حساب الربح والخسارة في بنك لبنان

حساب الربح والخسارة في بنك لبنان

الجدل حول قرار البنك المركزي اللبناني تسجيل أرباح طباعة العملة على أنها أحد الأصول في ميزانيته العمومية التي مزقتها الأزمة ليس مسألة تدل على ضيق أفق. في جميع أنحاء العالم تحدث أشياء غريبة في هذا المصدر المهم للدخل بالنسبة للبنوك المركزية ووزارات المالية.
هذا الربح المتحقق من طباعة النقود، هو بالضبط الفرق بين المبالغ التي تتلقاها البنوك المركزية عند إصدار النقود والتكلفة الأقل بكثير لإنتاجها، والفائدة الزهيدة عادة التي تدفع للبنوك التجارية على الاحتياطيات التي تحتفظ بها في البنك المركزي.
طباعة العملة هي أحد الأصول القيمة، لأن إصدار الأموال واستثمارها في الأوراق المالية منخفضة المخاطر هما دائما عمل مربح. تقليديا، البنوك المركزية تعامل أرباح العملة من حيث المحاسبة على أنها مصدر للدخل وليس أحد الأصول. مع ذلك، وضع قيمة رأسمالية على الدخل المستقبلي المخصوم ليس أمرا شائنا تماما. في الواقع، من الغريب أن ما يمكن اعتباره أكثر الأصول قيمة لأي بنك مركزي لا يظهر في الميزانية العمومية.
شريطة ألا تكون مطلوبات البنك المركزي مقومة بالعملات الأجنبية وليست مرتبطة بمؤشر معين، فإن القيمة الحالية للعملة المطبوعة ستضمن الملاءة دائما. ينطبق ذلك حتى عندما يكون البنك المركزي، بحسب قواعد المحاسبة التقليدية، خاسرا ويظهر نقصا في الأصول مقابل المطلوبات. بعبارة أخرى، يمكنه دائما إخراج نفسه من فخ الملاءة المالية من خلال طباعة النقود.
في بنك لبنان هناك معوق واحد هو أن الأرباح المتحققة من طباعة العملة تم اكتسابها على حساب خسارة كارثية في الثقة بالعملة. الأزمة الاقتصادية في لبنان أحدثت زلزالا في النظام المالي، وأصيبت الحكومة بالإعسار في الديون الخارجية، والمستثمرون المتعطشون إلى العوائد أداروا ظهورهم وهربوا.
تشير تقديرات ستيف هانكي، من جامعة جونز هوبكنز، وهو حجة في التضخم المرتفع، إلى أن التضخم في لبنان كان يسير بما يسميه سرعة غليان 52.6 في المائة شهريا. وبما أن معدل التضخم الشهري تجاوز 50 في المائة لمدة 30 يوما متتالية، فقد أصبحت تنطبق عليه الآن صفة التضخم المفرط.
المعوق الثاني هو أن أصول الأرباح من طباعة العملة التي اختار البنك تسجيلها في ميزانيته العمومية هي غير سائلة نهائيا. لا يمكن لوزارات المالية أن تقبض القيمة إذا كانت هناك أزمة من خلال بيع حقوق الملكية في البنك - وهذا أمر سيئ للغاية في الحالة اللبنانية، حيث يبلغ جبل الدين الحكومي أكثر من 170 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
جانب آخر من ربحية البنك المركزي الذي يتخذ نهج "أليس في بلاد العجائب" في مجال المحاسبة، هو أكبر المطلوبات في الميزانية العمومية، وهو المال. مع ذلك، تسمية هذا أنه من المطلوبات يخاطر بما سماه ونستون تشرشل "عدم الدقة في المصطلحات". هذه الكذبة هي أنه في نظام تطبع فيه العملة بمرسوم من الدولة دون أن تكون مدعومة بالذهب أو بعض الأصول القيمة الأخرى، فإن أموال البنك المركزي غير قابلة للاسترداد. في حين أنها دون شك أحد الأصول لحاملها، إلا أنه لا يمكن لحاملها أن يذهب إلى البنك المركزي ويطالبه بدفع سندات دينه.
أهمية كل هذا بالنسبة للعالم المتقدم تتعلق بما يحدث لصافي القيمة الحالية لطباعة العملة بشكل عام. بالنسبة للبنوك المركزية الكبيرة، تسبب التسهيل الكمي بعد الأزمة المالية عام 2008 في ارتفاع كبير في الإيرادات المتحققة من طباعة العملة في الوقت الذي قامت فيه البنوك المركزية بتوسيع ميزانياتها العمومية. وفي الوقت نفسه، ارتفعت القيمة الحالية للدخل المستقبلي لأنه تم خصمها بأسعار فائدة منخفضة للغاية. كلما انخفض سعر الفائدة، ارتفعت قيمة رأس المال.
أظهر ويليم بويتر، كبير الاقتصاديين العالميين السابق في سيتي جروب، أنه مع مستويات اليوم من أسعار الفائدة الاسمية والحقيقية، من السهل الوصول إلى كميات لا حصر لها لصافي القيمة الحالية لطباعة العملة في المستقبل.
هذا يبدو وكأنه ملاءة فائقة، الأمر الذي سيكون مطمئنا للغاية. لكن أسعار الفائدة يمكن أن ترتفع مثلما أنها يمكن أن تنخفض، وفي يوم ما سترتفع. مناخ المخاطر الأخلاقية المحيط بالإجراءات غير التقليدية للبنوك المركزية منذ الأزمة المالية قد يتلقى التشجيع.
منذ عام 2008، ارتفع اقتراض القطاع العام وقطاع الشركات غير المصرفية بشكل كبير في الاقتصادات الكبيرة. وهذا يؤكد أن الاستجابة للأزمة المالية، والآن الوباء، هي استمرار السياسة النقدية غير المتكافئة التي سادت منذ أواخر الثمانينيات. الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي استحدث نمطا من إنقاذ الأسواق عندما تنهار، لكنه فشل في وضع حد لها عندما تقع فريسة للفقاعات.
في الوقت نفسه، من خلال برامج شراء الأصول، انضمت البنوك المركزية إلى البحث عن العائد الذي أثارته هي نفسها، وأصبحت تشتري الأصول الخطرة مثل سندات الشركات، حتى الأسهم في حالة بنك اليابان. نحن نعلم أنه يمكنها إخراج نفسها من المتاعب من خلال طباعة العملة. لكن الخطر الحقيقي هو أن ما تبقى من استقلالها سيكون تحت التهديد عندما تضرب الاضطرابات التالية.

الأكثر قراءة