"بلومبرج": باتفاقها الأخير مع وكالة الطاقة الذرية.. إيران تثبت أنها تتراجع تحت الضغط
منذ وقت طويل يقول منتقدو حملة العقوبات التي تفرضها إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترمب ضد إيران إن الجمهورية منيعة بالنسبة للضغط. ولكن هذا الزعم لم يكن له أساس قوي على الإطلاق: إذ أن العزلة الدبلوماسية نتيجة فترة الضغط الطويلة، بالإضافة للعقوبات الاقتصادية التي أصابت إيران بالشلل أرغمت حكام طهران على بدء المفاوضات التي أدت لإبرام الاتفاق النووى عام 2015. وذكرت وكالة بلومبرج للأنباء في تقرير لها اليوم الجمعة أنه كان هناك دليل آخر مؤخرا على قابلية خضوع إيران للضغط عندما تعهد النظام الإيراني بتوسيع نطاق تعاونه مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وقد جاء هذا التعهد مباشرة بعد أن انتقدت الوكالة إيران لعدم سماحها بدخول موقعين يعتقد أنهما شهدا نشاطا نوويا في السابق.
ففي يوم الأربعاء الماضي وأثناء زيارة لطهران قام بها مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل ماريانو جروسي، قال إن النظام الإيراني وافق على السماح للمفتشين بتفقد الموقعين. ولم يذكر بيان مشترك موعد قيام المفتشين بهذه المهمة، ولكن ذكر أنه تم الاتفاق على تواريخ محددة.
وأتاح البيان لإيران فرصة الزعم بأنها" طواعية" سمحت بتفقد الموقعين.
ويبدو أن جروسى مال إلى عدم إثارة بعض تصرفات إيران التي كانت أكثر غموضا أثناء عمليات التفتيش السابقة: ففي أكتوبر الماضي زعمت إيران بصورة غريبة أن أحد مفتشي الوكالة حاول تهريب متفجرات إلى داخل منشأة تخصيب اليورانيوم في نطنز. ولكن جروسى يحتفظ رغم ذلك بحق إثارة هذا الموضوع في أي وقت من الأوقات.
من ناحية أخرى لم يتضمن البيان المشترك ذكر أي مطالب من إيران تقدمت بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وقال جروسي في حديثه للصحفيين لدى عودته من طهران "إنه كان يمكنه تخيل تقديم مطالب جديدة إذا كان تم تقديمها مصحوبة بمزيد من المعلومات عن نشاط مشكوك فيه". ومن الممكن أن تصل هذه المعلومات من المفتشين، أو ما تكشفه أجهزة المخابرات الأجنبية - ومن أبرزها أجهزة الولايات المتحدة وإسرائيل- التي تتابع عن كثب البرنامج النووي الإيراني.
وأكد الرئيس الإيراني حسن روحانى أن الاتفاق مع الوكالة أوضح أن " إيران على استعداد كما كانت دائما للتعاون عن كثب مع الوكالة في إطار الضمانات". وهذا التفسير موجه لمجلس الأمن الدولي، حيث تسعى إدارة ترمب جاهدة لإعادة فرض عقوبات ما قبل اتفاق عام 2015. ويأمل روحاني أن تستغل الدول الأخرى الموقعة على الاتفاق النووي الإيراني تعاون طهران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لتعزيز موقفها ضد ما يسمى بآلية" سناب باك" ، أي العودة للوضع السابق.
وقالت بلومبرج إن المراقبين الحذرين سوف يدركون أن إيران كانت مرغمة على هذا التعاون. وأوضح جروسي نفسه أن ما تم إعلانه كان "نتيجة حوار ممنهج اتسم بعدم التساهل" وهو يعني بطريقة دبلوماسية أنه كان حوارا صعبا.
ولا شك أن إدارة ترمب سوف تفسر هذه النتيجة كحجة لإبقاء النظام الإيراني في حالة تقييد اقتصادي ودبلوماسي. وإذا ما لم تنجح جهود إعادة فرض العقوبات الدولية، وهو الأمر المتوقع، من المرجح أن تقوم الولايات المتحدة بتشديد عقوباتها، التي تهدف لمعاقبة الشركات والأفراد الذين يسعون لممارسة نشاط تجاري مع إيران.
ومنذ وقت طويل قبل جائحة كورونا، عرقلت العقوبات الأمريكية الاقتصاد الإيراني؛ وأدت أزمة مرض كوفيد- 19 الناجم عن فيروس كورونا إلي تفاقم المعاناة. وتقترب حصيلة الوفيات الرسمية من 20 ألف حالة وفاة، ولكن يعتقد أن الرقم الحقيقي هو ثلاثة أضعاف هذا العدد. و لا يمكن حتى لأى فقاعة في سوق الأسهم الإيرانية إخفاء الكآبة التي تعاني منها إيران.
والآن، فإن سعيد لايلاز وهو خبير اقتصاد بارز في طهران زعم قبل عام مضى أن الاقتصاد الإيراني بدأ "يستقر"، يقر بأن إيران لم تتعرض لمثل هذا الكم الهائل من الضغط منذ غزو المغول في القرن الثالث عشر.
وحتى البرنامج النووي الأكثر أهمية وقيمة بالنسبة للنظام الإيراني أثبت أنه عرضة للتخريب- ويشهد على ذلك الانفجار الذى وقع في منشأة نطنز الشهر الماضي. ولا شك أن جروسي ومفتشيه كانوا يودون إلقاء نظرة أكثر قربا هناك.
وسوف تبذل إيران كل جهدها لاستغلال الاتفاق الجديد مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية كوسيلة للحصول على بعض الارتياح. ولكن لا يمكن اخفاء حقيقة أن طهران واقعة تحت ضغط.