برامج جودة الحياة بعد الجائحة
لا شك أن وباء كورونا المستجد والمفاجئ أحدث صدمة نفسية غير متوقعة عند الجنس البشري في كل دول العالم من دون استثناء، ولذلك فإن العالم كله يعاني تبعات هذا الوباء المؤلم والمؤسف، وبالتالي فإن العالم يسعى - بعد الجائحة - إلى تنفيذ برامج ومشاريع تنقل الشعوب من منطقة مكلومة وموغلة في التشاؤم واليأس إلى منطقة موغلة في التفاؤل والبهجة والفرح.
ونحن في المملكة بدأنا - ولله الحمد - مرحلة إعادة تأهيل إمكانات المواطن السعودي، ليكون سعيدا ومبتهجا وفاعلا قويا في جعل الاقتصاد الوطني السعودي ضمن الاقتصادات المؤهلة للوصول إلى أعلى درجات الازدهار والرفاهية.
وإذا عدنا مرة أخرى إلى مراجعة استراتيجيات رؤية السعودية 2030 نلاحظ أن الاستراتيجيات ترتبط عضويا ببعضها بعضا اقتصاديا، واجتماعيا، وسياسيا لتحقق في النهاية الخير والسعادة للوطن والمواطن.
ولعل من حسن الطالع أن العناوين التي تتفرد بها برامج "الرؤية" تتمثل في برنامج تحسين نمط الحياة، وبرنامج تعزيز الشخصية الوطنية، وبرنامج التوازن المالي، وبرنامج صندوق الاستثمارات العامة، وبرنامج الشراكات الاستراتيجية، وبرنامج تطوير الصناعات الوطنية والخدمات اللوجستية، وبرنامج الإسكان، وغير ذلك من البرامج التي تحقق الخير والسعادة لجميع المواطنين.
كل هذه البرامج ترتبط بعمليات بناء الاقتصاد الوطني على أساس مبادئ اقتصاد المعرفة، الذي يقوم على التوسع في استخدام تقنية المعلومات، واستخدام آليات العصر الاصطناعي، والذي يتصدره إحلال الإنسان الآلي محل الإنسان البشري من أجل تسريع وإتقان برامج جودة الحياة وتحقيق البهجة والخير والسعادة.
ولا شك أن هذا من شأنه أن يضفي نوعا من التفاؤل في مسيرة نتمناها معوضة للخسائر بسبب جائحة كورونا المؤسفة.
إن بناء موارد جديدة للدولة هي أهم ما يشغل حكومتنا الرشيدة، وبعبارة أخرى فإن أهم البدائل المطروحة لبناء موارد جديدة للدولة هو تحويل الاقتصاد السعودي إلى اقتصاد معرفي ورقمي، وإن أهم مرتكزات اقتصاد المعرفة هو المعلومات والتوسع في استخدام التكنولوجيا، وقبل هذا وذاك إصلاح التعليم، ولا يمكن أن نتصور أننا نستطيع أن ندخل بوابة اقتصاد المعرفة من دون تعليم تقني وأساسي ورقمي. إن اقتصاد المعرفة يتضمن جميع الأنشطة والعمليات الخاصة بصنع وإنتاج، وتسويق، وتوظيف، وتشغيل، واستهلاك، وإعادة إنتاج المعلومات والمعنويات، ويشمل طيفا واسعا من الصناعات منها صناعات البرمجيات، والإلكترونيات، والاتصالات، ونظم المعلومات وخدمات المعلومات، كما يضم أيضا مراكز الأبحاث، ومؤسسات الفكر، والمكاتب الاستشارية، ومكاتب دراسات الجدوى، ومراكز اللغات والترجمة، ودور النشر والصحف ووكالات الأنباء والإذاعة والتلفزيون، إضافة إلى الأنشطة ذات العلاقة بالجوانب الطبية والبحوث البيولوجية والدوائية، ونذكر على سبيل المثال أن الحق الحصري لنقل البطولات الرياضية على الهواء يدر مليارات الدولارات، كذلك فإن دراسات الجدوى تفرز كثيرا من الشركات ذات رؤوس الأموال الكبيرة، حتى وسائل الإعلام تتعامل بأموال هائلة مقابل خدمات تقدمها في الهواء الطلق. وواضح مما سبق أن التعليم واستخدام المعلومات واستثمار الحاسوب هي حجر الأساس في اقتصاد المعرفة، بمعنى أن الإنترنت بأنشطته المختلفة أصبح يتغلغل في كل مكونات اقتصاد المعرفة، ففي مجال الأجهزة والمعدات أصبح للإنترنت نصيب وافر في الحاسبات المكتبية والمحمولة ومعدات الشبكات والحاسبات الخادمة، كما يلعب الإنترنت دور الحاضن للمعلومات بمختلف أفرعه، كذلك يعد الإنترنت أكبر أوعية تداول المعلومات واستخدامها ونشرها، وكذلك الحال في مجال الموارد البشرية والتدريب.
والتركيز على الإنترنت لا يعني إغفال دور الإنسان، فالابتكار إبداع إنساني، ولذلك فإن المطلوب في حملات إعادة البناء دور مميز للإنسان، والعمل المميز لا يخلو من الإبداع والابتكار والحلول غير التقليدية. لقد صار بالإمكان تكوين وجمع وتخزين ومعالجة وتوزيع المعلومات على نطاق واسع بتكلفة منخفضة لم يشهد لها التاريخ مثيلا من قبل، فالعصر الصناعي الأول كان عصرا يسمى عصر ديكتاتورية المعلومات، لأن المعلومات كانت حكرا على الشركات الكبرى متعددة الجنسيات، بينما حرمت الشركات الصغيرة والعملاء الصغار من فرصة الانتفاع من المعلومات.
أما اليوم فقد أصبح الاتصال إلكترونيا بين منشآت الأعمال، بل أصبح الاتصال في مجال تجارة التجزئة، والتعليم عن بعد - في كل أنحاء العالم - هو سيد الموقف، أكثر من هذا حقق التعليم عن بعد إنجازات فريدة وغير مسبوقة أثناء أزمة كورونا، وكذلك لعبت مشاريع الفيديو كونفرنس أدوارا مهمة في تنفيذ الاجتماعات واتخاذ أهم القرارات. والواقع أن هذا النوع من الانفجار والتوسع في الحصول على المعلومات ما كان ليحصل لولا اكتشاف الإنترنت وتنامي استخداماته وتطبيقاته، ثم اكتشاف الموبايل وغيره من أجهزة تكنولوجيا المعلومات اللوحية.