«حد الطار» .. دراما سعودية تسطع في المهرجانات السينمائية

«حد الطار» .. دراما سعودية تسطع في المهرجانات السينمائية
بوستر الفيلم.
«حد الطار» .. دراما سعودية تسطع في المهرجانات السينمائية
مخرج العمل عبدالعزيز الشلاحي متحدثا.
«حد الطار» .. دراما سعودية تسطع في المهرجانات السينمائية
مشهد من العمل.

من قلب شبه الجزيرة العربية انبثقت الإبداعات وحيكت الروايات المثقلة بعادات وتقاليد المجتمع السعودي، ومن ثم أطلت على الشاشات العملاقة، وبدأت تنافس الأعمال العربية والأجنبية من قلب مصر. إنه الفيلم السعودي الجديد "حد الطار" الذي افتتح عروض مسابقة "آفاق السينما العربية"، في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الـ42، فجذب الجمهور ولفت الأنظار إلى الثقافة العريقة للسينما السعودية، التي نهضت وتفاجئ العالم يوما تلو الآخر.
ويعد "حد الطار" من الأفلام الطويلة، مدته 80 دقيقة، ويحكي عن المجتمع في حقبة التسعينيات عندما كانت العادات والتقاليد هي الحد الفاصل في كل التفاصيل الحياتية اليومية، وحاول الفيلم من خلال حبكته المحكمة للكاتب مفرج المجفل، أن يضيء على قصة حب جمعت دايل ابن السياف مع شامة ابنة مغنية الأفراح الشعبية، وما رافقها من مواجهات شرسة نظرا إلى رفض المجتمع هذه العلاقة، لكن كيف تمت معالجتها في الفيلم، وما كانت نهايتها؟
براعة سعودية
على عكس الأفلام السينمائية العربية والمصرية، من الصعب جدا توقع الأحداث، نظرا إلى عنصر التشويق الذي ينتهجه المخرج عبدالعزيز الشلاحي في أعماله عادة، الذي تحدث في مقابلة خاصة مع صحيفة «الاقتصادية» عن فكرة فيلم "حد الطار" التي جاءت من طفولته، حيث كان يقطن حارة بسيطة وكانت تسكن معه في الحي مغنية الأفراح، أو كما يعرفها البعض بـ"الطقاقة"، وكان الشلاحي يلاحظ آنذاك الغموض الذي كان يلتف حول تلك الطقاقة، ويفكر كثيرا في الموضوع، خصوصا نظرة المجتمع في ذلك الوقت إليها وإلى الفن بشكل عام، لكنه كان يلاحظ أيضا أنه رغم عدم تقبل المجتمع لها إلا أنها دائما ما كانت تدعى إلى الأفراح بهدف الغناء. ويستكمل قائلا "بدأت بالحديث مع الكاتب مفرج المجفل بخصوص هذه المنطقة الجديدة من عالمنا الذي نعيشه، وكيف من الممكن أن نوجد قصة مختلفة، وبدأنا البحث والتنقيب حول أي شيء يكتب في هذا الموضوع إلى أن وصلنا إلى الفكرة، وهي وجود حارة كان يسكن فيها شخص يدعى سياف، وفي الحي نفسه كانت هناك طقاقة، ومن هذا التباين كتب الكاتب مفرج قصة وسيناريو الفيلم". وفي سؤال حول سبب تناول موضوع من صميم العادات والتقاليد السعودية، يقول الشلاحي "الفكرة ليست في تناول موضوع يخص العادات، إنما الفكرة في أننا كسعوديين لا يوجد أفضل منا في رواية قصصنا التي عشناها وتربينا معها ومع شخصياتها ومراحلها وأفكارها، فنحن الأكثر قدرة على التعبير بصدق ودقة عن مواضيع تشبهنا".
ما بين 2017 و2019
يعود الشلاحي بالذاكرة إلى عام 2017 عندما كُتبت أول نسخة للفيلم، فانبهر بالنص وتحدث مع مفرج بأن يتمهل في التنفيذ، "اقترحت عليه أن نقوم بتجربة أعمال أقل إنتاجا وتكلفة، لكي نطور مهارتنا في العمل بشكل أكبر قبل خوض هذا العمل، فتوقفنا وبدأنا القيام بمشاريع أخرى منها فيلم قصير وحلقات تلفزيونية وفيلم طويل، حتى عدنا إلى "حد الطار" في بداية 2019 عندما أتت فرصة جادة لإنتاج العمل، وبدأنا مرحلة العودة إلى المشروع والكتابة بشكل مختلف وتعاط مع المرحلة بعد عدة تجارب مهمة، وفعليا لقد استغرقنا عاما وشهرين ما بين الكتابة الثانية والانتهاء من المشروع، ولقد تم تصوير الفيلم في السعودية، تحديدا مدينة الرياض في حي العود".
صعوبات
لا يولد عمل ناجح الا بصعوبات يتخطاها القيمون، لذلك مر فيلم "حد الطار" ببعض الصعوبات التي تحدث عنها الشلاحي، قائلا "إن الصعوبات التي مررنا بها كانت في وجود الممثلين المناسبين لهذه البيئة، حيث إن النص كان يحوي شخصيات كثيرة وبعضها معقد في التركيب، فتم اختيار الأبطال بناء على تجارب سابقة لهم في أعمال أخرى مثل فيصل الدوخي وأضوى فهد يشاركهما مهند الصالح وراوية أحمد، وهذه المرة الأولى التي تكون لهم فيها تجربة في التمثيل في الأفلام، إضافة إلى مشاركة بعض الأسماء المهمة في المجال مثل سامر الخال، ميسيسبي إبراهيم، والفنان القدير علي إبراهيم، وهاشم هوساوي، وعجيبة الدوسري".
وحول اللهجة السعودية التي لا تفهمها المجتمعات غير الخليجية، يقول الشلاحي "هي ليست مشكلة تزعجنا، فجمال السينما في الواقعية التي تأخذك إلى مدى أقرب للفيلم، واللهجة جزء من الفيلم ولا يمكن التحايل أو تغييرها، لذلك يوجد في المهرجانات اشتراط الترجمة على كل الأفلام، حتى لا تفوتك جملة أو معنى لم يفهم بشكل جيد".
تطور السينما السعودية
ليس خفيا على أحد التطور الذي تشهده السينما السعودية، وفي هذا الخصوص يقول الشلاحي "على مستوى الصناعة يوجد تطور ملحوظ ونضج أكثر في التجارب المقدمة، كذلك هناك دعم أكبر لقطاع الصناعة ولو أنه يسير بشكل بطيء، لكن المهم أنه موجود، وهذا يجعلنا نتفاءل بأعوام مقبلة أفضل للفيلم السعودي"، ولقد وصف مستقبل الإنتاجات السعودية بأنه مستقبل واعد ومشجع وجميل.
وفي مقارنة بين عمله الأول "المسافة صفر" وفيلم "حد الطار"، يؤكد الشلاحي "أن كل مشروع تقدمه هو امتداد لمشروع آخر تتفوق فيه على نفسك في المشروع السابق، وتكتشف أشياء وتنضج لديك أشياء ويزيد الوعي والفهم أكثر حتى على مستوى التعلم، فالفيلم هو ابن مرحلته، ولقد أحببت تقديم تجربة مختلفة في "المسافة صفر"، وهي جريمة ذات ثيمة خاصة وسريعة، أما في "حد الطار" فانتقلت إلى منطقة درامية أكثر هدوءا وأكثر إنسانية"، وكشف لـ«الاقتصادية» عن وجود تجربة جديدة وتعاون مع الكاتب مفرج في أفلام قادمة طويلة ومسلسل من ثماني حلقات سيتم الإعلان عنها بعد الانتهاء من تفاصيل العمل مع المنتجين.
النجاح للبطل أيضا
إن النجاح في الأفلام لا يعود بالفضل إلى شخص واحد، بل فريق العمل كاملا يلعب دورا في تحقيق النجاح، ولقد قدم الممثل السعودي فيصل الدوخي دورا أساسيا، تحدث عنه لصحيفة «الاقتصادية»، قائلا "لم أتردد في المشاركة عندما حدثني المخرج عبدالعزيز الشلاحي، والكاتب مفرج المجفل، عن الشخصية وتفاصيلها، لأنها أعجبتني من الملامح الأولى، والحمد لله شاركت في الفيلم بشخصية دايل ابن السياف "منفذ الأحكام"، وآمل أن أكون قد أوصلت الشخصية بتفاصيلها وأبعادها إلى المتلقي". وعن العراقيل التي واجهته في الدور الذي يؤديه، قال الدوخي "واجهت مشكلة في تحديد الصراعات النفسية، لأنه يصارع حالته العاطفية ويصارع حياته المهنية، التي هي نفسها مرتبطة بحياته الاجتماعية وببيئته الأسرية، لكن الحمد لله تعدينا المشكلة بالتعاون مع الكاتب والمخرج وفريق العمل".
وعبر الدوخي عن سعادته بالتعاون مع المخرج عبدالعزيز الشلاحي، حيث انتظر كثيرا لتحقيق أمنيته بالعمل معه، وأكد أن الأمنية لم تكتمل إلا بوجود الكاتب مفرج المجفل، ويعد نفسه المستفيد الأول من العمل معهما، وتوقع خلال حديثه مستقبلا واعدا للممثل السعودي بشكل خاص، نظرا إلى الخبرات التي يكتسبها في الأعمال التي يقدمها. وفي رده على سؤال عن واقع الإنتاجات السعودية، يقول الدوخي "في السابق كان من كل خمسة أعمال هناك عمل جيد، في الوقت الحالي في كل خمسة أعمال هناك عمل سيئ، فالمعايير والمقاييس تغيرت عند الموزعين وعند المشاهدين، وهذا يزيدنا تفاؤلا".
تجدر الإشارة إلى أن فيلم "حد الطار" هو ثاني التجارب السينمائية الروائية الطويلة للمخرج عبدالعزيز الشلاحي، بعد تجربته في فيلم "المسافة صفر"، الذي نال "جائزة الفنان محمود عبدالعزيز لأفضل إنجاز فني" في الدورة 35 من مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط، العام الماضي.

الأكثر قراءة