فيلم «تحت الماء» .. من أصقاع الفضاء إلى أعماق البحار
لطالما داعبت فكرة وجود مخلوقات غريبة مخيلة الأدباء والكتاب ومنتجي أفلام الخيال العلمي حول العالم، لكن هل هي حقا موجودة، وهل موطن تلك الكائنات هو حكر على المجرات والكواكب في السماء، أم أنها تعيش بيننا؟ أم تحت الأرض، أو ربما في أعماق المحيطات؟
أنجبت السينما الهوليودية عديدا من الأفلام التي تتمحور حول الكائنات الفضائية وصراعها مع بني البشر، كثير منها لقي استحسانا وإعجابا من الجمهور، لكن لخوفها من تململ المشاهدين، عمدت إلى تغيير استراتيجيتها وأدارت وجهتها نزولا إلى الأسفل، فهبطت بسفنها الفضائية من أعالي السماء إلى أعماق البحار، كما هي الحال في فيلم الإثارة والرعب "تحت الماء" UNDERWATER الذي انطلق في دور العرض خلال النصف الثاني من شهر يناير الحالي.
المزج بين الرعب والدراما
على الرغم من تصنيفه ضمن فئة أفلام الرعب، إلا أن فيلم "تحت الماء" للنجمة كريستين ستيوارت، الحائزة جائزة BAFTA 2010 كأفضل نجمة صاعدة، يكاد يكون أقرب إلى فيلم مغامرة وإثارة وتشويق. وتدور أحداث الفيلم، على بعد خمسة آلاف ميل عن اليابسة وفي عمق سبعة أميال تحت مياه المحيط، ويحاول فريق من الباحثين النجاة بأنفسهم من آثار زلزال دمر مختبرهم العلمي، ليجدوا أنفسهم في مواجهة محتدمة مع خطر أكبر من مجرد زلزال، بعد تعرضهم لهجوم من مجموعة من المخلوقات الغريبة.
تقوم ستيوارت بتأدية دور "نورا"، عاملة في موقع بحثي يقع تحت سطح الماء بأميال، ويبدأ الفيلم بمشهد يوحي وكأن أبواب الجحيم فُتحت، مع بدء تصدع هيكل السفينة وحدوث انفجارات متتالية. ولم يكن أمام "نورا" سوى الفرار إلى مكان آمن، الذي تجد فيه عددا آخر من الناجين.
صنع الأبطال
في الواقع تنحصر تفاصيل وأحداث الفيلم حول مصير أولئك الأشخاص الناجين الذين يحاولون النجاة من كارثة قتلت مئات الأفراد الآخرين في ذلك الموقع، ويقطعون ميلا كاملا على طول قاع المحيط للوصول إلى موقع آخر على أمل إيجاد كبسولات فاعلة، إلا أنهم يكتشفون هناك أنهم ليسوا وحدهم مع وجود مخلوقات غريبة تطاردهم. يتمحور العمل حول مشاعر الهلع ويستكشف كيفية صنع أبطال غير متوقعين استنادا إلى استجابة البشر الغريزية تجاه المواقف الخطيرة. ولا ننسى طبعا المواجهات مع مخلوقات غريبة، تعيش تحت الماء، يتضح فيما بعد أنها قادمة من الفضاء، للقضاء على البشرية.
رحلة درامية غامضة للغوص في أعماق المحيط
يتبع المخرج ويليام إيوبانك، الذي اشتهر في السابق برعب الخيال العلمي في عام 2014 بفيلم The Signal السياق والأسلوب أنفسهما في فيلمه الجديد "تحت الماء"، فيأخذنا معه في رحلة غامضة للغوص في أعماق المحيط بقصة تمتزج فيها الأحداث المرعبة ببعض الدراما، مع مجموعة من الباحثين تحت الماء يتصارعون للوصول إلى الأمان، بعدما دُمر معملهم الموجود تحت الأرض، الذين ينتظرهم ما يخيفهم أكثر من المحيط.
وقد بدأ وليام إيوبانك، تصوير أول مشاهد الفيلم في عام 2017، وتعرض الفيلم للتوقف عن التصوير عدة مرات بسبب انشغال أبطال العمل بعديد من الأعمال السينمائية الأخرى، ويشارك في الفيلم الذي ألفه بريان دوفيلد، كاتب فيلم Insurgent، وآدم كوزاد كاتب فيلم The Legend of Tarzan عدد من أبرز الممثلين، إضافة إلى كريستين ستيوارت نجمة أفلام Twilight، Snow White وThe Huntsman، كل من فينسنت كاسل نجم أفلام Oceans Twelve وBlack Swan، جيسكا هنويك نجمة فيلم Star Wars: The Force Awakens، جون جالاجر جونيور، مامودو آثي وت.ج. ميلر.
أفلام مشابهة
حقيقة لا يعد فيلم "تحت الماء" أول فيلم من نوعه، بل إنه تم التطرق إلى قصص مشابهة في عدد من الأفلام السابقة، وتم تقديمها في الشكل نفسه، من ضمنها فيلم The Descent عام 2005 من إخراج نيل مارشال، الذي تناول حملة مستكشفين لكهف، تصبح محاصرة في نهاية المطاف من سلالة غريبة من الحيوانات المفترسة.
يحاول المخرج في هذا الفيلم تجسيد الخيال التنبؤي الذي يسبح فيه معظم مبدعي السينما العالمية، محاولا جعل الخيال واقعا ملموسا عند الجمهور، ولا سيما فئة المراهقين منه، من خلال ما يغرس في أذهانهم من صور نمطية لوجود كائنات فضائية واحتمالية أنها تعيش في أعماق البحار وأغوارها المتناهية العمق.
تشويق مع لقطات قريبة
نجح المخرج في رفع وتيرة التشويق ومزجها بخليط من اللقطات القريبة جدا، حيث أدخلتنا كاميرته البارعة إلى داخل دهاليز خوذة نورا، من دون أن نغفل عن الموقع الجغرافي الذي تواجه فيه تلك الشخصيات المخاطر المحدقة بهم، كما تظهر براعة المخرج إيوبانك حين ينتقل بنا إلى الجزء المرتبط بهجوم المخلوقات الغريبة، فيبدأ الخفض التدريجي لمستوى الظلمة تحت الماء، وهذا ما يمنح الفيلم ميزة الإتقان على المستوى البصري مقارنة بعدد من الأفلام الشبيهة التي فقط تركز على مجموعة ثابتة من المشاهد المرعبة والمفاجئة، وإطار تصوير مهتز وتراجع دقة المؤثرات البصرية، إلا أن فيلم "تحت الماء" يختلف عنها من حيث الإتقان البصري وتصميم الصوت، وهو يعج بأضواء وامضة تنبعث من معدات مكسورة أو توشك على التحطم، كما نسمع صوت صرير المعادن تحت ضغط الماء، هذه العوامل كلها ضرورية لرفع مستوى التشويق.
حقق 28 مليون دولار في 13 يوما
بلغت ميزانية فيلم "تحت الماء" الذي أنتجته شركة 20th Century Fox ما يناهز 80 مليون دولار، وقد وصلت الإيرادات الكلية إلى 28 مليونا و432 ألف دولار خلال 13 يوما، ذلك منذ طرحه يوم 10 يناير الجاري في دور العرض المختلفة حول العالم، وكان قد حقق الفيلم سبعة ملايين وثلاثة آلاف دولار في افتتاحية العمل في الولايات المتحدة، حيث عرض في 2791 دار عرض أمريكية، وانقسمت الإيرادات بين 14 مليونا و200 ألف دولار في الولايات المتحدة، و14 مليونا و232 ألف دولار في دور العرض حول العالم.
ومهما كان من أمر، يبقى قاع المحيطات، وكذلك أعماق الفضاء أحد أهم الألغاز التي تثير اهتمام العديد وشغف الجمهور وصناع السينما، الذين يتبارون ويتبارزون لتقديم أفلام يعرض فيها المجهول داخل أماكن غامضة واسعة، مركزين على الغموض وخوفهم مما يجهلونه، إذ إن هناك دائما شيئا ما أو سرا يختبئ في أعماق محيطات العالم غير المستكشفة، أو حتى الفضاء الخارجي، أو أي ظلام وزوايا داكنة.