الاستثمارات النفطية تنمو رغم الضغوط الدولية .. "وجيانا" تسجل أكبر اكتشافات في 2019
تراجعت أسعار النفط اليوم على الرغم من استمرار المخاطر الجيوسياسية في ليبيا والعراق، التي تغذي مخاوف استقرار الإمدادات من الشرق الأوسط.
ويعود التراجع إلى بيانات لوكالة الطاقة الدولية تؤكد حدوث وفرة ملحوظة في الإمدادات النفطية في الأسواق على مدار النصف الأول من العام الجاري، بينما يواصل تحالف المنتجين في "أوبك" وخارجها تنفيذ اتفاق تقليص الإنتاج بعد تعديله على نحو أعمق بهدف السيطرة على وفرة المعروض وضبط الأداء في السوق ودعم الاستقرار والتوازن.
ويقول لـ"الاقتصادية"، محللون نفطيون، إنه بالتزامن مع عقد منتدى دافوس الاقتصادي العالمي تم إطلاق تقرير لوكالة الطاقة الدولية طالبت فيه بمزيد من الإنفاق في مجال الطاقة النظيفة لمواجهة تحديات تغير المناخ، بعدما رصدت ضعفا في استثمارات الطاقة النظيفة، التي لا تتجاوز من 1 إلى 5 في المائة من الإنفاق الرأسمالي والاستثماري لشركات الطاقة.
وأضافوا أن بؤرة الاكتشافات الرئيسة للنفط في العام الماضي تتركز في دولة جيانا، من خلال عملاق الطاقة "إكسون موبيل"، التي استثمرت بقوة في حقول النفط البحرية العالمية، حيث اكتشفت بمفردها نحو عشر النفط العالمي الموجود في 2019، بحسب بيانات لشركة ريستاد إنرجي، كما تمثل نحو 15 في المائة من إجمالي النفط التقليدي، الذي تم العثور عليه العام الماضي.
وفي هذا الإطار، يقول دامير تسبرات مدير تنمية الأعمال في شركة "تكنيك جروب" الدولية، إن توقعات تخمة ووفرة الإمدادات طغت في تأثيرها في المخاطر الجيوسياسية الواسعة في الشرق الأوسط، خاصة الملف الليبي المتأزم والقلق من انقطاع إمدادات بعض المنتجين، مشيرا إلى أن منتدى دافوس في دورته الحالية يبحث عن جهود أكثر فاعلية نحو توفير حلول مناخية قوية خاصة بعد حرائق أستراليا المدمرة.
وأضاف أن المجتمع الدولي يضغط على صناعة النفط لتسريع خطى وبرامج تحول الطاقة وزيادة مخصصات ميزانيات شركات الطاقة الموجهة إلى الاستثمارات من غير موارد النفط والغاز، لافتا إلى أن وكالة الطاقة الدولية رصدت إنفاق الشركات الكبرى للطاقة نحو ملياري دولار على استثمارات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والوقود الحيوي وجمع الكربون في العام الماضي، وهو ما يعده العالم حاليا غير كاف في ضوء اتساع المخاوف الخاصة بتغير المناخ.
من جانبه، ذكر فيتوريو موسازي مدير العلاقات الدولية في شركة "سنام" الإيطالية للطاقة، أن تشديد سياسة المناخ لن يحول دون نمو الطلب على النفط، خاصة في الاقتصاديات الناشئة والأسرع في النمو بوسط آسيا، وإن كانت التقديرات تذهب الى حدوث تراجع وتباطؤ في النمو على المدى الطويل.
وأوضح أنه– بحسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية- فإن نحو 15 في المائة من إجمالي انبعاثات غازات الدفيئة في قطاع الطاقة يأتي من الإنتاج في مشروعات المنبع، لافتا إلى ضرورة تكثيف العمل في مجال رفع الكفاءة والحد من الانبعاثات، خاصة الحد من تسرب غاز الميثان إلى الغلاف الجوي باعتبارها الطريقة الوحيدة الأكثر أهمية وفعالية من حيث التكلفة للصناعة لخفض هذه الانبعاثات، مشيرا إلى أهمية العمل على تحقيق التوازن بين احتياجات التنمية المتسارعة، وبين جهود ضبط الكفاءة ومكافحة تغير المناخ بحيث يمكن المضي في الطريقين بشكل متواز ودون أن يجور جانب على الآخر.
من ناحيته، أوضح رينهولد جوتير مدير قطاع النفط والغاز في شركة سيمنس العالمية، أن حالة وفرة المعروض ستكون مهيمنة بالفعل على الأسواق خلال النصف الأول من العام، وهو ما دفع تحالف المنتجين في "أوبك+" إلى الاستعداد جيدا لهذا الواقع في سوق النفط من خلال تخفيضات أكثر عمقا تستمر على مدار الربع الأول، وقد تمتد إلى الأشهر اللاحقة بشرط تدارس وضع السوق مجددا ومتابعة المستجدات والمتغيرات.
