المتقاعد يلتمس إعادة تقنين الأنظمة
إن جمعية المتقاعدين لم تنجح حتى الآن بشكل كامل في سعيها الحثيث الذي بذلته وتبذله من أجل تغيير الأنظمة التي لها علاقة بالموظف المتقاعد، بحيث تكون أنظمة محققة لحياة كريمة لفئة خدمت الوطن طوال أعوام شبابها ونضارتها.
إن أنظمة التأمين تقف ممن بلغ سن التقاعد موقفا غير واضح، فكل مواطن بلغ هذه السن يفقد أهم شرط من شروط التوقيع على بوليصة التأمين على الصحة أو التأمين على البيت أو التأمين على الحياة، وعليه أن يلقى مصيره مع ثلة من الأمراض التي ورثها في فترة قيامه بمهام الوظيفة، كما أن المواطن الذي بلغ سن الـ 60 يفقد أهم شرط من شروط اللياقة النظامية المؤدية إلى الحصول على حقوقه التقاعدية المطلوبة، وهكذا فإن الإنسان بمجرد بلوغه سن التقاعد فإنه يقصى من المزايا الإنسانية، وهو الذي شرفه الله - سبحانه وتعالى - بخدمة أمته ومجتمعه.
وأمام كل هذه الظروف الصعبة، فإن نظام الخدمة المدنية سن القواعد القانونية للموظف بعد إحالته إلى التقاعد، وإرسال ملف صرف حقوقه التقاعدية إلى المؤسسة العامة للتقاعد للتعامل مع الموظف الذي خرج من ملاكها وأصبح مستحقا لتسلم حقوقه التقاعدية من المؤسسة، وبهذه النهاية تنهي وزارة الخدمة علاقتها بابن أعطى للوزارة كل شبابه وصحته.
طبعا كان المطلوب من الوزارة أن تبقي خيطا من العلاقات الإنسانية مع أبنائها وتصمم مشروعا يعبر عن استمرار العلاقة الإنسانية والأخلاقية مع أبنائها، إما عن طريق إنشاء الأندية الاجتماعية، أو تأسيس الجمعيات التعاونية، أو وضع تفاهمات مع البنوك وشركات التأمين تضمن ــ على الأقل ــ توفير الحد الأدنى من الحياة للمتقاعدين وبالذات الحياة المتعلقة بالسكن والتأمين على الصحة.
وبالمصادفة حينما زرت أحد البنوك وقع بين يدي (بروشور) موشح بعبارة "وطن واحد، عائلة واحدة، بنك واحد"، ولكني بعد أن قرأت (البروشور) أصبت بصدمة وتمتمت قائلا: حتى التخفيضات في الخدمات والمشتريات تنحي المتقاعد جانبا. هكذا حتى حينما نطلق الشعارات إنما نطلقها وهي فارغة من محتواها، وليس فيها فعل يعبر عن الشعارات المطروحة من أجلها، لماذا نغتال إنسانيتنا بهذه البساطة؟.
إن التأمين على الصحة أحوج ما يكون للمتقاعد قبل غيره من الذين لا يزالون ينعمون في ربيع أعمارهم، وإن القروض لتأمين السكن هي أجمل هدية يجب أن نقدمها للمتقاعدين الذين خدموا مجتمعهم لنحو 40 عاما، وإن البيع بالتقسيط سياسة بيعية يجب أن تقدم مع الشكر الجزيل إلى المتقاعد قبل أن تقدم إلى الآخرين.
البعض يقول، إن قوانين القروض والتأمين التي تطبقها البنوك وشركات التأمين في المملكة هي القوانين السائدة في كل أنحاء العالم، وإذا كان الأمر كذلك، فإننا لا نتمنى أن نكون حرصاء على تطبيق قوانين لا تراعي أبسط القوانين الممنوحة للإنسان، وتأتي سلبية لموظف أفنى زهرة شبابه في أدائه لعمله أيام الصحة والنضارة والعز، وما نعرفه يقينا أن الغرب يميز الموظف المتقاعد بكثير من المزايا والعطايا ولا يتركه يغرد وحيدا في العوز والفاقة والحرمان.
إنني أرجو من أعضاء جمعية المتقاعدين أن يعملوا ما وسعهم الجهد كي يحافظوا على حقوق المتقاعد، وأظنهم مدركين لهذا الواجب المهم، ويجب أن يستثمروا كل الظروف التي تحيط بهم ويرفعوا شعارا للجمعية يقول: "لنحافظ على كرامة الإنسان السعودي في الوظيفة وبعد الوظيفة". إن المواقف التي لا تخدم المتقاعدين التي تتخذها مجموعة أنظمة القطاعين الخاص والعام إزاء هذا الستيني الإنسان لا تتفق مع أبسط قواعد الحب والخير.
ومن منظور إسلامي بين القرآن الكريم مراحل حياة الفرد، وجعل الشيخوخة هي المرحلة الأخيرة من حياة الإنسان الدنيوية، قال تعالى، "هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلا مسمى ولعلكم تعقلون"، وورد في السنة النبوية الشريفة عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال، (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، عمر أمتي من ستين إلى سبعين سنة)، وما يقصده التشريع السماوي هنا هو أن الـ"ستين" جزء من حياة الإنسان المسلم الجدير بالرعاية والكفالة والرحمة.
إننا ـ كمجتمع سعودي متراحم ـ لم نتعامل مع الموظف المتقاعد بما يجب أن نتعامل به، ولم نكافئ الموظف المحال إلى التقاعد بما يستحقه من تقدير وتكريم نظير ما قدمه للمجتمع من تضحيات وخدمات طوال فترة الخدمة التي كان يقوم بها، بل بالعكس عاملنا الموظف المتقاعد بطريقة لا تناسب موقفه بعد الخدمة، وأقفلنا أمامه أبواب الحياة الرغيدة والكريمة، وأعتقد أننا لا نبالغ إذا قلنا، إن الموظف في القطاعين الحكومي أو الخاص دفع حياته وشبابه ثمنا لوظيفته، وطبعا جنى فوائد هذه الخدمة من الرواتب المستحقة التي كان يقبضها مع مطلع هلال كل شهر، ولكن لا ننسى أن الموظف أفنى ربيع عمره فداء لوظيفته، ولذلك حينما يحين وقت الاستراحة، فإننا يجب ألا نحرمه من الراحة ونيسر أمامه سبل الحصول على أبسط الاحتياجات الضرورية للحياة الهنية وهما السكن الدافئ والعلاج الراحم، اللذان يحتاج إليهما بعد أن تخطى سن العمل وبدأ سن التقاعد والمعاناة الصحية.