سلوك المستهلك السعودي .. بعد جائحة كورونا
من الأشياء التي سنلاحظها ـ بعد أن تضع جائحة كورونا أوزارها ـ هي مجموعة من التغيرات الهائلة في حياة المجتمعات الإنسانية، وأهم هذه التغيرات هي سلوك المستهلك، بمعنى أن إنسان ما بعد كورونا .. سيختلف عن إنسان ما قبل كورونا، وما يسري على الإنسان في أي مكان من العالم .. يسري بالضرورة على الإنسان السعودي.
إن أهم التغيرات التي سيتعرض لها الإنسان .. هو تأثير الأحوال الاقتصادية في السلوك الإنساني.
بمعنى أن الاقتصاد الدولي سيتعرض لجائحة الركود الاقتصادي، بل إن الركود الاقتصادي قد بدأ بالفعل في أوصال الاقتصاد العالمي، وإذا تعرض الاقتصاد للركود، فإن سلوك المستهلك سيتأثر ويؤثر في مجمل المتغيرات الاقتصادية، وسنلاحظ ذلك في الأسواق، حيث يعرض الركود كثيرا من الشركات للخسائر، وبالتالي تضطر هذه الشركات إلى الخروج من السوق، ويضطر أيضا كثير من المصانع إلى قفل أبوابه، ما يؤدي إلى ارتفاع هائل في معدلات البطالة بشكل مقلق.
وقضية ارتفاع معدلات البطالة من العناوين التي تقلق علماء الاقتصاد كثيرا، لأن نتائجها لا تؤثر سلبا في مجمل النشاط الاقتصادي، وإنما لها نتائج سلبية على الأمن الوطني وعلى شؤون المجتمع ككل.
وإزاء تعرض الاقتصاد العالمي للركود، فإن واجب الدول العظمى ـ قبل الدول الصغرى ـ أن تتحرك، وأن تجلس على موائد الحوار، وتتخذ مجموعة من التدابير كي تعيد النشاط إلى عجلة الاقتصاد في محاولة إلى إعادة التوازنات في مجمل الاقتصاد العالمي، وكلما سارعت الدول إلى اتخاذ إجراءات محفزة للنشاط الاقتصادي، فإنها تسهم في علاج جائحة الركود .. حتى لا تصل ـ لا سمح الله ـ إلى الكساد.
ومن الأشياء المبشرة أن بعض الدول مثل السعودية باشرت فعلا اتخاذ مجموعة قرارات مهمة لمواجهة الركود الاقتصادي، وبدأت بدعوة مجموعة العشرين إلى اجتماع عالمي افتراضي، ونجح المؤتمر في التوصل إلى اتفاق يتم بموجبه خفض المعروض من النفط في الأسواق العالمية حتى لا يسعر البترول بغير قيمته الحقيقية، أيضا من التدابير التي اتخذتها حكومة خادم الحرمين الشريفين كي تحمي اقتصادها الوطني من الانزلاق في الركود .. أنها دعمت القطاع الخاص بدفع نحو 60 في المائة من رواتب موظفيه، وصممت ميزانية خاصة لدعم القطاع الخاص جنبا إلى جنب مع دعم مشاريع مكافحة فيروس كورونا، وحذرت القطاع الخاص من مغبة تسريح موظفيه، وأكدت ضرورة الإبقاء على الموظفين، حيث يستطيع الموظفون أن يكونوا في وضع اقتصادي يمكنهم من البقاء في السوق كمستهلكين ومنتجين يسهمون في تحريك عجلة النشاط الاقتصادي.
كذلك من التدابير المهمة التي اتخذتها الحكومة قراراتها الخاصة بإعطاء فترة سماح لمدة ثلاثة أشهر للعالقين من الوافدين في الخارج، ومنحت فترة سماح لمدة ثلاثة أشهر لتسديد الضرائب، وغير ذلك من الإجراءات المحفزة للاقتصادين المحلي والعالمي.
وإضافة إلى ذلك فإن الاقتصاد السعودي يتمتع بثقة المستثمر الأجنبي والمستثمر المحلي، وهذه الثقة كفيلة بضخ مزيد من الاستثمارات الأجنبية والمحلية لتنشيط العمليات الاقتصادية، والمضي قدما في تنفيذ مشاريع التنمية الشاملة دون أي مماطلة أو توقف، وذلك تحقيقا لما نصت عليه نصوص رؤية السعودية 2030.
والمتابع للسوق السعودية الآن يلاحظ بوضوح التحول الملحوظ الذي حدث في سلوك المستهلك، حيث دخلت أعداد كبيرة جدا من السعوديين والمقيمين إلى الأسواق الرقمية، وتعبر مؤشرات التجارة الإلكترونية عن أن سوق التجارة الإلكترونية أثناء جائحة كورونا حققت أرقاما مذهلة وغير مسبوقة، وتسجل شركات الأدوية، والرعاية الصحية، والمطاعم، وشركات التغذية أعلى المعدلات في مبيعاتها، وأضحت تطبيقات هذه الشركات متداولة بين كل شرائح المجتمع، وبعد جائحة كورونا سيزداد عدد زوار الأسواق الرقمية، ولذلك نستطيع القول، إن فيروس كورونا غير في عادات وتقاليد البيع والشراء عند السعوديين والمقيمين، وكان سببا من أهم الأسباب التي أدت إلى هذا الانتشار الكبير في الأسواق الرقمية بعد أن قفلت أمامه سبل الأسواق التقليدية بسبب جائحة كورونا!
والحقيقة أنه منذ بدء انتشار فيروس كورونا، فإن عادات الشراء قد تغيرت لدى المستهلكين، فتحولوا إلى مشترين على درجة كبيرة من الوعي والرشد، أي يقبلون على شراء السلع المتعلقة بالصحة، والتغذية الصحيحة، والابتعاد عن شراء كل ما يضر الصحة مثل المشروبات الغازية ومشروبات الطاقة، وعموما نستطيع القول إن المستهلك السعودي أصبح رشيدا ويهتم كثيرا بشراء السلع الأساسية والمهمة دون الانزلاق وراء شراء السلع الكمالية أو السلع الضارة بالصحة، وستشهد الأسواق السعودية ـ بعد جائحة كورونا ـ انخفاضا ملحوظا في هيكل الأسعار، وسيلمس المواطن العادي أن كثيرا من السلع والخدمات تسجل انخفاضات في الأسعار.
وفي ضوء ذلك فإن سلوك المستهلك السعودي ـ مثله مثل أي مستهلك آخر في أي دولة من الدول ـ ستتغير، وسيتجه إلى خفض مصروفاته في محاولة إلى رفع معدلات الادخار أكثر من الاستثمار حتى تنجلي هذه الغمة، وتبدأ السوق في إرسال مؤشرات مطمئنة تعيد الناس إلى الأسواق، فيعود الرخاء وينعم الإنسان بحياة كريمة ومستقرة - إن شاء الله.