وأشار جوتير إلى أن الوفرة المتوقعة، التي تجيء بعد دخول لاعبين جدد في السوق بقوة تسهم فيها أطراف عديدة، منوها إلى تقديرات وكالة الطاقة الدولية، التي تؤكد أنه على الرغم من تركيز الاهتمام في كثير من الأحيان على شركات النفط الكبرى، فإن شركات النفط الوطنية تمثل أكثر من نصف المعروض العالمي من النفط، بينما حصة شركات النفط والغاز الكبرى لا تتجاوز فقط نحو 15 في المائة.
بدورها، قالت نينا إنيجبوجو المحللة الروسية ومختصة التحكيم الاقتصادي، إن النفط سيظل يلعب الدور القيادي في مزيج الطاقة العالمي لعقود مقبلة، والدليل على ذلك يتضح مع مراجعة بيانات أنشطة الاستكشاف والتنقيب، حيث أظهرت بيانات لشركة "ريستاد إنرجي" الدولية أن الحركة المناهضة للنفط لم يكن لها بعد تأثير ملموس على أنشطة التنقيب، ويتوقع محللو "ريستاد إنرجي" عاما آخر في استكشاف مزيد من حقول النفط والغاز في 2020 وما بعده.
وأضافت نينا، أن تزايد المشاعر المناهضة للنفط لن تزيحه عن الدور الرئيس والمحوري في منظومة الطاقة، وقد انتعشت الاستثمارات النفطية بشكل ملحوظ في العام الماضي وتمكنت شركات النفط والغاز من استكشاف 12.2 مليار برميل جديد من النفط، وهو ما يمثل أعلى مستوى في أربعة أعوام، ومعظم هذه الاكتشافات الجديدة في حقول بحرية وفي المياه العميقة.
من ناحية أخرى، تراجعت أسعار النفط اليوم في الوقت، الذي كانت فيه توقعات وكالة الطاقة الدولية بشأن وجود فائض في السوق في النصف الأول من العام الجاري كافية لإزاحة المخاوف بشأن تعطل ناجم عن عمليات عسكرية أدى إلى خفض إنتاج ليبيا من الخام.
وبحسب "رويترز"، هبط خام برنت 30 سنتا أو ما يعادل 0.5 في المائة إلى 64.29 دولار للبرميل، بعد أن نزل 0.3 في المائة الثلاثاء الماضي.
وتراجع الخام الأمريكي 33 سنتا أو 0.6 في المائة إلى 58.05 دولار للبرميل بعد أن انخفض 0.3 في المائة في اليوم السابق.
ويتوقع فاتح بيرول مدير وكالة الطاقة الدولية أن تشهد السوق فائضا بمقدار مليون برميل يوميا في النصف الأول من العام الجاري.
وقال بيرول لمنتدى "رويترز جلوبال ماركتس"، بينما كان يحضر المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس: "أتوقع وفرة في إمدادات الطاقة من حيث النفط والغاز".
وأعلنت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا الإثنين الماضي، حالة القوة القاهرة في تحميل النفط من حقلين رئيسين بعد التطور الأحدث في صراع عسكري مستمر منذ فترة طويلة.
وما لم تعاود منشآت نفط في ليبيا العمل سريعا، فإن إنتاج البلاد من النفط سينخفض من نحو 1.2 مليون برميل يوميا إلى 72 ألف برميل يوميا فقط.
في غضون ذلك، تزعزع استقرار الأسواق المالية العالمية بفعل ظهور سلالة جديدة من فيروس كورونا في الصين، مع تركيز المخاوف على الأثر المحتمل للوباء على النمو العالمي، ويذكر انتشار الفيروس بوباء سارس في الفترة بين 2002 و2003.
وتوقع "جولدمان ساكس" تراجعا محتملا في الطلب على النفط من الصين المستهلك الكبير للطاقة بسبب انتشار فيروس تاجي جديد قد يؤثر سلبا في أسعار النفط لتنخفض بنحو ثلاثة دولارات، ما يتصدى على نحو مضاد لتأثير المخاوف حيال اضطراب الإمدادات من الشرق الأوسط.
وقال "جولدمان": "ترجمة التأثير المقدر لسارس على الطلب إلى أحجام 2020 تشير إلى صدمة سلبية للطلب العالمي على النفط يحتمل أن تبلغ 260 ألف برميل يوميا في المتوسط"، وأضاف أن التقدير يتضمن هبوطا بواقع 170 ألف برميل يوميا للطلب على وقود الطائرات.
وأضاف "جولدمان" أنه بينما قد يكبح رد على جانب الإمدادات من منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" أي تأثير في العوامل الأساسية ناجم عن صدمة الطلب تلك، فإن الضبابية الأولية قد تؤدي إلى عمليات بيع أكبر في النفط.
من جانب آخر، تراجعت سلة خام "أوبك" وسجل سعرها 65.26 دولار للبرميل أول اليوم، مقابل 66.11 دولار للبرميل في اليوم السابق.
وأفاد التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" أن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 14 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة حقق أول انخفاض عقب ارتفاع سابق، وأن السلة انخفضت ببضعة سنتات، مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي، الذي سجلت فيه 65.63 دولار للبرميل.