المنعطفات المرتقبة والجديدة للسوق العقارية
استكمالا لنظرة المتابعة ومراقبة التطورات المحتملة على أداء السوق العقارية المحلية، في ظل تتابع تنفيذ عديد من الإجراءات والقرارات المرتبطة بدعم الاقتصاد الوطني، في إطار المواجهة مع تداعيات آثار انتشار الجائحة العالمية فيروس كورونا كوفيد - 19.
لا بد من التأكيد قبل تلك المتابعة أن جزءا كبيرا مما حصل تأجيله أو إضعاف تأثيره خلال فترات زمنية سابقة، كانخفاض الأسعار السوقية المتضخمة لمختلف الأصول العقارية بشكل ملموس، كنتيجة منتظرة ومأمولة بعد تطبيق نظام الرسوم على الأراضي البيضاء في المدن والمحافظات، ستصبح الفترة الزمنية المقبلة التي إما ستخلو وإما تضعف خلالها المتغيرات التي أسهمت في منع الانخفاض في الأسعار المتضخمة كما كان مستهدفا، أو حتى أسهمت في عكس اتجاه الأسعار من التخلي عن مستوياتها المتضخمة، لتعود إلى الارتفاع مجددا بوتائر أقوى مما كانت عليه قبل تدشين نظام الرسوم على الأراضي البيضاء، تشير الأوضاع الراهنة ووفقا لتجارب الأسواق إلى أن كل تلك التأجيلات أو المنع لانخفاض الأسعار، قد تحدث بصورة مكثفة وخلال فترة زمنية أقصر، على عكس ما كانت ستستغرقه خلال الأعوام الماضية.
التجربة القائمة أمامنا جميعا لحالة السوق العقارية المحلية، تظهر وتثبت تطابقها إلى حد بعيد مع ما تقدم ذكره، حيث اتخذ تطبيق الرسوم على الأراضي البيضاء طريقا مختلفا تماما عما كان منتظرا له، وكما كان مأمولا له قياسا على عمق الاعتلالات وضخامتها التي كانت تعانيها السوق العقارية طوال أكثر من عقدين ماضيين، أفضت آلية التطبيق تلك بمنهجيتها عند الحد الأدنى منها، ما سمح بدوره بدرجة كبيرة لملاك الأراضي والمضاربين عليها لامتصاصها سريعا، وتجاوزها دون صعوبات تذكر، مستكملين نشاطاتهم المعتادة في مختلف أنحاء السوق العقارية المحلية، بل خدمها أيضا الانفتاح الكبير لقنوات التمويل الائتماني بصورة غير مسبوقة، ما أسهم بدوره في منح مزيد من قوة نشاطات وممارسات تجار الأراضي والعقارات والمضاربين، لتتحول الأسعار السوقية للأراضي والعقارات نحو الارتفاع مجددا خلال 2019 حتى نهاية آذار "مارس" الماضي، على عكس ما كان يستهدفه نظام الرسوم على الأراضي البيضاء، وعلى عكس أهداف برنامج رفع نسبة تملك المساكن للمواطنين بأسعار مقبولة وعادلة.
تظهر الأوضاع الراهنة التي تقف عليها السوق العقارية، أنها بدأت تأخذ طريقا مختلفا عما كانت عليه طوال الأعوام الأخيرة، ودخول متغيرات مستجدة كضريبة القيمة المضافة بمستواها الجديد المرتفع ستتصاعد آثارها شهرا بعد شهر، دون إغفال التأثير الكبير لبقية المتغيرات الاقتصادية والمالية، التي تكاد تلتقي عند اتجاهات لا تخدم ارتفاعات الأسعار المتضخمة كما يأمل تجار الأراضي والعقارات، سبق الحديث عنها في أكثر من مقال ومقام، كنتيجة لتداعيات انتشار الجائحة العالمية فيروس كورونا كوفيد - 19، هذا عدا التأثير المحتمل مستقبلا لعديد من المتغيرات التي تتدخل في تحديد اتجاهات السوق العقارية المحلية على المستويات كافة، يمكن تصور اتجاهاتها بناء على ما يقف عليه الاقتصاد الوطني من تحديات راهنة، تطلبت اتخاذ سياسات وإجراءات صارمة لحماية مقدرات الاقتصاد الوطني واستقراره في الأجل المتوسط والطويل، وهي بالتأكيد السياسات التي لا تلتقي بأي حال من الأحوال مع مصلحة المستفيدين حصرا من استمرار تضخم الأسعار في السوق العقارية، في الوقت ذاته الذي يجب الإشادة بالتقاء تلك السياسات والبرامج والإجراءات مع مصلحة القطاع المنتج من الاقتصاد، ممثلاً في منشآت القطاع الخاص، إضافة إلى غالبية أفراد وأُسر المجتمع من مواطنين ومقيمين، وهذا بكل تأكيد هو الأهم وذو الأولوية القصوى من وجهة نظر المخطط الاقتصادي.
لعل من أبرز ما يجب التذكير به حول أكبر العوامل التي أسهمت خلال العامين الأخيرين في عودة الأسعار المتضخمة للأراضي والعقارات، التي ارتبطت بدرجة أساسية بالدخول الثقيل الوزن للتمويل العقاري على الطريق، وكيف أنه لعب دورا كبيرا في ارتفاع الأسعار مجددا في ظل تراخي بقية الأدوات الهادفة إلى كبح أشكال الاحتكار والمضاربة، والحد من آثارهما السلبية في عدالة الأسعار السوقية، والدفع بها نحو مستويات بالغة الضرر على الاقتصاد الوطني والمجتمع، أن ذات العوامل تلك ستأخذ تدريجيا اتجاهات مختلفة عما كانت عليه سابقا، رضوخا منها لتأثير العوامل المستجدة التي يتقدمها التداعيات الواسعة لانتشار الجائحة العالمية فيروس كورونا كوفيد - 19، والمستوى الجديد لضريبة القيمة المضافة، إضافة إلى آثار الإجراءات والقرارات التي تم اتخاذها محليا بهدف المحافظة على استقرار الاقتصاد الوطني وحماية مقدراته، يمكن تصور اتجاه تلك العوامل في اتجاهين رئيسين.
يتمثل الاتجاه الأول في ارتفاع درجات التحوّط من قبل البنوك ومؤسسات التمويل تجاه مخاطر انتشار الفيروس، التي ستؤثر بدرجة كبيرة في أوضاع السوق العقارية المحلية، التي أصبحت تعتمد بشكل كبير على تمويل تلك البنوك ومؤسسات التمويل، وما أصبح التمويل يشكله من وزن نسبي كبير لنشاط السوق العقارية، وبحال قيام البنوك ومؤسسات التمويل باتخاذ أية تدابير تحوطية تقتضيها تحديات ومخاطر الأوضاع الراهنة، فإن ذلك سيؤثر عكسيا في سيولة السوق العقارية، وعلى مستوى نشاطها والأسعار السوقية لمختلف أصولها. الاتجاه الثاني: يتمثل في ارتفاع استجابة الأسعار المتضخمة للتطورات الراهنة، التي استفادت بدرجة كبيرة من ارتفاع حجم القروض السكنية طوال أكثر من عام مضى، فإنه وفقا للمسار العكسي المتوقع نتيجة انكماش إنفاق المستثمرين والأفراد والتمويل، يتوقع أن يشكل هذا التحول ضغوطا كبيرة على مستويات الأسعار.