الأمن الغذائي والمائي رهان المملكة في قمة الكبار

الأمن الغذائي والمائي رهان المملكة في قمة الكبار

أعادت جائحة كورونا، التي فاجأت العالم، على حين غرة، إلى دوائر التفكير والقرار قضية حماية البيئة، خاصة بعد أن شاهد الإنسان بأم عينيه عودة الروح وانتعاش الحياة، في مناطق عدة من العالم، نتيجة تراجع أو توقف عديد من الأنشطة البشرية المؤثرة على البيئة. طبعا، لا يعني ذلك الدعوة إلى وقف متطلبات الحياة المعاصرة، قصد تحقيق الحماية، بقدر ما يدعو إلى التفكير في سبل بديلة، كفيلة بضمان الاستدامة وتحقيق التوازن البيئي. اتجهت الأنظار صوب قمة مجموعة العشرين في الرياض، بصفتها محطة مثالية لإثارة الموضوع بين قوى دولية كبرى. فندت السعودية مختلف التخمينات الرائعة، وسطرت جدول أعمال قمة، أدرك من خلاله العالم أن حماية البيئة والتنمية المستدامة من أولى الأولويات لدى البلد، ما ينم عن مدى الوعي بمستوى المخاطر وبالمسؤولية التاريخية أيضا. فعلى الرغم من التحفظات، التي قد تصدر من دول كبرى في المجموعة (الولايات المتحدة الأمريكية، الصين، والهند...) من امتعاض أو تحفظ على الموضوع، كونه معوقا لطموحاتها الاقتصادية. أبت الرياض إلا أن تطرح، وانسجاما مع قناعاتها، في المحور الثاني لأشغال القمة موضوع "الحفاظ على كوكب الأرض"، وذلك خدمة للإنسان من خلال تعزيز الجهود المشتركة لحماية الموارد العالمية.
أزمة الأمن الغذائي
وظفت المملكة بذكاء إفرازات أزمة كورونا، لتوجيه أشغال القمة من أجل خدمة التعاطي مع المسائل الآنية والأسئلة الملحة في موضوع البيئة، بعدما وقفت عند معطيات وحقائق، لم تكن سيرورة الأحداث، في عالم ما قبل كورونا، تتيح أو تسمح بالوقوف عليها. فأحدث التقارير البيئية، تفيد بأن نحو 37 في المائة من إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، تنبع من النظم الغذائية من خلال الزراعة واستخدام الأراضي والتخزين والنقل والتعبئة والمعالجة والبيع بالتجزئة والاستهلاك. يثير هذا التصنيف، مسألة عويصة بشأن الغذاء، الذي يمثل الركيزة الأساسية للمجتمعات المزدهرة، فالسعي نحو ضمان الأمن الغذائي العالمي يواجه بالتصدي بمشكلة التغير المناخي. ويزداد حجم المسؤولية الملقاة على دول مجموعة العشرين، ومعه راهنية البحث عن حل عاجل، عند مطالعة التقارير الأممية، فأحدثها يفيد بأن العدد الأكبر من الجياع يقع في آسيا (381 مليون شخص)، تليها إفريقيا (250 مليون شخص)، ثم أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي (48 مليون شخص). ويتوقع أن تداخل الجائحة مع تقلبات المناخ إلى الدفع بأكثر من 130 مليون شخص آخرين إلى القائمة بحلول نهاية 2020.
تشكل التدابير غير المسبوقة المتخذة بغية مجابهة وباء كورونا، نبراسا بإمكان مجموعة العشرين السعي على هديه، قصد إيجاد بلورة أنظمة مستدامة ذات كفاءة في استخدام الموارد، وضمان الأمن الغذائي العالمي. من شأن عناية وحرص الرياض على إثارة موضوع حماية البيئة أن يدفع مجموعة دول العشرين نحو صياغة استراتيجيات تكيف فعالة، لتقليل الانبعاثات الحرارية والغازية، لتجنب بعض الآثار السلبية لتقلبات المناخ على الأمن الغذائي، واستنباط سلالات زراعية تتحمل التقلبات المناخية وتعطي إنتاجية عالية.
المياه خطر محدق
تعد المياه الوجه الآخر للأزمة، حيث تحضر جنبا إلى جنب مع أزمة الزراعة، أي التغذية. وقد تمتد لتشكل الأساس المتين لهذا المشكل، فنقص المياه نتيجة الجفاف الناجم عن التغير المناخي، من شأنه أن يحدث خللا في سلسلة الإنتاج، فتراجع المساحات المزروعة، يعني قلة المحصول الزراعي، الذي تتراخى آثاره لتستهدف في المحصلة الأمن الغذائي العالمي. صحيح أن كوكب الأرض يتميز بوجود كمية ضخمة من المياه على سطحه، تقدر بنحو 1,4 مليار كيلو متر مكعب. لكن نسبة المياه الصالحة للشرب منها، لا تتجاوز 35 مليون كم مكعب، وهذا ما يعادل 2,5 في المائة من إجمالي المياه على سطح الأرض. هذا ما جعل نواقيس ناقوس تدق، فتقرير البنك الإفريقي على سبيل المثال، يفيد بأن 14 دولة تعاني نقصا مائيا، وأن الرقم مرشح للارتفاع، حيث سيصل إلى أكثر من 25 دولة مع حلول 2030. ويبلغ متوسط كمية المياه السطحية المتجددة سنويا في إفريقيا، بحسب ذات التقرير، نحو 4050 مليار متر مكعب، ما يعادل 9 في المائة على مستوى العالم، على الرغم من أن القارة تشكل 17,2 في المائة (1,34 مليار نسمة، يونيو 2020) من سكان العالم. يكاد حال مناطق عدة في قارات أخرى يماثل حال إفريقيا، لذا بادرت السعودية، منذ أعوام إلى تطوير تجارب قصد صياغة بدائل اقتصادية من شأنها ضمان تحقيق التنمية والاستدامة معا. هنا ظهر ما يعرف باقتصاد المحيطات أو "الاقتصاد الأزرق"، الذي تحول لدعامة أساسية لأهداف "رؤية المملكة 2030"، ترمي المساهمة في بناء صرح اقتصاد مستدام في المملكة، باعتماده في عدد من المشاريع العملاقة على طول البحر الأحمر (نيوم وأمالا والبحر الأحمر).حل في عمق المحيطات
حرص السعودية على تضمين المسألة البيئية جدول أشغال القمة، دليل على مدى الاهتمام أولا، وعلى سعي الرياض إلى بسط تجاربها محليا ووضعها بين يدي المشاركين، قصد اعتمادها ضمن مخرجات وتوصيات القمة، سعيا إلى إحداث أثر وتحقيق فارق نوعي، في موضوع يهدد بإنهاء الحياة على كوكب الأرض.
إيلاء عناية خاصة بالمحيطات والحياة البحرية والحد من مظاهر التلوث البحري، خاصة الحد من النفايات البترولية والبلاستيكية، من الحلول التي تقدمها المملكة لباقي المشاركين في القمة، لمواجهة جزء كبير من تداعيات تلويث البيئة. تسعى الرياض إلى تنسيق الجهود لحماية الشعاب المرجانية، فهذا النظام البيئي الحيوي له دور رئيس في الحفاظ على كوكب الأرض. يبدو أن هذا الحل، قد أخذ في الحسبان أن دول مجموعة العشرين وحدها نحو 60 في المائة من الشعاب المرجانية في العالم. إن الحفاظ على الشعاب المرجانية والنظم الأيكولوجية للمحيطات، أيسر السبل لضمان حماية الموائل الطبيعية، التي يعتمد عليها بين 25 و50 في المائة من الحياة البحرية، وتساعد على حماية المجتمعات من الفيضانات. ويتخوف العلماء من فقدان العالم نسبة كبيرة من هذه الشعاب المرجانية بحلول منتصف القرن. وهذا ما ستكون له عواقب وخيمة على التوازن الحيوي في البحر، وبالتالي على نوعية الحياة الاقتصادية والغذاء في المناطق الساحلية عبر العالم. تعد المحيطات أكبر ضحايا تغير المناخ، وأكبر عوامل التخفيف من تبعاتها، بما في ذلك "الغابات المخفية" من المستنقعات المالحة، ومروج الأعشاب البحرية، وغابات عشب البحر... وكلها تعمل مصارف طبيعية للكربون. إنها حلول يتنظر أن تبسطها قمة الرياض أمام ناظري المشاركين، وهي مدركة جيدا صعوبة الخطوة التي تسعى إلى إقناع أعضاء المجموعة بها، خاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من اتفاق باريس للمناخ. ما من شك أن رئاسة القمة تعي هذا الأمر، فقد كشفت أورسولا هاجن، إحدى المشاركات في صياغة تقرير مؤشر حماية المناخ، الصادر عن معهد "نيوكلايميت" ومنظمة "جيرمان ووتش" غير الحكومية، عن أن أكثر من نصف الدول، التي شملها المؤشر أظهرت تراجعا في مستوى الانبعاثات، أغلبها من الدول الصناعية والنامية الصغيرة. هذا جانب إيجابي نأمل في أن يصبح سمة سائدة. نحن نشهد خطوات صغيرة في الاتجاه الصحيح.

سمات

الأكثر قراءة