إيران وتركيا وبث الفتن ونشر الإرهاب
في التاريخ البعيد للحضارات القديمة في منطقة الشرق الأوسط توجد سلسلة من الصراعات بين ثلاث حضارات، وهي الحضارة العربية الإسلامية، والحضارة الفارسية، والحضارة التركية. وقد تركت هذه الصراعات إفرازات ما زالت تطفو على سطح العلاقات، وتعكر صفو الاستقرار والأمن في المنطقة.
ويبدو أن الدولتين الفارسية والتركية تحاولان في هذه الأيام أن تستعيدا عداواتهما، وتقومان بشن موجات من الإرهاب والعدوان الآثم على بعض الدول العربية المستقلة انتقاما من تاريخ قديم وجديد يثير النعرات العرقية أو المذهبية.
في هذه الأيام يعيد الفرس الكرة ويهددون أمن دول الخليج العربي، ثم ينشرون ميليشياتهم المأجورة المسلحة في ربوع سورية، ولبنان، واليمن، بينما يحيي الرئيس التركي رجب أردوغان العدوان العثماني ضد سورية، ويغير على العراق، ثم يحرك آلاف المرتزقة في الصحراء الليبية، ويعلن في صفاقة أن ليبيا كانت ولاية عثمانية، وستعود إلى الحظوة العثمانية من جديد.
ووسط هذا العدوان الغاشم البغيض المعكر للأمن والسلم الدوليين ينشر الفرس والترك هنا وهناك داخل وطننا العربي الدمار والإرهاب والعدوان، بينما يجاهر الغرب باحتجاجاته المقتضبة ضد إيران وتركيا، وكان يجب على الدول الكبرى أن توقف العدوان الفارسي والتركي على الدول العربية ولا تتركه يعيث فسادا في دول تستظل بظل منظمة الأمم المتحدة راعية السلام العالمي!.
ونعرف جميعا أن تاريخ الإمبراطورية المجوسية الفارسية مدجج بالصدامات المسلحة والحروب والدمار مع دول الجوار، ففي القرن السادس قبل الميلاد غزا الإمبراطور الفارسي قمبيز اليونان الإغريقية، وفعل كذلك والده كوروش، وانتقاما من الفرس غزا الإمبراطور المقدوني الإسكندر بلاد فارس في القرن الرابع قبل الميلاد، وحطم بجيشه المغوار بلاد فارس ودمر حكم الإمبراطور الفارسي داريوس الثالث.
وفي الممالك العربية لعب الفرس في العصر العباسي أدوارا خسيسة من أجل تدمير الممالك العربية، ولقد أجج الفرس الصراع بين الأخوين الأمين والمأمون وانتصروا للمأمون لأن أمه فارسية، ونهض قائد الجيش الطاهر بن الحسين الفارسي واجتاح بغداد مسلطا السيوف في رقاب العرب.
وبالنسبة لتركيا التي تجاهد في هذه الأيام من أجل إحياء الإمبراطورية العثمانية، فإن الرئيس التركي رجب أردوغان يلعب بالنار التي ستحرقه وتحرق تركيا المغلوبة على أمرها، لأن فكرة عودة الإمبراطورية العثمانية إلى الدول التي كانت تحت سيطرتها فكرة ساذجة، فالإمبراطورية التي تريد أن تستعيد قوتها وأمجادها في حاجة إلى عدة وعتاد ذلك الماضي الذي انقضى وذهب مع كل الظروف التي كانت تفرضه وتثبته، وحكومة حزب العدالة التي يرأسها رجب أردوغان ليس لديها كل تلك الإمكانات التي كانت تتوافر للإمبراطورية العثمانية في القرنين الـ15 والـ16، وليس لدى أردوغان اليوم غير أحلام اليقظة والعنترية الجوفاء التي ستذهب به وبحكمه قبل أن يبصر مشروعه المتهتك النور.
وبعيدا عن كتابات المؤدلجين من المؤرخين العرب الذين ينشرون البخور حول الحكم العثماني البغيض في عالمنا العربي، وهو حكم مليء بالظلم والقسوة والاستبداد، وله قصص مرعبة مشهورة في كل مكان من وطننا العربي.
فقد شهد العالم العربي عديدا من الجرائم في جميع الدول، وأبشع أنواع الجرائم التي ارتكبها العثمانيون ضد الشعوب العربية تمثلت في المذابح اللاإنسانية الفظيعة التي نفذها العثمانيون دون رحمة، وقد سجل لهم التاريخ ملفات سوداء في هذا الجانب.
وهكذا يسطر تاريخ الوجود العثماني في البلاد العربية كثيرا من المؤامرات البشعة التي ارتكبها الباب العالي ضد الدول العربية التي كان يحكمها بقوة السلاح ويمارس ضدها شتى ألوان البطش والقتل والتنكيل، بل كانت الإمبراطورية العثمانية تتفق مع الدول الاستعمارية للنيل من سكان الدول العربية. ولكن كما يقولون على الباغي تدور الدوائر، فانهزمت الإمبراطورية العثمانية في 1918، ثم انهارت تماما أمام جحافل بريطانيا العظمى وحلفائها وفقدت استقلالها وسيادتها وشربت من الكأس التي شرب منها العرب لنحو ستة قرون. هذه هي الصورة الحقيقية لبداية ونهاية العثمانيين في البلاد العربية المكلومة.
والآن، في الوقت الذي تتجه فيه دول العالم الكبرى إلى البحث عن وسائل تحقيق الأمن والسلم في منطقة عانت ويلات عدم الاستقرار والحروب والاقتتال، فإن تركيا وفارس هما الدولتان الوحيدتان اللتان تتجهان إلى شن الحروب وبث الفتن ونشر الإرهاب وقتل الآمنين في كل مكان من وطننا العربي الكبير. حقا يا أمة ضحكت من جهلها الأمم!.