الشركات تلجأ إلى زراعة الغابات لتحقيق أهدافها المناخية
مجموعة من أشجار خشب القطن في وادي المسيسيبي قد تبدو استثمارا غير متوقع لشركة تكنولوجيا عالمية. لكن بالنسبة لمايكروسوفت، زراعة الغابات واستعادة الأراضي جزء حيوي من هدفها المناخي: التخلص من كل ثاني أكسيد الكربون الذي أنتجته منذ تأسيسها في 1975.
عدد متزايد من المشاريع مثل مشروع مايكروسوفت بدأ يظهر في جميع أنحاء العالم. في الوقت الذي تحدد فيه الشركات والحكومات لنفسها أهدافا مناخية صارمة، تعمل على زراعة الأشجار بحجم غير مسبوق، إلى جانب تدابير أخرى قائمة على الطبيعة، مثل استعادة التربة وتجديد الأشجار الاستوائية الساحلية.
لكن لم يعد خفض الانبعاثات بمفرده كافيا لمساعدة كوكب الأرض على البقاء عند درجة حرارة أقل من 1.5 درجة مئوية - الهدف المفضل لاتفاقية باريس المناخية للأمم المتحدة في 2015.
يجب أيضا سحب ثاني أكسيد الكربون من الهواء، واستخدام موارد الطبيعة - مثل الأشجار والتربة - من بين أرخص الطرق للقيام بهذا.
تمتص النباتات والتربة نحو 30 في المائة من الانبعاثات التي يسببها البشر، لكن يمكنها امتصاص مزيد إذا تمت استعادة الغابات والأراضي الرطبة. زراعة 900 مليون هكتار إضافي من الغابات، مثلا، يمكنها أن تمتص ما يكفي من ثاني أكسيد الكربون للتخلص من الانبعاثات البشرية على مدى الـ20 عاما الماضية، وفقا لبحث علمي نشر العام الماضي.
هذا يعادل زيادة 25 في المائة في مساحة الغابات الحالية في العالم. نتيجة لذلك، تنفق الشركات أكثر على المشاريع التي تمتص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي - ما يسمى "الانبعاثات السلبية" - لتعويض الانبعاثات التي تنتجها.
كريستينا فيجيريس، رئيسة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ من 2010 حتى 2016 والمهندسة الرئيسة لاتفاقية باريس، تقول: "أصف الأنشطة القائمة على الطبيعة بأنها سندريلا تخفيف المناخ، لأننا لم نعطها القدر نفسه من الاهتمام". تضيف: "لعدة أعوام، كنا نركز فقط على جانب الطاقة. لكن ليس هناك قدر من الطاقة المتجددة يمكنه إخراجنا فعلا من هذه الحفرة".
مكافحة تغير المناخ ليست مجرد مسألة خفض انبعاثات غازات الدفيئة، لكنها أيضا رعاية الأنظمة البيئية التي يمكنها سحب ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي.
هذا الاتجاه يعني أن بعض أكبر الشركات المسببة للانبعاثات في العالم أصبحت أبطالا غير متوقعين في مجال زراعة الغابات. تقول شركة النفط الإيطالية إيني، مثلا، إنها ستزرع أو تستعيد مساحة من الغابات بحجم ويلز من أجل تحقيق أهدافها المناخية بحلول 2050. وتتوقع أن تمتص مشاريع الغابات الخاصة بها نحو عشرة ملايين طن من ثاني أكسيد الكربون سنويا بحلول 2025.
في الوقت نفسه، تعهدت مايكروسوفت بإزالة مليون طن من الكربون من البيئة خلال العام المالي الحالي، وتدعو مقترحات من أطراف أخرى إلى مشاريع إزالة مختلفة.
تقول مارجريت كيم، الرئيسة التنفيذية في جولد ستاندرد: "الحلول القائمة على الطبيعة هي مجال متنام". المنظمة غير الربحية القائمة في جنيف، التي تضع معايير تعويضات الكربون، تخطط لتوسيع محفظتها من المشاريع القائمة على الطبيعة بسبب الطلب المتزايد.
تشير كيم إلى أن المشاريع مثل زراعة الغابات يمكن تصورها "وسيلة للمذنبين لدفع ثمن الغفران، بدلا من تغيير سلوكهم". تضيف: "إلى حد ما، لا تزال بعض الشركات تتبع ذلك النهج".
ترى كيم أن التحسينات الأخيرة في التكنولوجيا - خاصة صور الأقمار الصناعية - جعلت التحقق من المشاريع أسهل. لكن من المهم أن تعمل الشركات على خفض انبعاثاتها بأكبر قدر ممكن قبل أن تشتري التعويضات.
يقول مايك بيرنرز- لي، المتخصص في البصمة الكربونية والأستاذ في جامعة لانكستر: "الجميع يريد أن يصبح محايدا كربونيا الآن، هذه هي الموجة الرائجة حاليا". في حين أن هذا أدى إلى زيادة الإنفاق على مشاريع الانبعاثات السلبية، إلا أن هناك مخاطر أيضا.
يقول: "إذا كان لديك هدف ’الصفر الصافي‘، فعليك تقسيم ذلك بوضوح شديد إلى هدفين. الأول هو أن تفعل كل ما في وسعك لخفض انبعاثاتك. والآخر، يمكنك القيام بأشياء رائعة لإزالة الكربون من الغلاف الجوي. لكن ما لا ينبغي أن تفعله هو مقايضة أحدهما بالآخر".
لا يزال التمويل يشكل تحديا لمشاريع امتصاص الكربون القائمة على الطبيعة، على الرغم من الاهتمام المتزايد من الشركات. لا يوجد سعر عالمي للكربون، ولا يوجد سجل عالمي واحد لمشاريع امتصاص الكربون.
في حين أن اتفاقية باريس تعهدت بوضع قواعد لسوق الكربون العالمية، إلا أن الدول الموقعة البالغ عددها 189 فشلت في الاتفاق على ماهية تلك القواعد. ما لم يتم التوصل إلى اتفاق في محادثات المناخ في جلاسكو العام المقبل، فإن السوق العالمية قد لا تتحقق.
تقول فيجيريس: "المأزق هنا سيكون أنموذج الأعمال لهذا". من دون تحديد سعر لمزايا المشروع القائم على الطبيعة - مثل زراعة غابة أو استعادة أرض رطبة - يمكن أن يشكل التمويل تحديا.
تضيف: "نحن بحاجة إلى سوق كربون، ويجب أن نحصل عليها بنزاهة، وأن تحدث تأثيرا".
في حين أن مشاريع الحفاظ على الطبيعة القائمة حاليا، مثل زراعة الأشجار، في تزايد إلا أن بعضهم لا يزال يرى أن هذه المشاريع لا ينبغي النظر إليها بمعزل عن الأمور الأخرى.
تقول كارين هول، أستاذة الدراسات البيئية في جامعة كاليفورنيا، سانتا كروز: "زراعة الأشجار لها كثير من الفوائد المحتملة (...) لكنها ليست حلا سحريا". تضيف أن إزالة الغابات أمر شائع، وإيقاف ذلك سيكون له أيضا تأثير كبير في المناخ.
"لا يمكننا زراعة الغابات للتخلص من تغير المناخ. إنه ليس حلا بحد ذاته".