"حارس الجبل" .. حكايات الحب والحرب في "سنة الموت"
من "الموت الأسود"، حتى جائحة كورونا الحالية، عرف العالم صنوفا من الأوبئة التي تفشت في أجساد البشر، فقتلت آلافا وملايين منهم، وعلى سبيل التحديد، في الجزيرة العربية، لا يزال أهلها يذكرون "سنة الموت"، التي تركت أثرا موجعا في الذاكرة، جسده المسلسل البدوي "حارس الجبل".
تسيطر على المسلسل أجواء الحنين إلى الماضي الجميل، بكل ما يحمله من ألم ومعاناة، الذي يخوض غمار السباق الرمضاني هذا العام عبر ثيمة الصحراء، وقيم البداوة، وتمثل الحياة التي عاشها الأجداد بكل تفاصيلها، الحلوة والمرة.
حب ونزاع
في قالب جديد مليء بالتشويق، تدور أحداث "حارس الجبل" حول قصص الحب والحرب التي تنشأ في زمن النزاعات، حيث شهدت الجزيرة العربية في العام الذي سمي بـ"سنة الموت" جوعا وأمراضا وجفافا، أدت إلى حروب وغزوات بين القبائل من أجل البقاء، ورغم ما يعصف بشخصيات العمل، يبقى للحب مكان، فلم يستطع الموت القضاء على الحب الذي يبلل عروق الشخصيات، وما تحمله من تفاصيل مغايرة، لنشهد أجمل قصص الحب.
ولم ينس المسلسل في تجسيده واقع حياة البادية تجسيد دور المرأة، الذي لم يقدمها كامرأة مهمشة تنتظر حبيبها وتقدم له الطعام، إنما قدم نماذج لشخصيات نسائية قوية وكبيرة، لديها حكمة وقوة وتقرر مصيرها، ولديها قدرة على التعامل مع الحياة.
ويمثل "حارس الجبل" عودة للفنانة الأردنية صبا مبارك إلى الشاشة الصغيرة، بعد غياب لأعوام، تؤدي فيه دور "رمال بنت الشيخ خلاف"، الذي تبرز فيه قدراتها كفارسة، تتمتع بمهارات رمي السهام وإصابة الهدف بشكل دقيق، وركوب الخيل، بمهارة منافسة لفرسان قبيلتها، وقدرة استثنائية على مواجهة الرجال، مثل ابن عمها الذي يدعي خوفه على سمعتها، نتيجة خروجها بمفردها وعودتها في وقت متأخر، لكنها تقف أمامه بشجاعة وتنهره على قوله، أو الشيخ شامخ الذي أنقذها من مأزقها في الصحراء، ورفضت مرافقته لها في الطريق إلى ديرتها.
ويثبت "حارس الجبل" أن للأعمال البدوية مريديها من المشاهدين، بدلالة التفاعل الواسع والحديث عن المسلسل في منصات التواصل الاجتماعي، ما ينبئ بتحقيق نسب مشاهدة مرتفعة.
وإلى جانب صبا مبارك، يشارك في بطولة العمل الفنان السعودي عبدالمحسن النمر، ونخبة من الفنانين، منذر رياحنة، خالد القيش، رهف الرحبي، نورا العايق، هبة زهرة، خالد الطريفي، وآخرين، وتأليف حازم فضة، وإخراج سائد الهواري، ويبث على قناة روتانا خليجية.
شامخ في مواجهة الشر
حول اهتمام المشاهدين بالعمل الفني وانعكاسه على نسب المشاهدة، عد الفنان عبدالمحسن النمر ذلك دليلا على أنه لا يزال للدراما البدوية جمهور كبير، يحرص على متابعة القصص التي تذكرهم بالماضي الجميل، بعيدا عن تلك التي تتطرق إليها الدراما العربية، مبينا أن العمل مختلف عن المسلسلات البدوية التقليدية، حيث إنه يعكس الثقافة البدوية التي نعرفها، التي لم تطرح من قبل، وفيه فنتازيا، مع وجود البيئة الشامية، ليشكل عملا متنوعا بامتياز.
وقال لـ"الاقتصادية"، "إنه يجسد دور "شامخ حارس الجبل"، فارس قبيلته وابن شيخها صقر، الذي يعيش قصص الثأر والانتقام بموازاة العشق والهيام، ويتأثر بفقدان عائلته وقبيلته نتيجة مرورها بعام صعب مصحوب بالمرض والجوع والغزو سمي بـ"سنة الموت"، فيحمل حزنه وذكرياته ويقرر العيش معها وحيدا على الجبل، لكنه يعود بعد مرور أعوام قليلة ليواجه الشر متجسدا في شخصية "خماش"، الذي يجمع حوله جيشا من قطاع الطرق والمطاريد ويريد السيطرة على القبائل المحيطة بالجبل".
ويلعب النمر دورا معقدا، وفيه يفقد عائلته المكونة من زوجته قمر، وابنه وابنته الصغيرين، وبسبب الجفاف وقلة المراعي والمياه يرسله والده ليبحث عن مراع جديدة لينتقلوا إليها، لكنه عندما يعود لا يجد سوى بقايا جثث عائلته وقبيلته التي هاجمها الغزو في غيابه.
وأكد الفنان عبدالمحسن النمر أنه ليس هناك سر في نجاحه في الأعمال البدوية، موضحا أن الأعمال البدوية مثل غيرها من الأعمال الدرامية، والفارق الوحيد أن قصة العمل تتم في الأجواء والطبيعة البدوية بما تحمله من قوالب خاصة، لكن التنافس يكون في الحبكة وقوة الحكاية في جذب الجمهور، وهذا ما توافر في "حارس الجبل" حسب تصريحه، لافتا إلى أنه شارك من قبل في بطولة عديد من الأعمال البدوية، منها العقاب والعفرا، فنجان الدم، الدمعة الحمراء، وأبواب الغيم.
باحث عن السلطان
على الجانب الآخر، يجسد الشر في مسلسل "حارس الجبل" شخصية "خماش"، التي يؤديها الفنان منذر رياحنة، ويبحث خلال حلقات العمل عن المال والسلطة بشتى الطرق، وإن كان عبر القتل والحرق والسلب، إذ جمع جيشا حوله من قطاع الطرق والمطاريد، ومع رجوع الحياة حول الجبل يحاول خماش السيطرة على القبائل المحيطة بالجبل بقوة وعنف، ويخفي وراء شره ذكاء ودهاء وحنكة، فنراه قويا واضحا، ومحبا واضحا، وخبيثا واضحا في الوقت نفسه، وهو صاحب ماض وطفولة بائسة، ودوافعه ليست إلا القوة والسلطان.
شخصية كهذه ليس من السهل تقديمها، يقول رياحنة عنها "إن "خماش" شخصية غريبة ومختلفة عن كل الأدوار القديمة التي لعبها في الدراما البدوية، وهو دور صعب، لذلك في البداية كان يعيش في خوف من رد فعل الجمهور، لأنه يتعامل مع الجمهور على أنهم هم من يضعون التقييم، ويقف كتلميذ ينتظر النتيجة"، مبينا أن ردود الأفعال والتفاعل حتى الآن مميزان عن دوره والعمل عموما.
وواجه تصوير مسلسل "حارس الجبل" ظروفا صعبة تتعلق بتداعيات جائحة كورونا، التي دهمت العمل أثناء تصوير الثلث الأخير منه، ويقول الفنان الأردني منذر رياحنة "إنه رغم الصعوبات التي واجهت فريق العمل أثناء التصوير في الصحراء في مدينة العين الإماراتية، إلا أنهم تمكنوا من الانتهاء من تصوير العمل قبل ساعات من بداية شهر رمضان المبارك، كأحد أضخم إنتاجات هذا العام، دون إغفال التفاصيل الفنية والتقنية والإنتاجية، مرورا بالأزياء والمكياج والديكورات، كما أن الفنانين بذلوا جهودا مضاعفة لإنهاء العمل بالشكل الذي يليق به، بعد تطبيق الاحترازات والإجراءات الطبية لاستكمال التصوير".