كيف سيصبح العالم مختلفا بعد كوفيد - 19؟ «2 من 3»

يقول جيمس مانييكا، رئيس ومدير معهد ماكينزي العالمي، إنه لا ينتج عن هذا التسارع من التقدم التكنولوجي فحسب، لكنه أيضا نتاج اعتبارات جديدة للصحة والسلامة، كما أن تعافي الاقتصادات وأسواق العمل سيستغرق وقتا ويرجح أن تتغير. ومع تزايد هذه الاتجاهات العامة، أدت حقائق هذه الأزمة إلى إعادة النظر في عدة معتقدات، مع ما لها من آثار محتملة في الخيارات طويلة المدى للاقتصاد والمجتمع. وتختلف هذه الآثار بدءا من المواقف تجاه الكفاءة مقابل الصلابة، ومستقبل الرأسمالية، وتكثيف النشاط الاقتصادي والمعيشة، والسياسة الصناعية، ومنهجنا تجاه المشكلات التي تؤثر فينا جميعا وتدعونا إلى اتخاذ إجراءات عالمية وجماعية - مثل الجوائح وتغير المناخ - حتى دور الحكومة والمؤسسات المختلفة، وعلى مدى العقدين الماضيين، انتقلت المسؤولية في الاقتصادات المتقدمة عموما من المؤسسات إلى الأفراد.
ومع ذلك، تخضع النظم الطبية للاختبار في الوقت الحاضر، ووجدت أوجه نقص في معظمها، بينما المزايا كالإجازات المرضية مدفوعة الأجر حتى الدخل الأساسي المعمم يخضع للمراجعة. وهناك احتمالات بحدوث تحول طويل المدى في طريقة دعم المؤسسات للأفراد، عن طريق شبكات الأمان الاجتماعي ومن خلال عقد اجتماعي أكثر احتواء للجميع. وكما يبين التاريخ، فإن ما يتقرر من اختيارات في فترات الأزمات يمكن أن يشكل العالم على مدى عقود مقبلة. والأمر الذي سيظل يكتسب أهمية بالغة هو الحاجة إلى العمل الجماعي لبناء الاقتصادات، التي تحقق النمو الاقتصادي الاحتوائي والرخاء والسلامة للجميع. في كتاب The Pandemic Is a Portal، يقول المؤلف الهندي أرونداتي روي "كانت الجوائح على مر التاريخ تدفع البشرية إلى التخلي عن ماضيها وتخيل عالمها من جديد. وليس ثمة اختلاف في هذه الجائحة. إنها بوابة للعبور بين عالم والعالم الذي يليه".
وبالتالي، فإن الطريقة التي تعمل بها تعددية الأطراف يتعين أن تتغير لكي تعكس هذا العالم المختلف تماما، إن جائحة كوفيد – 19 تشكل اختبارا لحدود التعاون العالمي، فلا يزال دعم الاقتصادات النامية بصفة خاصة غير كاف.
لقد تضررت هذه الاقتصادات في وقت مبكر من تباطؤ النشاط الاقتصادي العالمي، من خلال قنوات تضمنت الخروج القياسي للتدفقات الرأسمالية وضيق الأوضاع المالية. وفي مواجهة أسوأ أزمة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية، ترزح هذه الاقتصادات تحت وطأة ضغط غير مسبوق على قدراتها المالية المحدودة بالفعل لتلبية احتياجات الصحة العامة والاحتياجات الاجتماعية الملحة.
والاختيارات التي تتقرر اليوم ستكون لها عواقب بعيدة المدى، ولا يمكن تبرير الاعتماد على الحلول نفسها، كما أنه يتجاهل حجم المعاناة الإنسانية، التي سببتها الجائحة.
ووضع برنامج إصلاح مناسب بقيادة الأمم المتحدة يجب أن يتضمن دور صندوق النقد الدولي في معالجة المشكلات الهيكلية التي دفعت إلى الانكشاف لمخاطر الديون على مستوى الاقتصادات النامية. ويجب أن يهدف هذا البرنامج إلى تحويل مسار تمويل التنمية بعيدا عن الإصلاحات المواتية للسوق ومنح الحوافز للاستثمار الخاص. ويجب أن يتخلص من وصمة التقشف، علاوة على ذلك، يجب على البلدان الغنية أن تفي في النهاية بالتزاماتها في ظل المساعدة الإنمائية الرسمية.
ويقول سيرجيو ريبيلو، أستاذ التمويل الدولي في كلية كيلوج للإدارة في جامعة نورث ويسترن، إنه يجب تصحيح اختلال القوى بين المؤسسات العالمية تحقيقا للعدالة في الاعتراف باحتياجات ثلثي سكان العالم، الذين يعيشون في بلدان جنوب الكرة الأرضية والإقرار بحقوقهم. وإذا لم يتصد المجتمع الدولي لهذه المسألة بشكل حاسم الآن فسيخرج جدول أعمال 2030 واتفاقية باريس عن مسارهما بشكل كارثي. ونحن الآن في حاجة إلى تعددية جديدة - يكون لإصلاح مؤسستي بريتون وودز دور رئيس فيها - ويجب أن تقوم على رؤية للتنمية تضع حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين والمناخ في صميم اهتماماتها.
يجب على العالم بعد الموجة الأولى من كوفيد – 19 أن يكون أكثر احتواء وصلابة واستدامة. فنحن نعيش اليوم في عالم تزايدت فيه عدم المساواة بين البلدان وداخلها نتيجة لتسابق الشركات إلى القاع، ووجود العمال الفقراء على مستوى شريحة واسعة من القوى العاملة العالمية. وقد عانى عدد هائل من البلدان من الصدمات الخارجية كوفيد – 19 في ظل عدم وجود حماية اجتماعية شاملة، أو نظم قوية للصحة العامة، أو خطة لخفض انبعاثات الكربون إلى الصفر الصافي بحلول 2050، أو اقتصاد حقيقي مستدام يوفر وظائف عالية الجودة.
وقد عقد مؤتمر بريتون وودز، بينما كان أوار الحرب لا يزال مشتعلا، وساعد على تشكيل أساس العقد الاجتماعي بعد الحرب. وبالمثل، نحن في حاجة إلى صياغة خطة طموحة لإعادة الإعمار، بينما نعمل للقضاء على الجائحة.
والدعم الدولي مسألة تتعلق بالنجاة الجماعية والاستثمار في مستقبل الصحة والاقتصاد العالمي وتعدد الأطراف.
والخيار لنا، غير أن الإجراءات، التي يتخذها صندوق النقد الدولي والنظام متعدد الأطراف ستشكل عاملا حاسما، وهدفنا للتعافي ينبغي أن يكون هو التوظيف الكامل لعوامل الإنتاج والتوصل إلى عقد اجتماعي جديد.
والاستثمار العام في اقتصاد الرعاية والتعليم والبنية التحتية منخفضة الكربون يمكن أن يشكل عماد التحفيز، الذي يحد من عدم المساواة. ومن شأن سياسة الأجور والتفاوض الجماعي وتنظيم سوق العمل أن تنعش الطلب والدخل، بينما تضع نهاية لنموذج عمل يسمح للشركات بعدم تحمل أي مسؤولية عن العاملين لديها... يتبع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي