نداء البرية .. فيلم خيالي لكنه خارق
عندما أمر بالقرب من حيوان أليف، تنتابني مشاعر الرأفة والرفق بذلك المخلوق اللطيف، فكيف إذا كان ذلك الكائن هو أقرب صديق للإنسان؟ أجل إنه الكلب، ذلك الحيوان الوحيد الذي يجعلني أنظر إليه بابتسامة دون خوف أو قلق، بل يمنحني شعورا غريبا بالأمان والطمأنينة، وأنا على يقين أنه أفضل حام لي وأوفى حارس شخصي، فعندما أداعبه، أغرق في عالم الحيرة والتساؤل عن سر وفاء الكلب لصاحبه الإنسان، كيف يعبر عن فرحه ويحزن لحزنه؟
لطالما كان الكلب عيون الأعمى، وحامي الطفل، وصديق الشاب، وهذا ما جعل "هوليوود" تكرم هذه الفصيلة من الحيوانات الأليفة، وتجعل عددا من الكلاب أبطالا لأفلام، تركت أثرا ونجاحا كبيرين على مر الأعوام، وها أنا، بعد غياب قسري عن الاقتراب من الكلاب، أدخل السينما بكل حماس لمشاهدة فيلم "نداء البرية" The call of the wild والغوص في مغامرات الكلب، والاستمتاع بما يقوم به من حركات جميلة ومعبرة.
ما بين الرواية والفيلم
لقد سبق لي أن قرأت الرواية التي اقتبس منها الفيلم للكاتب جاك لندن، فأصبح في مخيلتي كثير من الأحداث والتفاصيل، لكن هل ستوفر شاشة الفن السابع المتعة نفسها التي حصلت عليها أثناء قراءة الرواية، وبدأت أتسمر أمام الشاشة، أحضر نفسي لمشاهدة علمت مسبقا أنها ستكون جميلة، لمعرفتي بقوة المخرج كريس ساندرز، الذي سبق له أن أخرج عديدا من أفلام الرسوم المتحركة المهمة، ومتانة الحبكة في روايات جاك لندن.
يروي الفيلم أحداث موجة الهجرة إلى منطقة كلوندايك في شمال غرب كندا بين عامي 1896 و1899، خلال حمى البحث عن الذهب في المنطقة، وهي فترة كان الطلب فيها كبيرا على كلاب الزلاجات القوية، ثم تبدأ أحداث الفيلم في التوارد بكثير من التشويق الموجود أصلا في الرواية، ويظهر "باك" وهو كلب من نوع سينت برنارد سكوتش كولي، يعيش حياة دلال في سانتا كلارا في كاليفورنيا مع مالكه القاضي ميلر، يؤدي دوره برادلي ويتفورد.
في إحدى الليالي يُخدع "باك" ويُختطف من المنزل، ويباع لشركة شحن في منطقة يوكون في كندا، ثم يباع هناك مرة أخرى لبيرو، يؤدي دوره عمر ساي، وهو ساعي بريد لطيف يأخذ على عاتقه تدريب "باك"، ليكون ضمن فريق الكلاب المخصصة لجر عربة الرسائل والطرود البريدية عبر الأراضي الكندية.
أثناء الرحلة، يتقاطع طريق "باك" مع جون ثورنتون، يؤدي دوره هاريسون فورد، وهو رجل وحيد اشتعل رأسه شيبا، يتجول في البراري بعد فقدان ابنه وزوجته، فيتصادق "باك" وفورد ويخرجان في رحلة لاستكشاف الذهب في مقاطعة يوكون، يتغير "باك" ويبتعد شيئا فشيئا عن الحياة الحضرية وأسيادها البشر، ليكون وسط محيطه الطبيعي وبين أقرانه بعد انجذابه إلى البراري.
رغم أنه خيالي إلا أنه خارق
إن الشخصية الأساسية هي "باك" الذي بقي صامتا طيلة الفيلم، ولم يعبر إلا من خلال وجهه وعواطفه، ولم يأت المخرج بكلب حقيقي بل استخدم تقنية motion capture لصنعه، وصمم حركاته تيري نوتاري، لذلك ظهر "باك" بقدرات تعبيرية عالية، ساعدت على إيجاد الرابط العاطفي المطلوب بينه وبين المشاهد.
لكن في أحيان كثيرة ظهر "باك" بشكل كرتوني، وحركات لا تناسب سوى فيلم أنيميشن، لكن بشكل عام إن قرار صنع الكلب من المؤثرات الخاصة بشكل كامل قرار في محله، لأن مجريات القصة تضعه في مواقف صعبة وخطيرة، تتطلب منه القتال ليبقى، وهذا سيكون صعبا جدا باستخدام كلب حقيقي مدرب، أو الانتقال بين كلب حقيقي ونسخته الرقمية. وعلى الرغم من أننا نعلم أنه كلب رقمي بالكامل، إلا أننا نتعاطف معه في حال تعرضه للاعتداء أو الإهمال أو التهديد، بفضل دقة عمل نوتاري وفريقه.
وكما يظهر المخرج ساندرز واثقا بنفسه قدر المستطاع بتجسيد "باك" كمخلوق حقيقي، إلا أنه يعاني عندما يتعلق الأمر بالعناصر الطبيعية للفيلم الذي يظهر بشكل محسوس، كأنه فيلم أنيميشن معاد صنعه لقطة بلقطة ليكون فيلم حركة حية، بالضبط كما فعلت "ديزني" في أفلامها منذ بداية العقد الماضي، مثل "ماليفسنت" و"الجميلة والوحش" و"سندريلا" و"الأسد الملك" و"علاء الدين"، وغيرها.
تصوير رائع
جاء عمل مصور الفيلم البولندي جانوس كامنسكي - الذي عمل مع ستيفن سبيلبيرج منذ عام 1993، تحديدا منذ فيلم Schindler›s List متقنا ودقيقا، حيث أظهر خلال لقطاته مدينة يوكون بشكل حي على الشاشة، على قدر عال من الإتقان، رغم أن طاقم العمل لم يغادر كاليفورنيا، وليس أي مصور قادرا على إظهار مؤثرات بصرية خاصة بهذا الشكل الآسر.
أما الشخصيات الإنسانية في الفيلم فلقد كانت بسيطة وجذابة، على سبيل المثال بيرو وشريكته فرانسوا "كارا جي"، كانا يستحقان مساحة أكبر، وهذا بالطبع ليس خطأ ممثلين، إنما خطأ الكاتب مايكل جرين، والمخرج. من حسن الحظ أن فورد يرفع الحمل الثقيل على كتفيه بالنسبة إلى الجانب البشري في الفيلم، حيث إنه يظهر قدرا عاليا من الرثاء لشخصية ثورنتون، التي عاشت معاناة تراجيدية قبل بداية أحداث الفيلم، يتمتع فورد، أيضا، بانسجام رائع مع "باك"، رغم عدم وجود كلب حقيقي أثناء التصوير، وهذا من أصعب جزئيات التمثيل، إذ على الممثل أن يتخيل وجود كلب أو مخلوق على الجانب الآخر ليتفاعل معه.
تاريخ عريق لقصة الفيلم
قدمت "هوليوود" الرواية التي ترجمت إلى 47 لغة، لأول مرة فى عام 1935 من بطولة كلارك جيبل والمرة الثانية كانت في عام 1972 من بطولة شارلتون هيستون.
وفي عام 1978 عرض مسلسل "نداء البرية 1978" من بطولة باك تشالي براون، وإخراج فيل رومان، وقدم المخرج بيتر سفاتيك والممثل روتجر هوبر عام 1997 الفيلم التلفزيوني على حلقات بعنوان "نداء الكلب البري" بطولة روتجر هوبر.
وفي عام 2000 تم عرض مسلسل "نداء البرية" من إخراج زيل دالين، وبطولة شيف ميير وريتشل هيوارد.
وحققت رواية جاك لندن التي دخلت المناهج التعليمية وتُدرس في المدارس الثانوية في كثير من دول العالم، شعبية كبيرة في ذلك الوقت ورفعت من شهرة لندن، وكان المؤلف نفسه واحدا من المغامرين الباحثين عن الثروة في تلك المنطقة.
وبدأ تصوير الفيلم الجديد في بداية العام الحالي، بعد أن انتهى هاريسون فورد من تصوير الجزء الخامس من فيلم "انديانا جونز"، الذي كان من المنتظر أن يخرج إلى النور في عام 2019، لكن شركة والت ديزني المنتجة للفيلم أعلنت تأجيل طرحه إلى عام 2021 لتتأخر بذلك عودة فورد لأداء دور المغامر الشهير على الشاشة الكبيرة عامين عن موعدها المقرر.
وكان آخر ظهور لفورد على الشاشة الكبيرة في عام 2018 في فيلم "بليد رانر 2049" وكذلك فيلم "ستار وورز: ذا فورس أويكينز" الذي جنى ما يربو على ملياري دولار في شباك التذاكر العالمي، وأصبح ثالث أكثر الأفلام تحقيقا للإيرادات على الإطلاق.
الإيرادات يضربها «كورونا»
كشفت مصادر قريبة من المديرين التنفيذيين واستوديوهات "ديزني" المنتجة للفيلم عن توقعات بخسارة 50 مليون دولار في شباك التذاكر، بسبب فيروس كورونا الجديد، وحسب موقع "فارايتي"، فإن الفيلم حقق 45 مليون دولار في الولايات المتحدة و79 مليون دولار على مستوى العالم بعد أسبوعين من طرحه في دور العرض، أي نحو 125 مليون دولار، وهو رقم ليس بكبير بالنسبة إلى تكلفة إنتاجه، ما يعني أن الفيلم يحتاج إلى تحقيق ما بين 150 و175 مليون دولار ليغطي خسارته.
ورغم تحقيق الفيلم 33 مليون دولار من 50 سوقا أجنبية في أسبوعه الأول، وهو ما يمثل 91 في المائة من حجمها الخارجي، فإن فيروس كورونا تسبب في إغلاق دور العرض في الصين وإيطاليا وكوريا، ما أعاق مبيعات التذاكر في الخارج.
وانخفضت مبيعات تذاكر الفيلم بنسبة 46 في المائة في أسبوعه الثاني وحصل على 13.3 مليون دولار في أمريكا الشمالية، وهو رقم متوسط بالنسبة إلى فيلم عائلي، وبسبب مشاركة TSG في تمويل الفيلم، فسيساعد ذلك على التخفيف من الأضرار التي لحقت بـ"ديزني" المالكة لشركة "فوكس للقرن الـ20" المنتجة للفيلم.