الأتمتة وسياسة توطين العمالة
نحن نتجه إلى ما يعرف بالثورة الصناعية الرابعة أو الصناعة 4.0، التي تركز على الأتمتة، وتبادل البيانات، وإنترنت الأشياء والأنظمة المادية الفيزيائية، والحوسبة السحابية. هذه تتضمن استبدال الأشخاص بالآلات، حيث يمكن للمستخدمين الوصول بسهولة إلى مجموعة من الأجهزة والبيانات من نقطة تحكم واحدة فقط. هذا يعني أنه يمكن لشخص واحد العمل على عدد من الآلات المؤتمتة للقيام بمهام متعددة تتطلب خلاف ذلك إدخال عشرات أو مئات العمال.
ما هو جيد أنه عند الاستثمار في آلة للإنتاج، فإن ذلك يسمح بتقليل عدد العمال اللازم لعمل كثير من المهام المتدنية. كما يرافقه تطور الاقتصاد ويصاحبه زيادة في الإنتاج، وتوليد الوظائف عالية المستوى. في الواقع، وجدت دراسة في "تاريخ ومستقبل الأتمتة في مكان العمل" من قبل الجمعية الاقتصادية الأمريكية، أن الأتمتة هي منشئ الوظائف، حيث تميل التكنولوجيا إلى تحفيز نمو الوظائف. إضافة إلى جودة هذا العمل - والسرعة والكفاءة، وزيادة الإنتاجية، وتخفيض تكاليف التشغيل وزيادة هامش الربحية، وإكمال المهام التي تتطلب درجة عالية من الدقة.
ولعل من تجارب دول سبقتنا، أمثلة واضحة ماثلة أمامنا، ما مكنها من تشغيل عمالتها الوطنية، وبالتالي إيجاد فرص عمل أكثر رقيا وأقل جهدا عضليا وأكثر دخلا للموظف، بينما تتحقق المعادلة الصعبة في توفير دخل أكبر لصاحب المشروع، وذلك بالاستغناء عن الأعداد الكبيرة من العمالة غير الماهرة التي يعج بها القطاع الخاص.
الاهتمام المتزايد الذي أولي منذ أواخر السبعينيات لدور التغيير التقني وأدى إلى تحسين كمية ونوعية الناتج المحلي، حيث أدت الصناعة، خاصة التوسع في استخدام الآلات، إلى الإنتاج الضخم للسلع ونمو المصانع، والتقدم في تحسين العمليات والمنتجات، وتزايد التنمية في قطاع الصناعة، الذي كان نابعا من التغيير في الهيكل الصناعي وحدث في عديد من الدول النامية الصناعية، مثل البرازيل والأرجنتين والصين وكوريا الجنوبية وتايوان، التي أصبحت منتجة كبيرة، ومن أكبر المصدرين.
وعلى الرغم من التقدم في الاقتصاد السعودي، فما زال يعتمد بكثافة على الأيدي العاملة متدنية المهارة، ورغم أن هناك اعتمادا على الآلات في المشاريع والمزارع، إلا أن الصناعة ما زالت تعتمد بكثافة على اليد العاملة، وكثير من الخدمات من حولنا تخضع لسيطرة عمالة متدنية المهارة، فنحن في العشرينيات من القرن الـ21، وهناك بعض الأعمال البسيطة التي تحولت بفضل الميكنة إلى أعمال ذات طبيعة سهلة في الأداء متقدمة في تنفيذ الخدمة، راقية في التعامل، بحيث يتم استبدال العمالة الوافدة في المهام التي تنطوي على عمل جسدي أو رتيب "على سبيل المثال، ومنها مثلا: محطات البنزين، وبالتالي التعبئة الذاتية، وغسيل السيارات "خمس خدمات، على الأقل بخدمة ذاتية ودفع آلي"، والمخابز الآلية والاستغناء عن أفواج عمال المخابز "إنتاجية، نظافة، أداء، تقليل هدر، ضبط جودة وغيرها"، وتنظيف الطرق بالإمكان ميكنة تنظيف الشوارع بسهولة، وخفض عدد عمال البلدية، بحيث يتم استخدام التكنولوجيا التي تطور وسائل الإنتاج وأساليبه وتؤدي مهام تتجاوز القدرات البشرية من حيث الحجم والوزن والسرعة والتحمل، وغيرها. وتقلل من وقت التشغيل ووقت التعامل مع العمل بشكل ملحوظ، وتوفر وظائف ذات مستوى أعلى في تطوير ونشر وصيانة وتشغيل العمليات الآلية. لدينا كثير من المهام التي تضيع كثيرا من الموارد في الاعتماد على العمالة الوافدة.
إذا راجعنا إحصائيات العمل في السعودية، فإن عدد السعوديين المشتغلين في المملكة "من دون القطاعات العسكرية" فوق 3.1 مليون، يعمل منهم 1.7 مليون في القطاع الخاص، وعدد المشتغلين غير السعوديين في القطاع الخاص 6.44. وهناك تضخم في القطاع الحكومي، بينما نسبة السعوديين في القطاع الخاص 21 في المائة، حسب إحصائيات 2019، الربع الرابع. إذا تمت الأتمتة سينخفض عدد المشتغلين غير السعوديين، وسيتم استحداث وظائف أعلى مستوى وأعلى دخلا بسبب الأتمتة، يمكن أن يشغلها السعوديون.
ومن وقائع هذه الأرقام، نقرأها بأن القطاع العام يوظف 1.47 مليون، 46 في المائة من إجمالي العاملين السعوديين "ولا يشمل العاطلين عن العمل ويصنف كباحث عن العمل" 945.387 وهم كما يوضح الرقم يقارب المليون، كما أن القطاع الخاص يوفر 70 في المائة من إجمالي الوظائف في المملكة. وهذا يدل على أهمية القطاع الخاص في توفير الوظائف، التي يذهب معظمها للعمالة غير السعودية. 79 في المائة من وظائف القطاع الخاص ذهبت لغير أبناء الوطن، وهذا الرقم يكاد يكون واقعيا ومؤلما، ويبين الفرصة لتخفيض نسبة البطالة - بإذن الله. إذا تم إعادة هيكلة الوظائف باستخدام الأتمتة وما يتولد منها من إحلال الآلات محل العمالة المتدنية المهارة وصنع وظائف جديدة.
أتمنى أن يتخذ قرار يشجع على الأتمتة واستخدام الآلة وربطها باستخراج تأشيرات العمالة، وألا تصدر لعمل من الممكن أتمتته، وإحلال الآلة محل العمالة متدنية المهارة، وإيجاد وظائف عليا تدير تلك الآلات وتوظف المواطنين، حيث إن الأتمتة تحفز نمو الوظائف العليا وترفع نسبة التوطين، إضافة إلى تحسين جودة هذا العمل وزيادة الإنتاجية.