175 مليار دولار خسائر فادحة لشركات النفط الأمريكية والأوروبية
استهلت أسعار النفط الخام تعاملات الأسبوع على تراجع جديد في إطار مسلسل التداعي الاقتصادي جراء أزمة كورونا التي تسببت في امتلاء سعات التخزين إلى المستويات القصوى واستمرار تدهور الطلب العالمي على النفط الخام جراء الضغوط السلبية الحادة الناجمة عن تصاعد وتيرة الجائحة في معظم دول العالم خصوصا في الولايات المتحدة أكبر منتج ومستهلك للنفط الخام.
وقال لـ"الاقتصادية"، مختصون ومحللون نفطيون "إن الضغوط السلبية تتزايد على قطاع النفط العالمي بسبب ضعف الأسعار التي وصلت إلى المنطقة السلبية فيما يخص النفط الصخري الأمريكي إضافة إلى حمل التخزين الزائد وتدمير الطلب"، عادّين تبعات أزمة كورونا على الأرجح ستقود إلى طفرة مقابلة في الاعتماد على موارد الطاقة المتجددة.
وأوضح المختصون أن الخروج من المأزق الراهن مشروط بإنهاء فترة الإغلاق واستئناف حرية التنقل والسفر، كما أن الآمال معلقة بشكل أكبر على انتعاش الطلب على النفط من آسيا خاصة في الصين والهند وهو ما تم التركيز عليه في أحدث تقارير المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والبنك المركزي الأوروبي.
وأكد روبرت شتيهرير مدير معهد فيينا الدولي للدراسات الاقتصادية، أن التداعيات المحتملة الرئيسة لوباء كورونا قد تكون أكبر بكثير مما يعتقد معظم الناس حاليا خاصة المتعلقة بالجانب الاقتصادي في ضوء تباطؤ وصعوبة تعافي التجارة والاستثمارات الدولية التي ستحتاج إلى بعض الوقت للخروج من عنق الزجاجة الحالي.
وأوضح أن الأعباء المالية ازدادت بشدة على شركات النفط الكبرى مع هبوط أسعار النفط إلى مستوى أقل من 20 دولارا للبرميل كما سيطرت المعنويات السلبية على السوق بسبب عدم وضوح نهاية ومدى زمني في الأفق لانتهاء الوباء العالمي ما أدى إلى تهاوي أرباح الشركات، وسجلت شركات الطاقة بشكل عام أسوأ أداء فصلي خلال الربع الأول من العام الجاري.
من جانبه، قال لوكاس بيرتريهر المحلل في شركة "أو إم في" النمسوية للنفط والغاز، "إن تطورات جائحة كورونا على مدار الأشهر المقبلة ستكون لها تأثيرات واسعة في الصناعة وفي الهياكل المالية للشركات وفي النشاط الاستثماري بشكل عام"، مشيرا إلى تقرير صادر عن "وود ماكنزي" يتحدث عن خسائر فادحة لأكبر شركات النفط الأمريكية والأوروبية تصل إلى 175 مليار دولار إذا استمر متوسط سعر خام برنت 38 دولارا للبرميل على مدى العامين المقبلين.
وأضاف أن "ضغوط ارتفاع المخزونات النفطية وتعثر الطلب العالمي على نحو واسع قد يدفعان الدول المنتجة إلى مزيد ومزيد من جهود واتفاقات تقييد المعروض النفطي من أجل منح الأسعار بعض التماسك ووقف نزيف الخسائر الحادة المستمر منذ شهرين، وبالتحديد منذ تصاعد حدة جائحة كورونا"، مبينا أن شركات النفط الرئيسة قامت من جانبها بمزيج من القرارات الحيوية المؤلمة مثل تخفيضات الإنفاق وبيع الأصول وتحمل ديون جديدة.
من ناحيته، أكد أندريه يانييف المحلل البلغاري والباحث في شؤون الطاقة، أن أسعار النفط الخام تراجعت بحدة إلى ما دون مستوى 15 دولارا للبرميل بسبب حدوث طفرة في نمو مخزونات النفط العالمية المتضخمة بالفعل التي جعلت الأمر صعبا للغاية على المنتجين الرئيسين في التوافق على جهود جديدة من أجل استعادة توازن السوق خاصة مع بدء عدد منهم بقيادة السعودية في تطبيق مبكر لاتفاق الحد من الإنتاج بنحو 9.7 مليون برميل يوميا.
وأشار إلى أن الإنتاج الأمريكي يواجه أزمة حادة مع تراجع العقود الآجلة بنحو 16 في المائة وتدهور أنشطة الحفر مع استمرار حالة الوفرة الهائلة من إمدادات النفط ووصول صهاريج التخزين إلى السعة القصوى حول العالم، موضحا أن توازن سوق النفط على المدى القصير بات مهمة صعبة في ظل اتساع الفجوة بين العرض والطلب والتأثير المحدود المتوقع للتخفيضات الجديدة المقرر لها فعليا بداية الشهر المقبل.
بدورها، ذكرت نايلا هنجستلر مدير إدارة الشرق الأوسط وإفريقيا في الغرفة الفيدرالية النمساوية، أن جائحة كورونا ستظل الشغل الشاغل لسوق النفط والاقتصاد العالمي لفترة طويلة، مبينة أن معرفة المدى الحقيقي للضرر الناجم عن كورونا غير معروف بدقة حتى الآن ويرجع ذلك أساسا إلى تريليونات الدولارات من الدعم الحكومي الذي تم تقديمه إلى الشركات، حيث إن العلاقات الجيوسياسية وطرق التجارة تغيرت بالفعل بشكل جذري.
ولفتت إلى الحاجة إلى مرونة جديدة قائمة على نظام اقتصادي متنوع لمواجهة الأزمات أو الأوبئة الدولية المستقبلية والتخفيف منها، مبينة أنه بالنسبة إلى منتجي النفط يجب أيضا تقليل الاعتماد على الطلب الصيني المتأرجح والمسارعة في خطط تحول وتنويع مزيج الطاقة وأخذ الاحتياطات اللازمة لمواجهة الأزمات الطارئة وتعدد البدائل خاصة فيما يتعلق بأسواق بيع النفط.
وفيما يخص الأسعار، انخفضت أسعار النفط أمس، وسط مؤشرات على امتلاء طاقة التخزين العالمية سريعا، ما يثير مخاوف من أن تخفيضات الإنتاج لن تأتي بالسرعة الكافية لتعويض انهيار الطلب جراء جائحة فيروس كورونا بالكامل.
وقادت الخسائر العقود الآجلة للنفط الأمريكي، التي انخفضت أكثر من دولارين للبرميل بسبب المخاوف من قرب وصول طاقة التخزين في مركز كوشينج في أوكلاهوما للطاقة القصوى.
وارتفعت مخزونات الخام الأمريكي إلى 518.6 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في 17 نيسان (أبريل) مقتربة من مستواها القياسي على الإطلاق عند 535 مليون برميل الذي سجلته في عام 2017.
وبحسب "رويترز"، نزلت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي لشهر حزيران (يونيو) 2.05 دولار أو 12.1 في المائة إلى 14.89 دولار للبرميل بحلول الساعة 06:38 بتوقيت جرينتش، بينما انخفض خام برنت 1.08 دولار ما يعادل 5 في المائة إلى 20.36 دولار للبرميل. وينتهي عقد حزيران (يونيو) لبرنت يوم الخميس.
وسجلت التعاملات الآجلة على النفط خسائر للأسبوع الثالث على التوالي الأسبوع الماضي، وانخفضت في ثمانية من الأسابيع التسعة السابقة. وأنهى برنت الأسبوع منخفضا نحو 24 في المائة وفقد خام غرب تكساس 7 في المائة.
وامتلأت 70 في المائة من طاقة التخزين في مركز كوشينج وهو نقطة تسليم خام غرب تكساس الأمريكي بحلول منتصف نيسان (أبريل). ويقول متعاملون "إن الطاقة المتاحة مستأجرة كلها بالفعل".
وربما لا يخفض المنتجون الإنتاج بالسرعة الكافية أو بالحجم الكافي لدعم الأسعار ولا سيما حين يُتوقع أن ينخفض الناتج الاقتصادي العالمي بنسبة 2 في المائة هذا العام وهو أسوأ مما حدث إبان الأزمة المالية، في حين انهار الطلب على الخام بنسبة 30 في المائة بسبب الجائحة.
وفي ظل السعي إلى خفض الإنتاج سريعا، نزل عدد الحفارات النفطية العاملة في الولايات المتحدة إلى أقل مستوى منذ تموز (يوليو) 2016 كما تراجع إجمالي عدد حفارات النفط والغاز في كندا إلى أقل مستوى منذ عام 2000 بحسب بيانات "بيكر هيوز".
من جانب آخر، تراجعت سلة خام "أوبك" وسجل سعرها 14.31 دولار للبرميل الجمعة الماضي مقابل 15.23 دولار للبرميل في اليوم السابق.
وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" أمس، "إن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة حقق أول انخفاض عقب ارتفاع سابق، كما أن السلة خسرت أربعة دولارات مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي الذي سجلت فيه 18.17 دولار للبرميل".