الفيروس التاجي والعولمة كما نعرفها

لقد كانت العولمة في تسارع منذ التسعينيات الميلادية، فمع عصر المعلومات، سارت العولمة بشكل مفرط. أطلق التقدم في تكنولوجيا الكمبيوتر والاتصالات عصرا عالميا جديدا أثرت هذه الثورة الرقمية بشكل كبير في الاقتصادات في جميع أنحاء العالم حيث أصبحت أكثر ترابطا.
فمن الأبعاد العديدة للعولمة الاقتصادية: زيادة حركة المسافرين عبر الحدود، إضافة إلى الاستخدام اليومي المتزايد للمنتجات التي يتم الحصول عليها حول العالم، وارتفاع التجارة الخارجية، والتغييرات في استراتيجيات الشركات على أساس الوجود الدولي للشركات وتأثيرها المحتمل في العمالة؛ حيث تنتقل من الدولة الأم إلى دول منخفضة في تكلفة العمالة، وظهر الانتشار العالمي السريع للأزمات المحلية. والاعتماد المفرط على سلاسل التوريد العالمية، أي بعبارات أخرى، الانتشار العالمي عبر الحدود.
إن مزايا وعيوب العولمة موضوع نقاش مستمر. ولكن ظهر الجانب السلبي للعولمة في زيادة خطر انتقال مرض فيروس كورونا التاجي في جميع أنحاء العالم.
لقد أحدثت جائحة فيروس كورونا حواجز جديدة بسرعة مذهلة. وقد دفعت الحدود المغلقة، وحظر السفر، وسلاسل التوريد المشلولة، وقيود التصدير كثيرين إلى التساؤل عما إذا كانت العولمة نفسها قد تقع ضحية للفيروس التاجي. في الواقع، تم تسليط الضوء على العولمة حيث وصلت إلى ذروتها قبل الأزمة المالية العالمية 2007 - 2008، تسببت الأزمة المالية في التساؤل بجدية حول العولمة المالية، التي زادت إلى حد ما من المخاطر المرتبطة بالأنشطة المصرفية والأسواق المالية وأحدثت اختلالات مالية بين القوى الاقتصادية. وأثرت في عديد من البلدان في وقت واحد وأدت إلى أزمة اقتصادية عالمية. وتم عديد من الإصلاحات المالية تحت إشراف وزراء المالية في مجموعة "العشرين".
ومن المؤكد أن هذا الوباء يسلط الضوء على المخاطر الكامنة في الاعتماد المفرط على سلاسل التوريد العالمية، ويحث على إعادة توطين الإنتاج، ويشدد على مفهوم الاعتماد المتبادل الدولي. والنتيجة المحتملة هي تسارع التغييرات التي كانت تسير منذ فترة طويلة نحو شكل جديد مختلف ومحدود للعولمة.
لقد أدى الترابط العالمي للسلع والخدمات ورأس المال والأشخاص والبيانات والأفكار إلى تحقيق فوائد لا يمكن إنكارها. ولكن خلال هذا الوباء، دخلت مخاطر التبعية الوعي العام بشكل كامل. ما رفع تساؤلات عن العولمة، فعلى سبيل المثال جاءت أول علامة مرئية عندما أدت المصانع التي تم إغلاقها في الصين إلى تأخير في تسليم Apple أجهزة iPhone، واستمرت مع إبلاغ الشركات الأخرى عن حدوث انقطاعات 17في المائة في مصانع الصين إلى إغلاق مصانع السيارات في أوروبا وعندما انتشر الوباء في الولايات المتحدة. علم الأمريكيون أن 72 في المائة من المرافق التي تنتج المكونات الصيدلانية للاستهلاك الأمريكي تقع في الخارج - معظمها في الاتحاد الأوروبي والهند والصين. ثم أغلقت دول الاتحاد الأوروبي مثل فرنسا وألمانيا حدودها ليس أمام المسافرين فحسب، بل منعت تصدير الكمامات إلى إيطاليا وإسبانيا. إضافة إلى توقيف بعض الدول شحنات من الإمدادات الطبية في طريقها إلى دول أخرى، ومنع عديد من الدول تصدير القمح والمواد الغذائية. عندما تحارب كل دولة فجأة من أجل نفسها، تبدو فكرة الاعتماد المتبادل الدولي جديرة بإعادة التفكير. حتى في أيامه الأولى، أظهر الوباء هشاشة سلاسل التوريد، وحفز الاستجابات المحلية بدلا من الاستجابات الدولية التعاونية، وعزز الحجج القومية لإعادة تنشيط التصنيع والحد من العمالة الوافدة. حيث أدى المسح الكامل للمواطنين والمقيمين للفحص من كورونا إلى كشف الجوانب السلبية للعمالة الوافدة، كما أوضح أن حكومة الدولة هي الجهة الفاعلة الرئيسة – لحماية المواطنين والمقيمين، وأن الدولة هي المستجيب الرئيس والملاذ الأخير للوباء وعواقبه الاقتصادية.
لن تكون هذه نهاية العولمة. وبدلا من ذلك، من المرجح أن يرى العالم نسخة مختلفة ومحدودة من التكامل العالمي عن تلك التي عرفناها على مدى العقود الثلاثة الماضية. ملامحها بالكاد ملحوظة، لكنها مرئية مع ذلك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي