هندسة التطوير الإداري في عالم متغير

إن التغيير الإداري سنة من سنن الإدارة الرشيدة، والنظام الإداري الحكومي في المملكة يتمتع بمرونة كافية تمكنه من التعامل بكفاءة عالية مع المتغيرات المحلية والإقليمية والعالمية، ولا شك أن جائحة فيروس كورونا تركت بصماتها السيئة في مفاصل الأنظمة الإدارية في كل دول العالم.
ونموذج هندسة التغيير هو نموذج يستوعب مجموعة من المتغيرات لكل وظائف الإدارة بدءا من التخطيط، ثم التنظيم، والتنسيق، حتى الرقابة، حيث تتكامل هذه الوظائف لتقدم نموذجا إداريا يتناسب مع المتغيرات الجديدة للنظم الإدارية العصرية.
ولذلك فإننا نؤكد أن النموذج الإداري الذي يتناسب مع نتائج هذه الأزمة العالمية هو النموذج المسمى بـهندسة التغيير.
وهذا المصطلح طرحه المصلحون الإداريون مع بداية التسعينيات الميلادية ليكون نموذجا من نماذج إعادة الإصلاح الإداري في فترة الأزمات الطارئة والمفاجئة.
ولا أحد ينكر أن أداء الحكومة في عقود ما قبل كورونا وأثناء كورونا كان جيدا، ولكن لا ننكر أيضا أن الأنماط الإدارية التي كانت تدير العمليات الإدارية لا تستطيع أن تحقق الكفاءة التي نتمناها في الأداء الحكومي في مرحلة ما بعد كورونا، في ظل نظام جديد يفرض علينا أن نكون قادرين على استيعاب إرادة التغيير في عالم يتأثر ويؤثر فيما يحيط به من تغيرات وتطورات هائلة في جميع المجالات.
ولا شك أن الاستقرار السياسي الذي تتمتع به مملكتنا الرشيدة في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز سيكون من أهم العوامل التي تستوعب إرادة التغيير في أداء الحكومة وتمكينها من تنفيذ برامجها والتعامل مع عالم جديد ونظم جديدة وسياسات تتعامل مع واقع جديد.
كذلك فإن مرحلة ما بعد كورونا مرحلة متأزمة بالنتائج الصعبة التي تركتها الأزمة في كل الأنظمة الإدارية في كل دول العالم.
والواقع أن مشروع هندسة التغيير يأتي ونحن نعيش في مرحلة من مراحل الثورة التكنولوجية المعروفة بثورة المعلومات التي أصبحت أداة فاعلة ومهمة في كل قطاعات الاقتصاد الوطني الذي بدأ يتشكل في عصر رقمي وتفاعلي يسود العالم من أقصاه إلى أقصاه.
بمعنى أن النظام الرقمي هو النظام الذي سيتولى توظيف الوظائف الكبرى في علوم الإدارة في مرحلة ما بعد جائحة كورونا.
ويجب أن نعترف بأن هذه الأزمة كانت بالنسبة لمعمار النظام الدولي بمنزلة تحد للحكومات سواء في العالم النامي أو العالم المتقدم، حيث إن كل دول العالم بدأت تستجيب للمتغيرات العالمية، وتسعى ــ عبر عمليات إعادة الهيكلة والإصلاح الاقتصادي والإداري ــ إلى التكيف مع روح العصر الجديد وإعادة اختراع نفسها بتحسين سبل الأداء، وتحقيق معدلات أعلى في الإنتاجية والتنمية المستدامة، مع الحرص على تطبيق كل أدوات وآليات هذا العصر الذهبي الذكي المبهر.
إن العالم ينظر إلى المستقبل من خلال مفاهيم رقمية وذكية جديدة تستدعي الوعي بأهمية تنفيذ الإصلاح الإداري وفقا لمتطلبات الثورة الصناعية الرابعة، وهي ثورة العصر الاصطناعي التفاعلي الذكي الذي بدأ يراهن على الإنسان الآلي أكثر من الرهان على الإنسان البشري.!
ونستطيع القول، إن التفاؤل يسود علماء الإدارة في أن "الرقمنة" ستكون عاملا مساعدا على سرعة إنجاز مهام الإصلاح الإداري، وستعجل بالإنجازات الإيجابية، والخروج من الأزمة التي تحاصر النظام الاقتصادي العالمي.
بمعنى أن الأنظمة الإدارية سواء في القطاع الخاص أو القطاع الحكومي ستحقق ــ في فترة زمنية قصيرة ــ نتائج إيجابية مبشرة، إذ إنه من المتوقع ــ في ظل مرحلة ما بعد كورونا ــ أن تتزايد معدلات البطالة على مستوى دول العالم كلها، وأن فرص العمل والتشغيل ستقل، وأن الأسواق التقليدية ستتهاوى، وأن الاقتصادات الوطنية ستكون عرضة للتصدع والانفلات.
ولذلك نستطيع القول، إن مصطلح هندسة التغيير جاء لتنظيم عملية انتقال الإدارة من مرحلة استخدام التكنولوجيا التقليدية إلى مرحلة استخدام تكنولوجيا جديدة وضعت العالم كله في قرية صغيرة، وأصبحت آليات التغيير هي الأداء الرقمي والتفاعلي السريع الإيقاع والتطبيق.
وبالضرورة فإن عصر التغيير يحتاج إلى تحديث السياسات والنظم، وتكريس عمليات الدفع اللازمة بالاستثمار الأمثل للتكنولوجيا الجديدة.
والحقيقة التي لا مناص منها هي أننا نعيش اليوم في عالم جديد.. هو عالم ما بعد كورونا، وهو عالم يختلف كثيرا عن العالم الذي كنا نعيشه قبل كورونا، حيث يموج عالم ما بعد كورونا في تغيرات وتطورات سريعة ومتلاحقة في قطاعات الحياة كافة.
ولا شك أن حكومتنا الرشيدة تقدر وتدرك ذلك، وتهيأت فعلا للتعامل المناسب مع كل المتغيرات المحلية والإقليمية والعالمية.
في ضوء هذه الحيثيات فإن تطوير الأنظمة الإدارية في مرحلة ما بعد كورونا بات ضروريا للغاية، بسبب التغيرات الواقعية التي حدثت في كل دروب ومسالك العمل الإداري، وبالذات مسألة إحلال الفكر الإلكتروني محل الفكر الإنساني، ولذلك لا مناص أمام كل دول العالم من وضع هندسة التطوير والتغيير موضع التنفيذ.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي