لم تكن لتقف أمام طرح ناجح وتغلب على مشاق هائلة كانت في الطريق، بل كان الأهم هو المصداقية في العمل، فقد منح الأمير محمد بن سلمان أعلى حدود الشفافية والحرية الاقتصادية فلم يتم تحديد سعر اسمي وعلاوة إصدار وتقييد السوق بها، ذلك أن العملاق الاقتصادي قادر بذاته على فرض قيمته على الأسواق، وهذه الخطوة الجريئة جدا وللغاية، كانت مقلقة للبعض من أن يتم تقييم "أرامكو" بأقل مما تستحق، ما قد يشكك في قيمة التدفقات المستقبلية.
لكن الاقتصادي الحصيف يعرف أن "أرامكو" تتربع على عرش أكبر مخزونات النفط المكتشفة والمسجلة، والنفط في حد ذاته سلعة مضمونة البيع ولهذا فإن الأسواق لن تفشل في تحديد قيمة السهم العادلة إذا تم قياس كل الأرباح المستقبلية المضمونة في دولة تتمتع بثقة العالم وأيضا تتمتع باستقرار سياسي كبير، لقد حاولت بعض الأيادي الآثمة التشويش على قدرة الأسواق على التسعير الأمثل للسهم من خلال ضرب مقار "أرامكو" النفطية على أمل أن تفشل "أرامكو" في استعادة الإنتاج مع قرب مواعيد استحقاق الطرح الأولي وعلى أمل أن يتراجع الأمير المقدام عن قراراه، لكن المهندسين السعوديين الذين استثمرت المملكة فيهم لأعوام كانوا في الموعد تماما، وبدلا من أن يضعف هذا من قيمة سهم "أرامكو" زاده بفضل ما قدمته تلك التجربة من عرض رائع لما تملكه "أرامكو" من رأسمال بشري مميز جدا.
وهنا بدا للجميع أن قيمة "أرامكو" ستكون أكبر من أي توقعات، قد حدث ذلك بالفعل، حيث تم إدراج سهم "أرامكو" اليوم الأربعاء عند سعر افتتاح 32 ريالا وهو ما يعني تقييما بأكثر من 1.71 تريليون دولار، ثم ما لبث أن قفز السعر مع مزادات الافتتاح إلى 35.2 ريال مسجلا النسبة القصوى المحددة من قبل شركة السوق المالية، لترتفع القيمة السوقية لـ"أرامكو" إلى 1.88 تريليون دولار وتقترب من تريليوني دولار، وهو الرقم الذي حدده مسبقا ولي العهد لأنه يدرك ويعرف ما تملكه "أرامكو" من مزايا برزت للعالم عندما أطلقت "أرامكو" العنان للشفافية والقوائم المالية.
هذا هو النجاح المذهل عالميا الذي تحققت عناصره الاقتصادية والقانونية والسياسية، نعم هذا هو النجاح غير المسبوق الذي يؤكد بعد نظر الأمير محمد بن سلمان ورؤيته الثاقبة.