الحد من الفقر يتطلب التعاون لتحقيق الانتعاش «2 من 3»

يعيش أكثر من 40 في المائة من فقراء العالم في دول متأثرة بالصراع. ويعاني أشد الناس فقرا من الصراعات العنيفة، فهي تدمر موارد رزقهم وتثبط في الوقت ذاته من الاستثمار في مجتمعاتهم المحلية. فعلى سبيل المثال، تضاعفت معدلات الفقر المدقع تقريبا بين 2015 و2018 في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وذلك بسبب تأجج الصراع في سورية واليمن.
ويمكن أن تؤدي أعمال العنف، في أشد أشكالها، إلى نشوب حروب تزهق الأرواح وتدمر الأسر والأصول والموارد الطبيعية، مخلفة إرثا قد يستغرق التعافي منه أعواما.
كما أن تغير المناخ يشكل تهديدا مستمرا لجهود الحد من الفقر، وسيزداد حدة في الأعوام المقبلة. إذ تذهب تقديرات جديدة إلى أن تغير المناخ سيدفع ما بين 68 مليون شخص و135 مليونا إلى براثن الفقر بحلول 2030. ويمثل تغير المناخ تهديدا خطيرا بشكل خاص في دول إفريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا - حيث يتركز معظم فقراء العالم. ويمكن أن تشمل آثار تغير المناخ أيضا ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وتدهور الأحوال الصحية، والتعرض للكوارث، كالسيول التي تؤثر في الفقراء والسكان عموما. وجائحة كورونا يتوقع أن تؤدي إلى زيادة الفقر في الفئات التي كانت أقل تأثرا.
في حين أن الصراع الذي تشوبه أعمال العنف وتغير المناخ يهددان جهود الحد من الفقر منذ أعوام، فإن جائحة كورونا هي التهديد الأحدث والأكثر إلحاحا.
فتأثير الجائحة في الحد من الفقر سيكون سريعا وملموسا. وفي 2020 وحده، يمكن أن تزيد الجائحة عدد الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع زيادة حادة تراوح بين 88 مليون شخص و115 مليونا. ويعطل فيروس كورونا كل شيء من الحياة اليومية إلى التجارة الدولية. ويعاني أفقر الناس أعلى معدل للإصابة بالمرض ويعانون أعلى معدلات للوفيات في جميع أنحاء العالم.
وتطول تأثيرات الفقر الناجم عن فيروس كورونا حاليا فئات سكانية كانت قد سلمت من أضراره نسبيا. فعدد أكبر من الفقراء الجدد يعيشون في المدن وقد تلقوا قدرا أكبر من التعليم من الفقراء فقرا مزمنا، وهم أكثر انخراطا في الخدمات والتصنيع بالقطاع غير الرسمي، وأقل انخراطا في الزراعة. وقد تكون دول متوسطة الدخل، كالهند ونيجيريا، موطنا لنحو 75 في المائة من الفقراء الجدد. كما أن ثمة حاجة ماسة إلى اتخاذ إجراءات سريعة ملموسة ومهمة في مجال السياسات العامة، وسيؤدي الصراع وتغير المناخ إلى تكلفة بشرية واقتصادية هائلة. ويظهر تقرير الفقر والرخاء المشترك في 2020 أن الهدف المتمثل في خفض معدل الفقر المدقع العالمي إلى أقل من 3 في المائة بحلول 2030، وكان بالفعل معرضا للخطر قبل تفشي الجائحة، أصبح الآن بعيد المنال إذا لم تتخذ إجراءات سريعة مهمة وملموسة على صعيد السياسات العامة.
إننا أمام لحظة غير عادية في الأزمة الحالية، إذ لم يسبق أن أصبح أي مرض خطرا عالميا بهذه السرعة مثل فيروس كورونا. ولم يسبق أن شهد العالم كذلك ارتفاع نسبة أشد الناس فقرا التي تعيش في أقاليم ودول متأثرة بالصراعات على هذا النحو غير المتناسب. وتشهد أنماط الطقس العالمي تغيرات غير مسبوقة بسبب النشاط البشري.
تقول لمباو: "نحن نبكي ونسعى للحصول على المساعدة". إن كيفية استجابة العالم لهذه التحديات الرئيسة اليوم سيكون لها تأثير مباشر في ما إذا كان من الممكن تغيير اتجاه الانتكاسات الحالية في الحد من الفقر حول العالم وما إذا كان الملايين مثل لمباو وأسرتها وجيرانها لديهم فرصة ذهبية لتحقيق إمكاناتهم وتطلعاتهم.
ويجب أن يأتي إنقاذ الأرواح واستعادة سبل كسب الأرزاق على رأس الأولويات المباشرة. وتم بالفعل تنفيذ بعض السياسات اللازمة لتحقيق ذلك، مثل أنظمة الحماية الاجتماعية. فعلى سبيل المثال، قامت البرازيل وإندونيسيا بتوسيع نطاق برامج التحويلات النقدية القائمة.
تدعم مجموعة البنك الدولي الدول المعنية في جهودها الرامية إلى إنقاذ الأرواح وسبل العيش على المدى القصير وضمان التعافي المرن على المديين المتوسط والطويل. وزادت مجموعة البنك الدولي من دعمها للمناطق التي يتزايد فيها تركز الفقر، وتنتشر فيها الصراعات المسلحة على نحو غير متناسب، ويواجه عدد كبير من السكان مخاطر شديدة مرتبطة بتغيّر المناخ، من السيول والفيضانات إلى أسراب الجراد.
وفي هذا الصدد، قال ديفيد مالباس رئيس مجموعة البنك الدولي "نحن نعمل على معالجة عديد من المشكلات الملحة، بما في ذلك الدعم الغذائي، والربط الرقمي، وتحقيق الإنصاف في الحصول على أجهزة التشخيص والعلاجات واللقاحات المتصلة بفيروس كورونا". وبينما نتطلع إلى ما هو أبعد من الاستجابات الفورية للجائحة، ينبغي لواضعي السياسات التنبه للتحديات الإنمائية الأوسع نطاقا. يمكن استخلاص الدروس من إجراءات الطوارئ والتنمية طويلة الأجل، وعلى الرغم من أهمية التصدي لفيروس كورونا، إلا أن الدول لابد أن تواصل العمل على تذليل العقبات القائمة التي تحول دون استمرار الحد من الفقر... يتبع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي