رئيس مجموعة "مكافحة الفساد" في العشرين لـ"الاقتصادية": مبادرة الرياض خريطة طريق لدول العالم
أكد الدكتور ناصر أبا الخيل مساعد رئيس هيئة الرقابة ومكافحة الفساد للتعاون الدولي، رئيس مجموعة عمل مكافحة الفساد في مجموعة العشرين، حرص المملكة خلال رئاستها لمجموعة العشرين على تبنى مبادرات غير مسبوقة في تاريخ المجموعة، التي من شأنها أن تشكل آفاقا جديدة.
وأوضح في حوار مع «الاقتصادية» أن من أبرز تلك المبادرات، تبني أول اجتماع وزاري في تاريخ دول مجموعة العشرين في مجال مكافحة الفساد، ما أتاح الفرصة لوزراء مكافحة الفساد في دول مجموعة العشرين على الجلوس حول طاولة واحدة لمناقشة تحديات الفساد بكل شفافية، ووضع حلول عملية للحد من الفساد.
ولفت إلى أن المبادرات التي تبنتها المملكة من شأنها الحد من الملاذات الآمنة للفاسدين، وملاحقة الأموال العامة المسروقة، وإعادتها إلى دولها الأصلية.
وأضاف أن المجموعة وضعت سياسات واضحة المعالم من شأنها تعزيز التعاون الدولي في مكافحة الفساد بما يحقق أهداف وخطط التنمية المستدامة، ويعزز من دور دول المجموعة في أن تكون مثالا يحتذى به في مكافحة الفساد.
وبين أن البيان الوزاري الأول الخاص بمكافحة الفساد في مجموعة العشرين برئاسة المملكة، يعد بمنزلة خريطة طريق ليس فقط لدول مجموعة العشرين، بل لجميع دول العالم، مشيرا إلى أنه جرى مشاهدة آثار البيان الوزاري خلال الأيام القليلة الماضية على الاجتماعات الدولية الأخرى.
وأشار إلى أن البيان الوزاري، وما تضمنه من مبادرات كمبادرة الرياض لتعزيز التعاون بين أجهزة مكافحة الفساد، هو محل نقاش هذه الأيام بين الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وعددها أكثر من 185 دولة، ومتوقع أن يتم تبني مبادرة الرياض في اجتماع الأمم المتحدة الاستثنائي المعني بمكافحة الفساد، والمزمع عقده منتصف العام المقبل 2021.. وإلى تفاصيل الحوار:
بداية، ما أهمية وجود ملف مكافحة الفساد ضمن أجندة مجموعة العشرين؟
آفة الفساد ليست منحصرة على دول أو منطقة جغرافية معينة، وإنما هي ظاهرة تعانيها كل الدول على حد سواء، والدليل على ذلك أن الفساد يكلف الاقتصاد العالمي - حسب تقديرات المنظمات الدولية - ما يعادل 3.6 تريليون دولار سنويا.
أما على المستوى المحلي، فكما ذكر ولي العهد الأمير محمد بن سلمان فإن الفساد يستهلك 5 في المائة إلى 15 في المائة من ميزانية الدولة، وله آثار مدمرة على التنمية والازدهار وجودة الخدمات والمشاريع.
ونظرا لكون الفساد من الجرائم العابرة للحدود، فقد أسس قادة دول مجموعة العشرين مجموعة عمل مكافحة الفساد في عام 2010م لوضع السياسات اللازمة لتعزيز التعاون الدولي في مكافحة الفساد، بحيث تكون دول مجموعة العشرين مثالا يحتذى به في هذا المجال.
نقل مستوى الحوار في أجندة مكافحة الفساد ليكون ذا مستوى وزاري، ما الذي قامت به المملكة في سبيل ذلك؟
حرصت المملكة خلال رئاستها لدول مجموعة العشرين هذا العام، على أن تتبنى دول المجموعة جملة من المبادرات غير المسبوقة في تاريخ المجموعة، التي من شأنها أن تشكل آفاقا جديدة، وتسهم في تعزيز اغتنام فرص القرن الـ21 للجميع؛ ومن أبرز تلك المبادرات، تبني أول اجتماع وزاري بتاريخ دول مجموعة العشرين في مجال مكافحة الفساد، ما أتاح الفرصة لوزراء مكافحة الفساد في دول مجموعة العشرين على الجلوس حول طاولة واحدة لمناقشة تحديات الفساد بكل شفافية، ووضع حلول عملية للحد من الفساد.
ولاقت مبادرة المملكة لعقد هذا الاجتماع الوزاري إشادات دولية من دول مجموعة العشرين، ومن رؤساء المنظمات الدولية المعنية بمكافحة الفساد، بما في ذلك مكتب الأمم المعني بالمخدرات والجريمة، والإنتربول، والإيجمونت، ومنظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، والفاتف.
حدثنا عن أبرز تحديات الفساد التي تناولها اجتماع وزراء مكافحة الفساد الأول؟
الاجتماع الوزاري ناقش تحديات متعددة، ووضع لها حلولا عملية. ويمكن مطالعتها في البيان الوزاري، الذي تضمن أكثر من عشر مبادرات وضعتها رئاسة المملكة كأولويات لمكافحة الفساد في دول مجموعة العشرين، بما في ذلك التحديات المرتبطة بمخاطر الفساد التي نجمت أو قد تنجم عن ميزانيات الدول الضخمة التي خصصتها لمواجهة جائحة فيروس، كوفيد - 19، والتحديات المقترنة بضعف التعاون الدولي فيما بين الأجهزة المعنية بمكافحة الفساد حول العالم، وتعزيز مبادئ المساءلة والشفافية، وتعزيز العمل الجماعي لملاحقة وحرمان الفاسدين وعائدات جرائمهم من الملاذات الآمنة، وتعزيز الجهود الرامية إلى تجريم الرشوة المحلية والأجنبية العابرة للحدود، وتنفيذ الالتزامات والتعهدات المنبثقة من الاتفاقيات الدولية المعنية بمكافحة الفساد.
وماذا عن الإجراءات التي اتخذها وزراء مكافحة الفساد في دول العشرين للحد من آثاره الناجمة عن الجائحة؟
لقد جسد الوزراء المعنيون موقفا حازما في التعامل مع الآثار المترتبة على هذه الجائحة، لتحقيق نمو اقتصادي، وتنمية مستدامة، وتعزيز فرص الاستثمار، مؤكدين في البيان الصادر أهمية التعامل مع هذه الجائحة والحد من آثارها من خلال تعزيز التعاون الجماعي بين دول المجموعة في مجال مكافحة الفساد، إلى جانب وضع إجراءات تتسم بالوضوح، بهدف تعزيز مبادئ الحوكمة والشفافية، وجهود دول المجموعة الفردية والجماعية في منع الفساد ومكافحته خلال الجائحة وما بعدها.
وقد تضمن البيان الوزاري الترحيب بالدليل الموجز للممارسات الجيدة بشأن مكافحة الفساد في التعامل مع جائحة فيروس كورونا، كوفيد - 19، الذي سيكون له بالغ الأثر في تعزيز قدرات الدول للتعامل بشكل أفضل مع مخاطر الفساد الناجمة عن جائحة كورونا، كوفيد - 19.
كيف ستعالج مبادرة الرياض ضعف التعاون الدولي بين أجهزة مكافحة الفساد؟
التعاون بين سلطات إنفاذ القانون المعنية بمكافحة الفساد أمر أساس للتصدي لمختلف أشكال جرائم الفساد، ولا سيما في القضايا العابرة للحدود. وحيث تتمتع بعض الدول المتقدمة بالخبرة في مثل هذا النوع من التعاون في قضايا الفساد العابرة للحدود، وملاحقة ومحاكمة مرتكبي جرائم الفساد عبر شبكات إقليمية محدودة، والحصول على المساعدة اللازمة من ولايات قضائية أخرى لاسترداد عائدات جرائمهم، فإن أغلبية الدول النامية تواجه تحديات وعقبات فنية وقانونية وبشرية وتقنية في هذا المجال، ولا سيما أنه لا يوجد في العالم أي شبكة أو منصة دولية تربط بين أجهزة مكافحة الفساد.
وبالتالي فإن المشكلة التي رمت مبادرة الرياض إلى معالجتها هي عدم وجود شبكة عالمية بين سلطات مكافحة الفساد تخدم مصالح جميع الدول بما يتفق مع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، التي توفر الإطار القانوني لهذا التعاون.
ومن هذا المنطلق، ومن مبدأ الدور القيادي للمملكة بحكم رئاستها لدول مجموعة العشرين، وبدعم لا محدود من القيادة تم طرح مبادرة الرياض التي تهدف إلى إنشاء شبكة عمليات عالمية لسلطات إنفاذ القانون المعنية بمكافحة الفساد، وإنشاء منصة عالمية آمنة لتسهيل تبادل المعلومات بين سلطات إنفاذ القانون المعنية بمكافحة الفساد، وقد دعمت المبادرة ببرنامج متخصص لبناء وتطوير القدرات لمنسوبي هذه الشبكة تحت مظلة مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة بصفته الوصي على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي تشكل الإطار القانوني للتعاون المباشر فيما بين أجهزة مكافحة الفساد المعنية بمكافحته.
ولاقت هذه المبادرة ترحيبا من جميع وزراء مكافحة الفساد في مجموعة العشرين، كما لاقت إشادات دولية من مختلف المنظمات الدولية ذات الصلة بمكافحة الفساد، وقد تم تدشين المبادرة رسميا في موقع الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، وذلك خلال اجتماع وزراء مكافحة الفساد في دول مجموعة العشرين بتاريخ 22 تشرين الأول (أكتوبر) 2020.
هل تعتقدون أن الاجتماع الوزاري وما تمخض عنه من أولويات وبيان سيسهل من استرداد الأموال المسروقة؟
بالتأكيد، إذ يشكل الفساد تحديا للدول كافة، والفساد بطبيعته من الجرائم العابرة للحدود، ويؤثر في جميع الدول سواء من ناحية استقرارها أو نزاهة أنظمتها المالية، وبالتالي خرج الوزراء المعنيون بمكافحة الفساد في دول مجموعة العشرين برئاسة المملكة هذا العام بعدد من المبادرات الاستثنائية الرائدة التي من شأنها تيسير استرداد الأصول العامة المسروقة، وملاحقة الفاسدين، ومتحصلات جرائمهم، ما لذلك من أثر بالغ في تحقيق الازدهار العالمي والعيش في عالم يعكس قيم النزاهة والشفافية والعدالة ومبدأ سيادة القانون على الجميع.