المخطوطات في دارة الملك عبدالعزيز .. توثيق للتاريخ وحفظ لمصادره
بدأ الاهتمام بالتدوين والتعليم والمخطوطات وحفظها في وسط الجزيرة العربية مع ظهور الدولة السعودية في القرن الـ12 الهجري، وبهذا صارت المملكة مستودعا للمخطوطات العربية، حيث إن العنصر العربي وثقافته هو السائد على تاريخ وجغرافية الوطن.
ولأهمية رصد تاريخ المملكة والجزيرة العربية وبلاد العرب والإسلام بشكل عام وتوثيقه والمحافظة على مصادره وجمعها، وهي المهمة الملقاة على عاتق دارة الملك عبدالعزيز عند إنشائها، فقد أولت "الدارة" قصارى جهدها ولأكثر من 49 عاما للاعتناء بجانب المخطوطات ضمن برنامجها الاستراتيجي لخدمة مصادر تاريخ المملكة، فأنشأت أولا مركز الوثائق والمخطوطات، وكانت من بواكير أعماله الحصول على صور لمخطوطات تملكها شركة أرامكو السعودية وذلك في عام 1393هـ، وقام المركز ببذل جهوده المستمرة لأجل الحصول على مزيد من تلك المخطوطات سواء كانت أصلية أو مصورة، ما شكل لها قاعدة علمية تزداد رسوخا مع الوقت.
وبعد تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز رئاسة مجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز - أمير منطقة الرياض حينها- لقيت الدارة اهتمامه وعنايته الكبيرين، لكي تقوم بدورها المنشود في خدمة التراث المحلي والعربي والإرث الثقافي والتاريخي من خلال حصر مصادره وحفظها وتتبعها والاستفادة منها، لذا قامت بمضاعفة جهودها في هذا المضمار.
أطلقت "الدارة" عام 1416هـ مشروع "مسح المصادر التاريخية"، حيث شكلت فرقا ميدانية جابت جميع مناطق المملكة، وكان من ضمن مهامها الحصول على أصول أو صور أو معلومات عن المخطوطات في كل منطقة، وإعداد قاعدة معلومات تشمل المهتمين بجمع وحفظ ودراسة المخطوطات، كما عملت من خلال مركز الملك سلمان للترميم والمحافظة على المواد التاريخية على تعقيم المخطوطات وترميمها وتصويرها وإعادتها إلى أصحابها، وذلك المركز يقوم على مساحة 900 متر مربع في مبنى الدارة القديم في حي المعذر، مختص بالتعقيم والترميم والتجليد والتصوير الميكروفيلمي والإلكتروني، إضافة إلى سيارة متنقلة للتعقيم.
ولأن كثيرا من المخطوطات وقف لا يجوز التصرف فيه أو نقله من مكانه، عرضت "الدارة" الأمر على اللجنة الدائمة للإفتاء لتصدر فتوى بجواز نقل المخطوطات الموقوفة إلى خزانة الدارة، بهدف تعقيم تلك المخطوطات وترميمها والمحافظة عليها في بيئة صالحة، وهذا يتوافق مع مقاصد صاحب الوقف، ورأت اللجنة أن نقلها لهذا الغرض ليس فيه مخالفة لنص الواقف، وهذا ما أتاح المجال رحبا للدارة للتوسع في خدمة المخطوطات.
خصصت "الدارة" قسما خاصا بالمخطوطات في عام 1423هـ يضم قاعة مزودة بوسائل السلامة والحفظ، وكذلك قاعة للفهرسة مزودة بالكتب والمراجع مع تطبيق دورة عمل متكاملة في التعامل مع المخطوط، إضافة إلى قاعة متخصصة في المخطوطات للعناية بها من جهة الحصر والتعقيم والفهرسة والتصوير والحفظ، كما زودت القسم بفريق من الموظفين المتخصصين في دراسة المخطوطات داخل المملكة وخارجها، لتكون حصيلة تلك الجهود تمكن الدارة من جمع أكثر من خمسة آلاف مخطوط، وإعادة عرضها ليستفيد منها الدارسون والباحثون بشكل يتماشى مع تقنية العصر، لتوسع بذلك الأفق لمزيد من التصنيف والتأليف الذي سيثري المكتبة العربية.
ومن مظاهر اهتمام الدارة بالمخطوطات، إقامتها معرضا متخصصا لتراث المملكة المخطوط، صاحبه عدد من الأنشطة الثقافية، وعدد من الإصدارات منها سفر ضخم بعنوان "نوادر المخطوطات السعودية نماذج من المخطوطات المحفوظة في دارة الملك عبدالعزيز" المجموعة الأولى، فقد تم انتقاء النوادر المخطوطة من أكثر من 60 مكتبة مشتركة في المعرض، وبلغ عدد المخطوطات التي فيها أكثر من ثلاثة آلاف مخطوط، يحوي كثيرا منها الصبغة المحلية، وقد رتب الكتاب أبجديا على المكتبات المحلية المشاركة في المعرض.