«نيوم» .. بيئة نادرة للاستزراع
يتميز البحر الأحمر بشكل عام بجودته الشاملة في المعايير المطلوبة لتربية الأحياء المائية، سواء كانت أسماكا أو روبيانا أو أصدافا أو طحالب أو أعشابا بحرية.
ويشكل المدى الحراري الواسع للبحر الأحمر الذي يمتد من قرية الموسم جنوبا - بتشديد السين - إلى حقل شمالا بيئة متعددة التنوع للأحياء سواء الاستوائية في الجنوب أو المتأثرة بمناخ حوض البحر الأبيض المتوسط في الشمال، وهو ما يعطي مربي الأحياء البحرية خيارات واسعة لاستهداف أصناف تتطلبها الأسواق، فلدينا أصناف من هذه الأحياء تفضل بيئة المنطقة الجنوبية مثل أسماك الكنعد والسخلة وأنواع من البياض وأنواع من الهامور وروبيان الشحامي، بينما تفضل أسماك الناجل والطرادي والبهار والصرع والفارس المنطقة الوسطى للبحر الأحمر أما المنطقة، الشمالية للبحر الأحمر، خاصة منطقة نيوم تفضل أسماك مثل تونة المسلبة والقاص والبدح والقمر وبعض أنواع الشعوم "السي باس والسي بريم الأوروبي"، نظرا لدرجة حرارة المياه المنخفضة نسبيا.
لقد تشرفت بالمساهمة في مساندة فريق العمل الذي يدرس بعض ظروف البيئية البحرية في منطقة نيوم ومدى مناسبتها للاستثمارات لإنتاج الأحياء البحرية، وأمكن التنويه لعدة مشاريع ليتم تقديمها للمستثمرين في حينه.
وحيث إن هذه المنطقة الممتدة من رأس الشيوخ والقصبة مرورا برأس الشيخ حميد - الذي يقابل في الجانب المصري رأس محمد وشرم الشيخ - والممتد شمالا لخليج المجوه وشواطئه الرملية الرائعة والفنديرة ثم إلى مدينة مقنا حيث الشواطئ الجميلة ومطاعم الأسماك الطازجة ثم إلى الحميظة ومدينة حقل بعد المرور بسلسلة جبلية بديعة تحتضن البحر العميق.
أشرفت بنفسي على دراسة هذه المنطقة البيئية الفريدة بالتفصيل من حيث مناسبتها لاستزراع الأحياء المائية منذ 1988م وزيارتها عدة مرات، بل الغوص في عدة مناطق من خليج العقبة ولا يسع الإنسان إلا الانبهار بجمال هذه الطبيعة البحرية الفريدة خاصة منطقة التقاء خليج العقبة بالبحر الأحمر لتجد بيئتين مختلفتين بين خليج السويس وخليج العقبة في الكثير من الخصائص البيئية كالملوحة والحرارة وطبيعة الأحياء المائية التي تقطنهما.
من الشواهد التي قد لا تجدها في السواحل السعودية إلا في منطقة نيوم النباتات البحرية العصارية المزدهرة، وحيث إن التيارات البحرية في تلك المنطقة قوية بعض الشيء فإن هذه النباتات البحرية تزدهر بمسطحات كبيرة تقذف بها الأمواج للشواطئ وينجزر عنها البحر وتموت وتحولها أشعة الشمس إلى أحزمة بنية، هذه النباتات والطحالب البحرية البنية تدخل في كثير من الصناعات الدوائية والتجميلية ومنها يستخرج مادة (الكراجينان) Carrageenan ويستخدم لإعداد أطباق الزراعة في المختبرات الطبية والكاراجينان يعد بديلا مباشرا للدهون في بعض مشتقات الحليب الحيواني أو ما يسمى الحليب النباتي مثل حليب جوز الهند وحليب الصويا، كما يستخدم في زيادة ثخانة بعض الأطعمة التي تحتوي على نسبة قليلة من الدسم أو الدهون، إضافة إلى استخدامه في تتبيل اللحوم والدواجن بخلطه مع المحاليل الملحية، كما يدخل الكاراجينان في صناعة بعض أنواع الغذاء الخاصة بالحيوانات، ومما ينبغي التنبه إليه خطورة استخدامه للأكل مباشرة فبعض أصناف هذه الطحالب قد تحتوي على مركبات ضارة بالجهاز الهضمي وتحتاج إلى معاملة تصنيعية لإزالة بعض مكوناتها.
أما الأسماك فيوجد في منطقة نيوم نوعان نادران من الأسماك Katsuwonus pelamis مختلف على تصنيفها، لكن الأرجح أنها من فصائل التونة الوثابة هي سمكة من الفرخيات متوسطة الحجم. تنمو التونة الوثابة لتصل إلى طول نحو متر واحد. توجد هذه السمكة بشكل رئيس في المياه معتدلة إلى نسبيا في درجة الحرارة. تستهلك التونة الوثابة بشكل كبير في المطبخ الياباني، حيث يصنع منها طبق ياباني شهير (الكاتسووبوشي) إضافة إلى تناولها كأحد أنواع طبق السوشي.
كذلك يوجد صنف نادر من الروبيان مستوطن خاصة في منطقة الخريبة ومشهور بها ومع الأسف الشديد تعرض للصيد الجائر، حيث يتم صيده بشباك الجر القاعية آنذاك حتى أصبح نادر الوجود وغير مجد للبحث عنه وسيحتاج إلى عشرات الأعوام لاستعادة مخزنة للتعافي، يسمى الروبيان الزجاجي وهو اسم شائع للشقيقة مصر Glass Shrimp يعيش في درجة حرارة 22 إلى 25م سمي بالزجاجي لكونه شبه شفاف مع وجود بريق وألوان بنية خفيفة، يوجد عديد من الأنواع التي تتبع هذه الفصيلة ويسمى روبيان (الكورما) الشهير في المطبخ الياباني أيضا. إضافة إلى وجود الأسماك الشائعة ببحار المملكة مثل الشعور والبياض والهامور وغيرها.
وكل هذه الأصناف النادرة من الأسماك والروبيان في منطقة نيوم قابلة للاستزراع، والاستثمار فيها مجد والأسواق المحلية والعالمية متعطشة لها. ويعد كثيرون المطبخ الياباني مرجعا للأصناف البحرية، لأن الشعب الياباني من أكثر شعوب العالم استهلاكا للأسماك، حيث يصل استهلاك الفرد السنوي في اليابان 70 كيلوجراما، وتعد أسواق اليابان للمنتجات البحرية بعدا تسويقيا مهما للصيادين والمزارعين، وقد أبدت الصين أيضا معدلات استهلاك عام 2019 تجاوزت فيها اليابان كذلك، ورغم أن معدل استهلاك الفرد للأسماك على مستوى العالم 20.5 كيلو جرام في العام، إلا أن السعودية مع الأسف لا يتجاوز استهلاك الفرد فيها من الأسماك عشرة كيلوجرامات سنويا.
وتعد السفن اليابانية والصينية الأكثر فتكا بالمصايد العالمية سواء في بحارها الإقليمية أو الدولية أو بحار عديد من الدول النامية، خاصة وبعض الدول العربية مثل المغرب وموريتانيا واليمن وعمان والصومال.
معدلات الطلب العالمية للمنتجات السمكية لا يمكن أن تلبي احتياجاتها من المصايد السمكية والبحار والمحيطات كما يظن البعض، وقد توقع تقرير صدر أخيرا للبنك الدولي، أن يزيد الإنتاج العالمي للأسماك بنحو 20 في المائة عام 2030، وذلك ارتفاعا من 154 مليون طن عام 2011 إلى نحو 186 مليون طن عام 2030، وسيسهم تقريبا كل من المصايد الطبيعية والمزارع السمكية تقريبا بنصف الإنتاج، والجدير بالذكر أن المصايد السمكية التي بلغت حاليا نحو 90 مليون طن تشهد انخفاضا سنويا في الأعوام الأخيرة يقدر بنحو 1.2-2.0 في المائة، بينما تشهد مزارع تربية الأحياء المائية التي تتجاوز حاليا 93 مليون طن نموا سنويا يبلغ 13 في المائة وتعد المياه البحرية في المملكة من أجود البيئات لممارسة هذه الأنشطة سواء في استزراع الأسماك أو الروبيان والقشريات عموما أو الرخويات أو النباتات والطحالب البحرية.