عندما يتحدث ولي العهد .. حقائق وأرقام

حديث بالغ الأهمية لولي العهد الأمير محمد بن سلمان أدلى به لوكالة الأنباء السعودية عما تم خلال الأعوام الأربعة الماضية منذ انطلاق رؤية المملكة 2030. تميزت كلمة ولي العهد ليس فقط بالحديث عن الإنجازات التي تحققت ولكن بالصراحة القوية في تقييم المسار على مدى الـ30 عاما الماضية والمقارنة بالأرقام بما كان عليه الوضع في السابق قبل بداية الرؤية الجديدة للمملكة في مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية التي تلامس حاجة وأمن المواطن - بداية من التطرف، وحقوق المرأة، ومشكلة الإسكان المزمنة مع توافر الإمكانات، والفساد المالي الذي كلف المملكة على مر السنين 5 – 15 في المائة سنويا من ميزانية الدولة أي ما يعادل تقريبا 100 مليار ريال سنويا - وغيرها موضوعات مهمة شملت مختلف الأنشطة والقطاعات الاقتصادية التي ركزت عليها رؤية المملكة 2030.

تم تصحيح كبير لتلك المعوقات في وقت قياسي اعتقد الكثير أنه لم يكن ممكنا. على سبيل المثال، المرأة السعودية تعيش فترة تمكين غير مسبوقة. أصبحت لها مساحة أكبر في إدارة أمورها بنفسها وتوافرت لها فرص وظيفية في مختلف المجالات. وأصبحت أكثر أمانا ومساهمة في تنمية بلدها وخدمة وطنها. وقروض الإسكان التي كان المواطن ينتظر فيها نحو 15 عاما أصبح الاستحقاق فوريا الآن. والتحول الرقمي وتقنية المعلومات التي حققت فيها المملكة خلال الأعوام القليلة الماضية تفوقا عالميا لعبت دورا كبيرا في الرفع من مستوى أداء الأجهزة الحكومية.

وقد مكن ذلك المملكة من مواجهة تحديات ضبط العمل الحكومي والتنسيق بين الأجهزة الحكومية في مواجهة أزمة جائحة كورونا بفاعلية كبيرة. وزارة المالية التي لم يكن لديها أي برنامج للتخطيط المالي وإدارة المخاطر وضبط كفاءة الإنفاق على المديين المتوسط والبعيد أصبحت في وقت قصير تدار بشكل مهني يتوافق مع أفضل الممارسات العالمية. وصندوق الاستثمارات العامة الذي كان قويا في مراحله الأولى قبل نحو 40 عاما مع بداية تأسيس شركة سابك وغيرها من الإنجازات، دخل بعدها صندوق الاستثمارات العامة في سبات عميق لأعوام طويلة خلال فترة الطفرة المالية والفرص الضائعة.

حدث تغير جذري في إدارة وحوكمة صندوق الاستثمارات العامة مع بداية رؤية المملكة 2030 وكأنه قد أعيد تأسيسه ليكون أحد أهم ركائز الاقتصاد الوطني. لا شك أن ضعف الحوكمة وعدم وجود آليات لضبط كفاءة الإنفاق الحكومي والترهل بشكل عام الذي كانت تعانيه وزارة المالية في السابق وغيرها من الأجهزة الحكومية قد نتج عنه هدر مالي كبير وضعف في الاستثمار والتحوط للمستقبل وعدم القدرة على إنجاز مشاريع تنموية مهمة مثل الإسكان على الرغم من الإنفاق الحكومي الهائل لأعوام عديدة الذي كان يتعدى ما هو مرصود له في ميزانية كل عام بما يقارب 30 في المائة.

يصف صندوق النقد الدولي هذه الظاهرة بالانزلاق المتكرر أو الترهل في السياسة المالية Fiscal Slippages. كما يدل على ذلك تصريحات سابقة لولي العهد مع بداية الإصلاح المالي عام 2015 حدد فيها حجم الهدر المالي خلال أعوام الطفرة المالية والارتفاعات التاريخية لأسعار البترول بنحو 80 - 100 مليار دولار سنويا.

هذه الأرقام الكبيرة لمستوى الهدر المالي وما صاحبها من نسب عالية في الفساد المالي التي أشير إليها أعلاه (5 – 15 في المائة من الميزانية السنوية للدولة) تعطي أهمية كبرى للإصلاحات المالية الأخيرة ولحجم الإنجاز الذي حصل بعد انطلاق رؤية المملكة 2030.

تطرق أيضا ولي العهد في حديثه الأخير إلى القرارات والضوابط المالية التي أعلنتها الدولة في مواجهة أزمة جائحة كورونا التي أتت في إطار سياسة المملكة نحو تحقيق الأمن والتوازن الاقتصادي المستدام، وتوضيح أن ما صاحب هذه القرارات من أثر مالي في القطاع الخاص وفي المواطن السعودي على المدى القصير كان من أجل تقليل المخاطر المستقبلية وتفادي حلول قد تكون أكثر صعوبة على المديين المتوسط والبعيد، إن لم تتخذ الإجراءات الاحترازية المطلوبة.

كما تجدر الإشارة إلى أن هذه الخيارات المالية الصعبة التي واجهت الدولة في الأزمة الحالية هي في المقام الأول نتيجة ضياع فرص تاريخية لإصلاحات مهمة ولبناء مدخرات وطنية كافية خلال فترة الطفرة المالية. وأشار أيضا ولي العهد إلى موضوع بالغ الأهمية للمواطن السعودي وبالذات في دعم ورفع مستوى توظيف السعوديين في القطاع الخاص من خلال المبادرة الجديدة "تحسين العلاقة التعاقدية". وهي تصحيح لموضوع الكفالة بما يحفظ حقوق الوافدين ويرفع من تنافسية الموظف السعودي لتتساوى مع الأجنبي كما صرح بذلك أيضا وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية.

لا شك أن هذه أقوى المبادرات الحكومية على مر العقود الماضية نحو توفير فرص أكبر للسعوديين للعمل في القطاع الخاص في بيئة عمل جيدة تتوافق مع الممارسات العالمية في أكثر البلدان تطورا ونموا. والمصلحة العامة للاقتصاد السعودي ليست فقط في زيادة توظيف السعوديين بل أيضا رفع مستوى الإنتاجية في القطاع الخاص من خلال استقطاب الكفاءات المؤهلة ذات القيمة المضافة.

التحدي الذي يفرض نفسه على الرؤساء التنفيذيين في القطاعين الحكومي والخاص هو طريقة التنفيذ لهذه المبادرة المهمة أخذا في الحسبان الصعوبات التي يمكن أن تواجه الشركات الصغيرة بالذات على المدى القصير ولا سيما أن التشوهات في سوق العمل السعودية قد تراكمت على مر السنين بحلول شكلية من فترة لأخرى أدت إلى تشوهات وخسائر اقتصادية إضافية تحت مظلة "سعودة الوظائف".

ومن تلك الخسائر الاقتصادية ظاهرة التوظيف الوهمي والتستر وغيره. ولذلك فإن هذه المبادرة تعد أول مرة يطرح فيها إصلاح حقيقي لسوق العمل في المملكة يتوافق مع الممارسات العالمية المعروفة. وفي ظل هذه الإنجازات الكبيرة فإنه يصعب تصور مستقبل الاقتصاد السعودي لو لم تتم عملية تغيير المسار من خلال رؤية المملكة 2030 بخطة عمل واضحة شاملة وجريئة في التنفيذ والمحاسبة Accountability.

 

* عمل سابقا كبيرا للمستشارين ومديرا عاما للاستثمار في مؤسسة النقد وخبيرا غير مقيم في جامعتي هارفارد وستانفورد

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي