نظام عالمي جديد يرعى كوكب الأرض
يرتفع صوت العلماء - في هذه الأيام - بقوة، وهم يناشدون المجتمع الدولي ضرورة الحفاظ على بيئة نظيفة فوق كوكب الأرض، ويطالب العلماء منظمة الأمم المتحدة بأن تضع بروتوكولا ملزما لنظافة الأرض من المواد السامة التي لوثت المناخ، وجعلت الأرض مكانا جاذبا للأوبئة ومكمنا لتجميع النفايات والمواد السامة، ويحذر العلماء من جوائح متعاقبة ستلاحق البشرية وتطاردهم وتجعل كوكب الأرض مكانا غير صالح للسكن أو الحياة.
ونلاحظ أن موضوع تلوث المناخ في كرتنا الأرضية كان وما زال من أهم العناوين التي تتصدر جداول أعمال مجموعة العشرين، ولذلك حينما تقرر أن يعقد اجتماع مجموعة العشرين في العاصمة الرياض، قال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، في كلمة ترحيبية ضافية، إن موضوع تلوث المناخ سيكون من الموضوعات التي ستحظى باهتمام المؤتمر، وتشعر المملكة بأن قضية تلوث المناخ في كوكب الأرض لم تعد من الموضوعات التي يمكن تجاهلها، بل أصبحت قضايا الحفاظ على بيئة نظيفة من أهم القضايا التي يجب أن تشغل الإنسان فوق كوكب الأرض.
إن قضايا البيئة والتلوث أضحت تقلق العلماء ومراكز الأبحاث في كل أنحاء العالم، بل أصبحت قضايا التلوث التي ألحقت أضرارا بالغة بصحة البشر، وأضرت بالمحاصيل الزراعية، وتغيير مناخ وجغرافية الأرض تقلق كل الحكومات في كل أنحاء العالم، ولا سيما بعد جائحة كورونا.
واللافت أنه لا يكاد يمر يوم إلا ومراكز الأبحاث والدراسات تصدر التقارير المخيفة عن مستقبل الإنسان فوق كوكب الأرض، وبالأمس القريب تلقى الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة تقريرا مفزعا يقول إنه ليس أمام العالم إلا عاما واحدا للتحرك كي يمنع سلسلة من الانهيارات في منظومة التوازنات البيئية التي هي أساس بقاء الإنسان فوق كوكب الأرض، ويلمح التقرير إلى أن نصف الغابات التي كانت تكسو الكرة الأرضية لم يعد لها وجود، وثلاثة آلاف مليون طن من غاز ثاني أكسيد الكربون تسمم الجو سنويا، ومليارات من الأطنان هي كمية النفايات التي ينتجها الإنسان يوميا فوق كوكب الأرض، مع الزيادة المتطرفة في معدلات عدد السكان حيث بلغت ستة مليارات نسمة في مطلع القرن الحالي، وسبعة مليارات اليوم، وينتظر أن تبلغ عشرة مليارات نسمة قبل حلول 2050، بينما 40 في المائة من سكان الأرض يعانون شح المياه العذبة!
وإزاء ذلك أصدرت منظمة الأمم المتحدة تقريرا يتوقع أن ترتفع درجة حرارة الأرض بمعدل ثلاث إلى أربع درجات في بعض الدول بحلول 2050، وهو ما يشكل زيادة غير طبيعية لحرارة الأرض، وإذا حدث هذا - لا سمح الله - فإن الحرارة ستتسبب في حدوث آثار كارثية في البشرية جمعاء، منها ارتفاع منسوب مياه البحار ما بين 34 و52 سم، ولا شك أن هذا التغيير السيئ في المناخ سيؤثر سلبا في الإنسان المكلف بعمارة الأرض، كما جاء في قرآننا الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وسيترتب على ذلك انخفاض ملحوظ في معدل النمو الاقتصادي، حيث إن ارتفاع الحرارة درجتين مئويتين فوق كوكب الأرض، سيؤدى بالضرورة إلى نقص ملحوظ في المحاصيل الزراعية، كما سيؤدي إلى ارتفاع قياسي في درجة الحرارة التي ستنجم عنها موجات من الأعاصير المدمرة التي تهدد استمرار الحياة فوق كوكب الأرض.
إن هذه التغيرات في طبوغرافية الأرض وحرارتها أدت وستؤدي إلى تغيير دراماتيكي في خريطة الأمراض المنتشرة فوق الكرة الأرضية، فبعد أن أصبح كثير من الأمراض الفتاكة من مخلفات الماضي، عادت هذه الأمراض تفتك بالإنسان بشراسة أكبر وأفدح، ولم تعد أدوية المضادات الحيوية التي اكتشفها الإنسان - بعد جهد جهيد وأعوام طويلة وأموال كثيرة - قادرة على إيقاف زحفها نحو الإنسان، ونذكر - على سبيل المثال - أن فيروس كورونا الذي اجتاح منطقة شبه الجزيرة العربية في الأعوام القليلة الماضية لم ينجح الإنسان حتى الآن في اختراع اللقاح المضاد له، بل عاد إلى الكرة الأرضية بكورونا المستجد، وها هي البشرية تحاول مكافحته بالبحث عن علاج وأمصال.
الأخطر من ذلك أن بعض العلماء تكررت تحذيراتهم من أن كوكب الأرض سيتعرض إلى انفجار أكبر بركان في العالم، وهو البركان النشط الموجود في منطقة بول ستون بارك في وسط أمريكا، ويؤكد الجيولوجيون الأمريكيون أن الحمم المنصهرة من هذا البركان كافية لتغطية أمريكا كلها بالحرائق، والخطر الأكبر هو وصول هذه الحرائق إلى مخزون السلاح النووي الأمريكي، الذي إذا وصلت - لا سمح الله - إليه الحرائق، فإنه قادر على تدمير الكرة الأرضية بمن فيها وما فيها.
إن المسؤولية تطول كل إنسان يعيش فوق كوكب الأرض وتطالبه من موقعه بأن يرفق بالبيئة، وأن يكون من حماتها المسؤولين، بمعنى أن المطلوب من السياسيين أن ينتصروا لكل المشاريع الداعمة لبيئة نظيفة، والمطلوب من المثقفين أن يضعوا البيئة النظيفة في مقدمة أعمالهم الإبداعية، كذلك المطلوب من السينمائيين أن ينتجوا أفلاما وأعمالا تركز عناوينها على أهمية حماية كوكب الأرض من التلوث، ومطلوب من الصناعيين أن يستخدموا المواد النظيفة في مصانعهم، ومطلوب من مؤسسات التعليم أن تدرس الطلاب أهمية نشر الوعي البيئي في المجتمعات، ومطلوب من رجل الشارع العادي أن يحافظ على بيئة عامرة بالنظافة، ومطلوب من كل البشر (كل من موقعه) أن يسهم في بناء بيئة نظيفة وجميلة وصالحة للعيش والحياة.