السعودية وفن إدارة الأزمة
ونحن نخوض ــ مع دول العالم ــ السباق لمواجهة فيروس كورونا.. نسجل بالفخر والاعتزاز لوزارة الصحة السعودية تبكيرها في اتخاذ مجموعة من الإجراءات والتدابير الاحترازية الموفقة، التي أصبحت مضرب المثل عند جميع دول العالم بما فيها الدول العظمى. شيء رائع حقا، ونحن نتابع ونرى ونسمع الجماهير في الدول العظمى تطالب حكوماتها بسرعة اتخاذ التدابير، التي اتخذتها الحكومة السعودية لمواجهة فيروس كورونا.
والحقيقة أن كل دولة عالجت الأزمة بطريقتها، فقليل من الدول واجه الأزمة بسلسلة من الإجراءات الاستباقية والاحترازية العاجلة، بينما دول عظمى تكبرت على الفيروس واستهترت به، وتلكأت في اتخاذ الإجراءات الاحترازية، وتهاونت وقللت من خطورة هذا الوباء، وكانت النتائج في كل الدول انعكاسا لما اتخذته من إجراءات وتدابير.
وإذا نظرنا إلى الحالة الأمريكية، أو الحالة الإيطالية، أو الحالة الإسبانية، أو الحالة الإيرانية، نجدها مؤسفة للغاية؛ بل محزنة، إزاء فيروس انتشر في كل أوصال المجتمع، وأخذ يفتك به، ويحقق مزيدا من الإصابات، ومزيدا من الحالات المنتهية بالموت والفناء. وإزاء حدة الأزمة في ولاية نيويورك؛ المركز الرئيس للاقتصاد الأمريكي، استنجد محافظ ولاية نيويورك بالولايات الأمريكية الأخرى، وطلب منها أن تسرع وتسعفه بمجموعة من الكوادر الطبية، لأن الكارثة الوبائية قد تمكنت من الناس، والكوادر الطبية في نيويورك لم تعد كافية لتغطية الحاجة الملحة لإنقاذ الناس من موت يقترب من كل شخص.
والحقيقة، ونحن نتابع هذه الأخبار المحزنة سواء في الولايات المتحدة أو في إيطاليا وإسبانيا، فإن المجتمع السعودي ما زال يلهج بالثناء لوزارة الصحة السعودية، التي قرأت الحالة قراءة جيدة وموفقة، وبكرت في اتخاذ مجموعة من الإجراءات الاستباقية، التي صنفت السعودية ضمن الدول التي اجتاحها الوباء، لكن الإحصاءات ما زالت تصنف السعودية ضمن الدول الأقل في الإصابات، والأقل جدا في الوفيات، والأكثر جدا في الشفاء.
لكن حتى تستطيع وزارة الصحة أن تؤدي واجبها كاملا ـ وهذا هو الأهم ـ فإن حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لم تأل جهدا في دعم وزارة الصحة ومدها بالمال والرجال والتوجيه، إضافة إلى أن حكومتنا الرشيدة، أصدرت مجموعة من القرارات ذات الدعم اللوجستي المهم، مكنت وزارة الصحة من تنفيذ مشروعها وتحقيق أعلى درجات النجاح. ولا شك في أن من أهم القرارات، التي اتخذتها حكومة خادم الحرمين الشريفين، قرار تعليق الدراسة في المدارس والجامعات، وقرار تعليق الأعمال في المؤسسات الحكومية، ثم تعليق الأعمال في مؤسسات القطاع الخاص، ثم تعليق المسابقات الرياضية ومجمل نشاطات الأندية الرياضية، وكذلك قرار إيقاف الرحلات الجوية، والبحرية، والبرية، ثم حظر التجول الجزئي لبعض المناطق، ثم حظر التجول الكلي لبعض المدن.
وأخيرا وليس آخرا، فتح باب العلاج المجاني لكل السعوديين والمقيمين؛ بل حتى أولئك المخالفين لنظام الإقامة، وتقديرا من منظمة الصحة العالمية لهذه الإجراءات الإنسانية، التي اتخذتها حكومة خادم الحرمين الشريفين، فقد أدلى مندوب منظمة الصحة العالمية في المملكة بتصريح شكر فيه ــ باسم منظمة الصحة العالمية ــ حكومة المملكة العربية السعودية، على قرارات العلاج المجاني، التي شملت كل المقيمين حتى المخالفين لنظام الإقامة.
ولقد توجت المملكة إدارتها للأزمة بحكمة وعقلية إنسانية متفتحة، حيث دعت رؤساء مجموعة العشرين إلى مؤتمر عالمي افتراضي "فيديو كونفرانس" لمناقشة وباء كورونا وتأثيراته السلبية في الاقتصاد العالمي في مرحلة ما بعد جلاء الجائحة، بإذن الله، وفي خطاب خادم الحرمين الشريفين، الذي ألقاه في القمة العالمية الافتراضية، طمأن الملك سلمان بن عبدالعزيز، رؤساء الدول بأن العالم بدأ يأخذ الخطوات الإيجابية للسيطرة على الفيروس، وطالب بمزيد من التعاون الدولي للوصول إلى علاج يقضي على هذا الوباء.
ولقد حقق المؤتمر الافتراضي الدولي، الذي رأسه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، نجاحا منقطع النظير، ولقد لخص البيان، الذي صدر في ختام المؤتمر، أهمية تنفيذ الخريطة التي سيضطلع بتنفيذها كل دول العالم لمواجهة هذه الجائحة وتبعاتها، حتى لا يتعرض المجتمع الدولي لمصائب الانكماش. وفي نهاية المؤتمر، تبنى بيان القمة الافتراضية العالمية مبادرات المملكة الهادفة إلى تنفيذ مجموعة من السياسات، التي تحد من الانكماش الذي بدأ يلوح في الأفق، في محاولة جادة لمنع انتشار الفقر في العالم، والعمل على حشد الطاقات بقوة للاستمرار في تنفيذ برامج التنمية المستدامة في كل دول العالم. ونستطيع القول، إن قمة العشرين الافتراضية العالمية أرسلت رسائل إلى العالم بضرورة التعاون والنهوض بالمسؤولية الدولية، وحث الملك سلمان بن عبدالعزيز، جميع الدول على ضرورة تنسيق الجهود لمواجهة الجائحة، التي ألحقت أضرارا بكل دول العالم، وأكد أن التكاتف هو السبيل الأهم لوقف الأضرار الناجمة عن اجتياح هذا الفيروس كل دول كرتنا الأرضية.
وفي ضوء كل هذه الإجراءات الموفقة، التي اتخذتها حكومة خادم الحرمين الشريفين، فإن المملكة تعاملت مع جائحة كورونا بمسؤولية دولية كاملة، وتعاونت مع المجتمع الدولي بإمكاناتها كلها للسيطرة على هذا الوباء المدمر.
وفي ختام هذا المقال، أشكر الدكتور توفيق الربيعة؛ وزير الصحة، والثناء والشكر والتقدير موصول لكوادر وزارة الصحة جميعها من أطباء، وممرضين، وفنيين، وإداريين، كانوا وما زالوا في مقدمة معركة شرسة مع وباء شرس.