«الصحة العالمية» والانتقادات الدولية
تعرضت منظمة الصحة العالمية في الأيام القليلة الماضية لوابل من الانتقادات الحادة من مختلف الدول والمنظمات وبعض الجهات الصحية العالمية، بسبب إخفاقها في إدارة أزمة وباء كورونا المستجد، وهو الوباء الذي انتشر في كل دول العالم، وألحق بهذه الدول أضرارا غير مسبوقة، وبدأت الانتقادات من رأس الهرم في الإدارة الأمريكية، وبالتحديد من الرئيس دونالد ترمب الذي اتهم المنظمة بأنها تتواطأ مع الصين، ولم تحمل الصين مسؤولية انتشار الوباء في كل أنحاء العالم، وحذر الرئيس الأمريكي ترمب بقطع التمويل الأمريكي الذي يقدر بنحو 500 مليون دولار سنويا عن منظمة الصحة العالمية، بل هدد بانسحاب الولايات المتحدة من عضويتها إذا لم يتحسن أداء المنظمة خلال 30 يوما، وفي إطار هذه التهديدات نوه الرئيس الأمريكي إلى أن الإدارة الأمريكية تبذل جهودا مكثفة لكبح جماح النفوذ الصيني المتصاعد داخل المنظمات الدولية، والعمل على عدم تمكين الصين من تسييس المنظمات الإنسانية العالمية، مؤكدا أن الصين هي الدولة المسؤولة عن انتشار وباء كورونا المستجد في كل أنحاء العالم، وأن الصين لا بد من أن تدفع الثمن إزاء انطلاق هذا الفيروس من أراضيها وانتشاره في كل دول العالم وإلحاق أضرار كبيرة بمفاصل الاقتصاد العالمي.
وطالبت الإدارة الأمريكية بالتحقيق في تعرض العالم لهذا الوباء، مؤكدة أن التحقيق سيطرح أمام العالم فهما كاملا وشفافا للمصدر الذي انطلق منه الفيروس، كذلك فإن نتائج التحقيق ستسلط الضوء على مراحل صنع القرار لدى منظمة الصحة العالمية منذ أن انطلق الوباء من الصين، كذلك طالب البيان الذي أصدرته الإدارة الأمريكية بضرورة إصلاح منظمة الصحة العالمية، لتكون قادرة بشكل فعال على أداء وظائفها على الوجه الشفاف والنزيه.
كذلك من المآخذ التي يأخذها المجتمع الدولي على منظمة الصحة العالمية أنه في 31 كانون الأول (ديسمبر) 2019 قدم مسؤولو منظمة الصحة العالمية في تايوان معلومات تفيد بأن الفيروس ينتقل من إنسان إلى آخر عبر الهواء، لكن المنظمة لم تنشر هذه المعلومات أو تتبادلها - كما جرت العادة - مع الدول وبالذات الدول الكبرى، كذلك تأخذ الإدارة الأمريكية على رئيس منظمة الصحة العالمية انحيازه للحكومة الصينية، حيث هنأ الحكومة الصينية على الإجراءات الاستثنائية الناجحة التي اتخذتها لاحتواء المرض، مؤكدة أن لديها شكوكا في التزام الصين بالشفافية، وواصلت المنظمة ثقتها بقدرة الصين على احتواء تفشي الوباء رغم الفشل على الأرض.!
فضلا عن ذلك فإن المجتمع الدولي يأخذ على المنظمة أنها في 14 كانون الثاني (يناير) 2020 اتخذت موقفا مماثلا لموقف الحكومة الصينية، وقالت على حسابها في "تويتر"، إن الفيروس لا ينتقل من شخص إلى آخر، وإن التحقيقات الأولية التي أجرتها الحكومة الصينية لم تجد دليلا واضحا على انتقال الفيروس عبر الهواء في ووهان، بينما أخفت الحكومة الصينية تقارير تؤكد أن الفيروس ينتقل بين الأشخاص بسهولة، وتعويلا على ذلك أعلنت منظمة الصحة العالمية أن الفيروس ينتقل من شخص إلى آخر، وأعلنت حالة الطوارئ في العالم.
وكما حدث في 2013 اتهمت المنظمة بالتأخر في التحذير وفي إرسال خبراء على الأرض والتردد في وصف الجائحة بالوباء، وتساءل أنطوان فلاهو مدير معهد الصحة الشاملة في جامعة جنيف بسخرية وقال، هل هناك قائد أوركسترا لمواجهة فوضى كورونا؟
ورأى جو أمون أستاذ الصحة العالمية في جامعة دريكسل، أن رد الصين كان مخالفا للشفافية، إذ إن الحكومة قللت من عدد الإصابات، ومع ذلك فإن المدير العام لمنظمة الصحة العالمية أشاد بشفافية بكين.!
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن بعض الدوائر الأمريكية تطرح بعض الشكوك حول الدكتور تيدروس أدهانوم جيبرويسوس الإثيوبي المدير العام للمنظمة، وتلمح هذه الدوائر إلى أن الدكتور تيدروس انتخب بدعم من الصين، وهو أول رئيس يقود منظمة الصحة العالمية وهو لا يحمل تخصصا طبيا، فقد حصل على بكالوريوس علم الأحياء، ثم حصل على درجة الماجستير في مكافحة الأمراض المعدية، ثم حصل على الدكتوراه في الصحة المجتمعية.
من جانبها فإن الصين أخذت تصد الهجمات التي كانت تقودها الولايات المتحدة، وقال الرئيس الصيني شي جين بينج، إن أي تحقيق من هذا القبيل يجب أن ينتظر حتى تتم السيطرة على الأزمة الصحية العالمية، الأمر الذي يعني تفضيل تأجيل استئناف التحقيق حتى تمتص قوة الضغط الأمريكية. ولكن الإدارة الصينية لم ترفض التحقيق بل رحبت به وأكدت تعاونها، ولم يكتف الرئيس الصيني بذلك، بل أراد مقاومة الزحف الأمريكي نحو بلاده وأعلن تبرع الصين بملياري دولار لمكافحة الفيروس المستجد، موضحا أن الصين ستباشر بإرسال أطباء وإمدادات طبية إلى إفريقيا ودول العالم الثالث.
والواقع أن الانتقادات ضد منظمة الصحة العالمية أثرت في معنويات المنظمة التي تعرضت للارتباك، وبذلت مجهودات كبيرة للدفاع عن نفسها، ولكن استمرار الوباء بحدة كان أقوى من دفاعات منظمة الصحة العالمية، وبقدر ما كان الفيروس فتاكا في البشر، بقدر ما كان حجم الانتقادات ضد المنظمة قويا ومؤثرا.