السعودية .. تقدم الإنسان والآلة
ضمن برنامج التحول الوطني في رؤية المملكة 2030 ومستهدفات الاستثمار في مجالات الذكاء الاصطناعي وتعزيز التحول الرقمي، تم إنشاء هيئة باسم الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي، قبل عام تقريبا، وهي ترتبط مباشرة برئيس مجلس الوزراء، كما تم إنشاء مركز باسم المركز الوطني للذكاء الاصطناعي، ومكتب باسم مكتب إدارة البيانات الوطنية، ويرتبطان تنظيميا بالهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي. ومنذ ذلك الحين، عملت هذه الأجهزة بهدف تحقيق قفزة نوعية في مجالها من أجل مستقبل مبهر، رسمت خططه طموحات لا حدود لها، راهنت على أن هذا الوطن سيصبح يوما ما محطة رئيسة للذكاء الاصطناعي، وتسخير قدراته لما فيه خير البشرية جمعاء.
وفي هذا الاتجاه، تم إطلاق الاستراتيجية الوطنية الجديدة خلال أعمال القمة العالمية للذكاء الاصطناعي، التي جرت فعالياتها في منتصف تشرين الأول (أكتوبر) الماضي تحت رعاية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. ووصف ولي العهد عام 2020 بأنه عام اختبار إمكانات الذكاء، وشهد تشكل حالة عالمية جديدة تعيد تعريف أساليب حياتنا وأعمالنا وتعلمنا، وإننا في السعودية نترجم ذلك اليوم بإطلاق الاستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي، بطموح واضح لأن تغدو السعودية نموذجا للذكاء الاصطناعي في العالم. ويعد هذا التوجه دلالة واضحة على أن السعودية عازمة على تطوير الحاضر الرقمي وبناء مستقبل يعتمد على الذكاء الاصطناعي والابتكار، الأمر الذي يعزز مسيرتها لرسم مستقبلها نحو الريادة في مجال التقنية والابتكار.
ويشكل اهتمام المملكة بهذا الشكل المتطور والمتقدم من تقنيات المعرفة الحديثة، دليلا على أن أنها ماضية على طريق مواكبة التطورات والمتغيرات السريعة، ما يضمن لها مكانة رائدة بين الدول. وجاءت الاستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي، بهدف الوصول إلى أعلى 15 دولة في الذكاء الاصطناعي، وإلى أعلى عشر دول في البيانات المفتوحة، وبناء مورد مستدام للكفاءات لأكثر من 20 ألف متخصص وخبير في البيانات والذكاء الاصطناعي، وجذب استثمارات في مجال البيانات والذكاء الاصطناعي بما يقارب 75 مليار ريال "نحو 20 مليار دولار"، وتحفيز ريادة الأعمال، والإسهام في إيجاد أكثر من 300 شركة ناشئة في مجال البيانات والذكاء الاصطناعي.
ولهذا، دعا ولي العهد، في كلمته، الحالمين والمبدعين والمستثمرين وقادة الرأي كافة إلى الانضمام لنا هنا في السعودية، لنحقق معا هذا الطموح، ونبني نموذجا رائدا لإطلاق قيمة البيانات والذكاء الاصطناعي لبناء اقتصادات المعرفة والارتقاء بأجيالنا الحاضرة والقادمة. ولم يكن اهتمام السعودية المتزايد بهذا القطاع ليأتي من فراغ، بل أكدت قمة الرياض وقمة اليابان لمجموعة الدول العشرين، الأهمية المطلقة لهذا القطاع وزيادة معدلات الاستثمار فيه، ومن المتوقع أن يتضاعف الإنفاق العالمي على الذكاء الاصطناعي خلال الأعوام الأربعة المقبلة، حيث سينمو من 50.1 مليار دولار في عام 2020 إلى أكثر من 110 مليارات دولار في عام 2042. وجمعت الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم أكثر من 7.2 مليار دولار في الربع الثاني من عام 2020 في 43 دولة.
كما نجحت القمة العالمية للذكاء الاصطناعي، في إعلان اتفاقيات وشراكات عالمية في هذا المجال المهم مستقبلا. فعندما دعا ولي العهد الحالمين والمبدعين كافة إلى الانضمام إلى هذا الطموح الكبير، كان يدرك تماما أن السعودية ستكون واحة الذكاء الاصطناعي، مع التطوير المستمر للبيئة الحاضنة لها في "نيوم" - مدينة المستقبل. وجاءت التقارير العالمية لتؤكد هذا في أوضح صورة، حيث حققت السعودية المركز الأول عربيا، والمركز الـ22 عالميا في المؤشر العالمي للذكاء الاصطناعي، مقارنة بالمركز الـ29 عالميا العام الماضي، كما نالت السعودية المركز الثاني عالميا في معيار الاستراتيجية الحكومية، والمركز التاسع عالميا في معيار البيئة التشغيلية.
لقد جاء ذلك في تقرير مؤشر تورتويس إنتليجينس Tortoise Intelligence، الذي يقيس أكثر من 143 مقياسا لمستوى الاستثمار والابتكار وتنفيذ تقنيات الذكاء الاصطناعي عبر عدة معايير، كقوة البنية التحتية والبيئة التشغيلية والأبحاث والتطوير، وغيرها. فهو مقياس معبر بكل دقة عن مدى التقدم في العمل، ومن الصعب تحقيق تقدم قوي في أي مجال من مجالات هذا المؤشر ما لم يكن هناك عمل جبار وخطط محكمة وتنفيذ دقيق، فتحقيق تقدم بحجم سبعة مراكز في مؤشر الذكاء الاصطناعي، يؤكد أننا عازمون على أن تصبح السعودية حاضنة لكل الحالمين، وللمستقبل الذي يحقق الإنسان مع الآلة تقدما لم تحققه البشرية من قبل.