التعدي على الأراضي في قبضة الحكومة
من الأشياء التي يستهجنها ولا يقبلها المواطن المخلص قيام بعض الأشخاص بالتعدي على ممتلكات الحكومة، إما بالتحايل على الأنظمة، أو بشراء ذمم ضعاف النفوس وتمكين أنفسهم - زورا وبهتانا - من أراض هي في الحقيقة من أملاك الدولة.
ولذلك حينما أرادت الدولة تنفيذ مشروعها الإسكاني الكبير الرامي إلى بناء مساكن لأصحاب الدخل المحدود فوجئت بأنها تعاني عدم توافر أراض حكومية تقيم عليها سكنا لأصحاب الدخل المحدود.
وطبعا القول بعدم وجود أراض للدولة السعودية وسط مساحة في حجم المملكة، أمر محل تساؤلات متنوعة!
ولذلك قررت الحكومة البحث عن ممتلكاتها من الأراضي الشاسعة التي يفترض أن تكون متاحة بوفرة لمثل هذه المشاريع التنموية المهمة، التي أرادت الدولة أن تهديها لمن يستحقها من المواطنين.
ووفقا لإحصائيات رسمية فإن حجم الأراضي الحكومية المتعدى عليها بلغت حتى الآن أكثر من 106 مليارات متر مربع، وينتظر أن تتجاوز هذه المليارات بما قيمته تريليون ريال وأكثر.
وتقدر مساحة الأراضي الحكومية التي تمت استعادتها لملكية الحكومة بنحو مليار متر مربع، أي ما يعادل مساحة ثلاث دول، في حين قدر اقتصاديون مساحة الأراضي الحكومية التي تنتظر الاستعادة بأكثر من مليار متر مربع.
وتصدرت مدينة جدة كل مدن المملكة في حجم الأراضي المتعدى عليها بأكثر من 822 مليون متر مربع، تلتها مدينة الرياض بنحو 502 مليون متر مربع، ثم مكة المكرمة بـ 100 مليون متر مربع.
ولمواجهة هذه المعضلة فقد أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أوامره بالمحافظة على حقوق المواطنين وحماية المرافق الحكومية من التعدي، وتأكيد استعادة كل أرض طبقت على مرفق عام بطريقة غير نظامية، والمنع البات من تطبيق الصكوك على أي من المرافق العامة بعدها تخص كل مواطن، ولا يجوز أن تتحول إلى ملكية خاصة تحت أي ذريعة من الذرائع أو التبريرات.
ومن ناحيتها فقد اكتشفت وزارة العدل كثيرا من الصكوك المزورة وأصدرت قرارات عاجلة بإلغائها، وتواصل الوزارة بنجاح كبير جهودها الرامية إلى استعادة الأراضي الحكومية إلى أملاك الدولة إنفاذا لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز.
وإنفاذا للتعليمات السامية فقد أصدرت وزارة العدل تعليمات مشددة تقضي بحماية الممتلكات العامة للدولة، والممتلكات الخاصة للمواطنين من أي اعتداءات بغير وجه حق مع توخي الحذر والدقة التامة في إصدار الصكوك الشرعية، وإحباط كل أساليب الاحتيال والتزوير، وملاحقة كل المخالفات التي يقوم بها المخالفون على النظام العام، والقضاء على كل أشكال الفساد الإداري والمالي.
وفي مواجهة هذا الاستشراه والتطاول على الأراضي الحكومية، فقد أصدرت الحكومة تعليمات مشددة تقضي بإيقاف قبول أي طلبات لإثبات تملك الأراضي استنادا إلى قاعدة (وضع اليد) أو قاعدة (الإحياء)، أو استنادا إلى (الوثائق اليدوية)، وحددت التعليمات مجموعة من الحدود الشرعية المانعة للتعدي على الأراضي الحكومية، وأكدت التعليمات عدم قبول أي دعوى تستهدف التعدي على الأراضي الحكومية بأي شكل من الأشكال.
وإضافة إلى ذلك فقد حددت التعليمات المواقع التي لا يجوز اكتساب الملكية الخاصة فيها على أن تشمل حدود الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، وأبنيتها والأراضي الساحلية، وحرم الحدود، والمحميات الوطنية، وقمم الجبال، ومجاري الأودية، والمواقع الأثرية.
ومن أجل وضع تنظيم شامل يحمي أراضي الدولة من مخالفي الأراضي، فقد كلفت الحكومة وزارة العدل ووزارة الشؤون البلدية والقروية بمراجعة مشروع نظام تملك العقار ومِنَحِه بما يتفق مع ماورد في الأمر السامي، بما في ذلك اقتراح عقوبات رادعة ضد المعتدين على أراضي الدولة، كذلك كلفت الحكومة وزارة الإسكان بمراجعة تنظيم الدعم السكني واللوائح والقرارات المتصلة به والرفع بما يتم التوصل إليه في مدة لا تتجاوز 60 يوما من تاريخ الأمر، كذلك عمدت الحكومة وزارتي الداخلية الشؤون البلدية والقروية بالعمل على إعداد برنامج مشترك لتطوير آليات مراقبة التعديات على أراضي وعقارات الدولة، بما يمكنها من إيقاف كل طرف عند حده وعدم التهاون مع المعتدين على أراضي الدولة.
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى ستقوم هيئة الخبراء في مجلس الوزراء بمراجعة كل الأنظمة ذات العلاقة بأملاك الدولة، وكذلك مراجعة نظام المرافعات الشرعية، وجميع الأوامر والمراسيم الملكية والقرارات واللوائح التنظيمية ذات الصلة، والعمل على التنسيق بينها ووضعها في منظومة نظامية تحمي ممتلكات الدولة من التجاوزات والتطاول من قبل ضعاف النفوس.
ونؤكد أن حماية ممتلكات الدولة من القضايا الأمنية المهمة جدا، ويجب أن تكون الأنظمة مشددة ورادعة ضد المخالفين للنظام حتى لا تسول لهم أنفسهم القيام بأعمال ضد المصالح العليا للدولة.
وفي المحصلة النهائية فإن مشكلة التعدي على أراضي الدولة أصبحت في قبضة الحكومة، وهي الآن تحت المراجعة والتحقيق، وتعكف الدولة باستمرار على إصدار التشريعات النظامية اللازمة والهادفة إلى حماية أراضي الدولة من المعتدين الآثمين.