مبادرة الحزام والطريق .. مشروع صيني طموح بين الدوافع الجيوسياسية والمكاسب الاقتصادية
برنامج "مبادرة الحزام والطريق" التجاري والاستراتيجي هو المشروع الأكثر طموحا لرئيس الحزب الشيوعي الصيني شى جين بينج، وكان قد تم في بادئ الأمر الترويج لهذه المبادرة بصفتها إحياء للطريق التجاري البري القديم "طريق الحرير"، الذي كان يربط الصين بأوروبا.
ووفقا لـ"الألمانية"، طريق الحرير الجديد، مثل الطريق القديم، سيعبر السهول الشاسعة لوسط آسيا - ويقال إن مبادرة الحزام والطريق العصرية تهدف أيضا لأن تكون ازدهارا اقتصاديا لكل الدول الممتدة على الطريق.
وقال الدكتور لورانس فرانكلين ضابط الاحتياط السابق، الذي عمل محللا سياسيا وعسكريا في وكالة المخابرات العسكرية الأمريكية، في تقرير نشره معهد جيتستون الأمريكي للأبحاث إن شي سارع بأن الحق بمبادرة الحزام والطريق البرية نسخة بحرية، يفترض أن تربط الموانئ الصينية على بحر الصين الجنوبي بالموانئ في المحيط الهندي، مواصلا حتى دول الشرق الأوسط والوصول في النهاية إلى الموانئ الأوروبية.
وفي البداية، كانت هذه المقترحات تشمل فقط الدول الواقعة على طرق مبادرة الحزام والطريق، أما الآن فإن طرق الرئيس الصيني الضخمة عالمية في نطاقها، وتمتد حتى جيبوتي التي تعد ممرا بحريا استراتيجيا في إفريقيا، غرب شبه الجزيرة العربية تماما، أو الإكوادور، التي تمتلك ثالث أكبر احتياطيات بترولية في أمريكا الجنوبية، ولكن المكاسب الاقتصادية بالنسبة لبعض هذه الاتفاقيات الثنائية بين الصين ودول "العالم الثالث" الفقيرة مثار شكوك.
ومن الواضح أن هدف شبكات مبادرة الحزام والطريق هو تحقيق مكاسب للصين، سواء بتحفيز زيادة كبيرة للغاية في التجارة، أو من خلال الاستحواذ على أي أصول تختارها الصين عندما يتم العجز عن سداد الديون.
وستستطيع الصين، بصفتها أكبر مستورد للنفط في العالم، تنويع مصادر حصولها عليه نتيجة لعديد من اتفاقيات مبادرة الحزام والطريق الثنائية.
ومن المرجح أيضا أن الصين تأمل في تحقيق مكاسب سياسية من خلال ترتيبات مبادرة الحزام والطريق، فالدول المشاركة في مبادرة الصين، التي بشكل عام تتمتع بعلاقات ودية مع الولايات المتحدة وحلفائها، ربما تنأى بنفسها عن دعم مخاوف الأمن القومي لدى الغرب، خوفا من فقدان الاستثمارات الصينية الكبيرة في اقتصاداتها.
ويوضح منتقدو برنامج المبادرة الصينية أن اتفاقيات القروض الصينية تفتقر إلى الشفافية، وأن العقود تخدم المصالح الصينية أحيانا بطريقة تتسم بالابتزاز، وتتجاهل المخاوف المحلية، فعلى سبيل المثال، عندما عجزت سريلانكا عن الوفاء بالتزاماتها فيما يتعلق بالديون تخلت للصين عن ميناء هامبانتوتا، وتقوم فنزويلا بتوريد النفط للصين بدلا من عملتها التي لا قيمة لها.
كما يتهم المنتقدون الصين بتقديم مزايا في عقودها مع الدول ذات النظم، التي تروق لها، فقد استثمرت الصين في زيمبابوي في إفريقيا، ولاوس في جنوب شرق آسيا، و فنزويلا في أمريكا الجنوبية.
ويرون أن أحد العيوب بالنسبة للقروض الصينية الكبيرة، التي تمول مشروعات بنية تحتية هو إرغام الدول المضيفة على الالتزام بما يصفه الرئيس الصيني بـــ"السمات الصينية". فعندما تبدأ بكين في تنفيذ مشروع بنية أساسية، تصل أعداد كبيرة من العمال الصينيين إلى الدولة المضيفة، ويقومون بإعداد منطقة خاصة لمعيشتهم، ويغادرون البلاد بعد الانتهاء من المشروع، ولا يستعان سوى بعدد قليل من العمال المحليين.
ووفقا للرؤية الغربية، فإن أهداف البرامج العالمية لمبادرة الحزام والطريق استراتيجية وسياسية بقدر ما هي اقتصادية، كما يبدو أن الهدف النهائي للبعد العالمي لمشروع مبادرة الحزام والطريق هو تغيير البعد السياسي، والاقتصادي، والعسكري للنظام الديمقراطي الليبرالي الغربي.
ونفى كثير من المسؤولين الصينيين الاتهامات المتعلقة بما يوصف بأنه "فخ ديون" تنصبه الصين لشركائها في مبادرة الحزام والطريق، وأكدوا أن ما تقدمه الصين من قروض للدول يفيد الجانبين. ويقول بعض المحللين إن اتهام الصين باتباع سلوك افتراسي مبالغ فيه، حيث إن الصين تقوم في الغالب بإلغاء الديون على الدول الأكثر فقرا، كما أن أغلبية الديون في معظم الدول الإفريقية هي لمصلحة مقرضين غير صينيين.
وتقول هوي لو كبيرة المحللين بمؤسسة راند الأمريكية إن الدوافع الجيوسياسية وراء المبادرة الصينية محل نقاش كبير، كما أن المبادرة تعرضت لانتقادات شديدة بسبب الطريقة، التي يتم التعامل بها بالنسبة لبعض مشاريعها.
وأشارت إلى أن هذا التناول السلبي قد يصرف النظر عن المكاسب الاقتصادية المحتملة إذا تم تحسين البنية الأساسية على طول الحزام المقترح، وإذا نسقت الدول والمناطق المشاركة في المبادرة خططها التنموية لتحقيق التلاحم بين تنفيذ السياسات والبنية الأساسية، من الممكن أن تتحقق مزايا اقتصادية كبيرة للغاية.