التحول إلى العمل عن بعد ينطوي على مخاطر متأصلة

التحول إلى العمل عن بعد ينطوي على مخاطر متأصلة

بالنسبة لبعض الناس أثارت التجربة الجماعية مع العمل عن بعد هذا العام، إحساسا مزعجا بعدم الارتياح: إذا كان بإمكاني القيام بعملي من المنزل في لندن أو بروكلين أو كانبيرا، فهل يمكن لشخص آخر القيام بذلك بتكلفة أقل في صوفيا أو مومباي أو مانيلا؟ في عالم الشركات، ربما استمتعنا بترك المواصلات والتخلي عن ملابس المكتب، لكن هل سنشعر بالغرور في غضون أعوام قليلة إذا انضممنا إلى عمال المصانع في صفوف المتخلفين عن الركب؟
إنه ليس خوفا جديدا. في 2007 قدر ألان بلايندر، الخبير الاقتصادي في جامعة برينستون، أن "التقدم المذهل في تكنولوجيا الاتصالات المحوسبة" يعني أن ما بين 22 و29 في المائة من الوظائف في الولايات المتحدة موجودة فعليا في الخارج، أو ستكون هناك في غضون عقد أو عقدين. انتقل بالفعل كثير من وظائف قطاع الخدمات التي تتطلب مهارات أقل إلى دول أرخص مثل الهند، وهي تشمل وظائف تراوح من مراكز الاتصال إلى تكنولوجيا المعلومات ودعم المكاتب الخلفية. لكن معظم الوظائف المكتبية بقيت. وجدت دراسة متابعة في العام الماضي أن من بين 26 مهنة كان من المحتمل أن يتم نقلها إلى الخارج في 2007، تقلص 11 في الولايات المتحدة بينما نما 15.
مع ذلك، يعتقد ريتشارد بالدوين، الاقتصادي في معهد الدراسات العليا للدراسات الدولية والتنموية في جنيف، أن هذه المرة ستكون مختلفة. أجبر كوفيد - 19 أرباب العمل على تبني التكنولوجيا المطلوبة لإدارة القوى العاملة المشتتة. مارك ريد، الرئيس التنفيذي لشركة الإعلانات "دبليو بي بي"، قال في حدث افتراضي نظمته "فاينانشيال تايمز" هذا الشهر: "لقد أمضينا خمسة أعوام في محاولة لجعل الناس يتبنون منصة تيمز من شركة مايكروسوفت، وحققنا ضعف ذلك 60 مرة خلال أسبوع".
تسببت الأزمة أيضا في تسريح الموظفين، ولا سيما عندما لا تدعم الحكومات الأجور لإبقاء الناس في وظائفهم. يجادل البروفيسور بالدوين أنه بمجرد انقطاع الاتصال الوظيفي، يصبح من السهل على الشركات إعادة التوظيف في بلد مختلف، ولا سيما بالنظر إلى أن كثيرا منها سيكون حريصا على خفض التكاليف.
هذا لا يعني أن جميع الوظائف التي تتم حاليا عن بعد في العالم الغني يمكن أن تنتقل إلى الخارج. ستستمر أهمية اللغة والثقافة والمناطق الزمنية المشتركة. إضافة إلى ذلك، اعتمد كثير من الموظفين الذين يعملون عن بعد هذا العام على رأس المال الاجتماعي المتراكم مع الزملاء والعملاء الذين سيحتاجون في النهاية إلى التحديث من خلال الاتصال وجها لوجه. من المرجح أن تصبح هذه الوظائف هجينا بعد كوفيد - 19، مع مزيج من العمل في المكتب وأيام للعمل عن بعد. قد ينتقلون من المدن، لكن ليس من الدول.
كذلك سلط الوباء الضوء على المخاطر المرتبطة بالانتقال إلى الخارج: عندما كان يتعين إغلاق بعض مكاتب مراكز الاتصال في الهند والفلبين، لم يكن لدى الموظفين أجهزة الكمبيوتر المحمولة، أو الوصول إلى الإنترنت، أو التصريح الأمني للعمل من المنزل. تضررت شركة تلسترا، وهي شركة اتصالات أسترالية، بشدة من عمليات الإغلاق في الفلبين وقررت تعيين 3500 موظف مؤقت في أستراليا.
لهذا السبب، من المرجح أن يكون النقل الجديد إلى الخارج عبر منصات مثل آب ورك وفايفر التي تربط أصحاب العمل بالعاملين لحسابهم الخاص للعمل القائم على المهام ويأخذون جزءا من الأجر. يعد إشراك العاملين لحسابهم الخاص أكثر مرونة ويتجنب خطر إغلاق مكتب خارجي. سجلت "آب ورك وفايفر" نموا في الإيرادات بلغ 24 و88 في المائة على أساس سنوي في الربع الثالث، على التوالي، كما ارتفعت أسعار أسهمهما بشكل حاد هذا العام.
يراوح عمل منصة ذوي الياقات البيضاء من الوظائف البسيطة، مثل جزء من كتابة الإعلانات، إلى أعمال المشروع المعقدة. المنافسة بلا حدود. وجد بحث على "فايفر" شخصا في سريلانكا يكتب منشور مدونة في غضون 24 ساعة مقابل خمسة دولارات (لديه أكثر من ألف مراجعة وتقييم بمتوسط 4.9 من 5). للعمل نفسه ستجد شخصا من الهند يتقاضى 15 دولارا وشخصا من الولايات المتحدة يتقاضى عشرة دولارات.
تفتح المنصات الفرص لأولئك الذين لديهم مهارات مطلوبة ويريدون حرية العمل الحر خاصة بالنسبة للأشخاص الموهوبين في الدول الفقيرة. لكن بالنسبة لأولئك الذين يتمتعون بمهارات أكثر عمومية، هناك خطر التسليع، والأجور المضغوطة، وعدم وجود حماية وظيفية في العالمين المتقدم والنامي على حد سواء. وجدت دراسة أجرتها منظمة العمل الدولية عام 2017 على 3500 عامل من 75 دولة على خمس منصات مهام صغيرة (تتميز بمهام أبسط) أن متوسط الأجر في الساعة يراوح بين دولارين و6.50 دولار للساعة، مع وجود نسبة عالية من العاملين يكسبون أقل من الحد الأدنى للأجور السائد.
لن تختفي الوظائف المكتبية لكن العام الماضي قد يقنع الشركات بتقليص موظفيها الأساسيين الدائمين وتوسيع محيطها من العاملين عند الطلب في أي مكان. هذا الالتقاء بين العولمة والتقليص قد تكون له عواقب وخيمة، خاصة بالنسبة للعاملين ذوي الياقات البيضاء الأصغر سنا والأقل مهارة. على عكس تراجع التصنيع، سيحدث ذلك بهدوء داخل المنازل بدلا من أرض المصنع. لكنه لن يكون أقل إيلاما.

الأكثر قراءة