الاقتصاد العالمي وصدمة عرض غير مسبوقة
إن تأثير الفيروس التاجي عميق وخطير على الاقتصاد العالمي، ويأتي النجاح في احتواء الفيروس على حساب تباطؤ النشاط الاقتصادي. حيث واجهت الأسابيع القليلة الماضية عديدا من التقلبات في الأسواق المالية والاقتصاد. كما ترأست المملكة القمة الافتراضية لمجموعة العشرين لتقدم حلولا عاجلة لمواجهة فيروس كورونا، وكان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز قد أكد أن على دول مجموعة العشرين تنسيق استجابة موحدة لمواجهة فيروس كورونا وتداعياته وإعادة الثقة في الاقتصاد العالمي.
لقد أدت احتياطات السلامة العامة، وحث الأفراد على الالتزام بالاحترازات الوقائية والتعليمات الطبية والتباعد الاجتماعي، إلى التوجه نحو العمل عن بعد، أو توقف الإنتاج في أغالب المنشآت، كما أن جهود التخفيف اعترضت سلاسل الإمداد ونقل البضائع، بما في ذلك البضائع والمواد الوسيطة للإنتاج الآخر. تعمل سلاسل التوريد العالمية المتقطعة على توسيع تكاليف الأعمال عبر الحدود وحول العالم. ويضاف إلى ذلك أن وضع الاقتصاد العالمي قبل بداية الأزمة كان على وشك الركود، بسبب الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
الآن هناك ما يزيد على 3.7 مليار شخص. أي 50 في المائة من سكان الأرض ملتزمون بالبقاء في منازلهم. ولقد أفادت منظمة العمل الدولية بأن العالم سيخسر 36 مليون وظيفة، كما دعت الدول والحكومات إلى اتخاذ إجراءات منصفة وشاملة عند الاستجابة للأزمة الاقتصادية المترتبة على فيروس "كوفيد - 19".
وبسبب الاضطراب في الاقتصاد، نتيجة من انخفاض الطلب على السلع والخدمات، انخفض الطلب الاستهلاكي ومن ثم الاستثماري، وانخفضت التجارة الدولية من واردات وصادرات، كما أن إيقاف الرحلات والمؤتمرات والخوف من انتشار المرض أديا إلى توقف تام، وإلى خسائر فادحة لشركات الطيران. حتى مع انخفاض أسعار النفط، بسبب ضعف الطلب لن يحاكي الإنفاق الكافي على البنزين الرخيص لتحريك الاقتصاد كله. هناك عدد من الاحتمالات المستقبلية، وكلها تعتمد على كيفية استجابة الحكومات والمجتمع للفيروس "كوفيد - 19" وتداعياته الاقتصادية. حيث، لم يعد من الممكن تجنب الركود الحاد، ويدعو بعض الاقتصاديين الحكومات إلى اتخاذ تدابير لدعم الطلب الكلي. لكن هذه التوصية قد لا تكون كافية، فالاقتصاد العالمي يعاني صدمة عرض غير مسبوقة؛ فالناس ليسوا في العمل، لأنهم ملتزمون بالبقاء في منازلهم. وفي مثل هذه الحالة، فإن تحفيز الطلب سيعزز فقط التضخم، ما قد يؤدي إلى تضخم الركود Stagnation (نمو الناتج المحلي الإجمالي الضعيف أو المتراجع جنبا إلى جنب مع ارتفاع الأسعار)، كما يحدث عادة، عندما يكون هناك نقص في مدخلات الإنتاج المهمة الأخرى. والأسوأ من ذلك، أن الإجراءات التي تستهدف جانب الطلب، يمكن أن تؤدي إلى نتائج عكسية، لأنها ستشجع الاتصال بين الأشخاص، وبالتالي تقوض الجهود المبذولة للحد من انتقال الفيروس.
فإذا كفلت السياسات دعم مدخلات جانب العرض، وعدم فقدان العمالة لوظائفها، ودعم الشركات، والحفاظ على شبكات الأعمال والتجارة، سيتحقق التعافي في وقت أقرب وبصورة أكثر سلاسة. ومن المنتظر أن يؤدي منع الاضطرابات الكبيرة في سلاسل الإمداد إلى تجنب التضخم أثناء مرحلتي احتواء الوباء والتعافي الاقتصادي.
وقد قامت حكومة خادم الحرمين الشريفين بخطوات حكيمة. فها هي تتخذ تدابير استباقية مالية لإنقاذ الشركات الصغيرة والمتوسطة من الإفلاس، وهذا بالتأكيد سيؤدي إلى التعافي بسرعة بمجرد انتهاء الوباء. وقد قامت كذلك بدعم أجور العمالة في المملكة العربية السعودية، وهذا سيمنع أي خسائر قد تنجم في حال تأثرت سوق العمل. وساعد الدعم على بقاء الناس في بيوتهم مع الاحتفاظ بوظائفهم (الإجازات المرضية الممولة من الحكومة تحد من حركة الأفراد، ومن ثم تنخفض مخاطر العدوى). كما أن حكومة خادم الحرمين الشريفين دعمت القطاع الصحي، حيث قامت بتعزيز الموارد اللازمة لإجراء اختبارات تشخيص "كوفيد – 19" والعناية بالمرضى. والحفاظ على انتظام الرعاية الصحية، وإنتاج الغذاء وتسهيل سلاسل الإمدادات وتذليل كثير من المعوقات، وتوفير البنية التحتية والمرافق الضرورية. وقدمت الدولة إجراءات السيولة بتأجيل الالتزامات المالية ودعم مؤسسات الأعمال والقطاع المالي.
إن النجاح في تطبيق سياسات فعالة لدعم القطاع الخاص في المرحلة الأولى، سيضمن قدرة السياسة الاقتصادية على العودة إلى أدائها الطبيعي. وستتزايد فاعلية إجراءات المالية العامة الرامية إلى تعزيز الطلب، مع زيادة عدد الأفراد الذين يسمح لهم بمغادرة منازلهم والعودة إلى العمل.