الاستزراع السمكي هل يستفيد من التكنولوجيا؟

في عام 1982، تم الترخيص لأول مزرعة لإنتاج الأسماك "البلطي" في المنطقة الشرقية في السعودية، لسيدة الأعمال أمل عنبتاوي، ومن حينها توالى إنشاء المزارع والاستثمار فيها، بدعم وتسهيلات حكومية، ومبادرات من القطاع الخاص أدت إلى انتشارها في أغلبية مدن المملكة. والآن بعد ثلاثة عقود على وجود القطاع، يبرز السؤال عن متطلبات هذا القطاع وآليات المحافظة عليه وتدعيمه ومواجهة التحديات التي تواجه بعض المزارع، إضافة إلى الآفاق المستقبلية في ظل تطورات تكنولوجية قد تحقق نقلة نوعية في عمليات البيع.
بداية، اهتمت الحكومة السعودية ممثلة في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية في الرياض بقطاع الاستزراع السمكي منذ الثمانينيات الميلادية، حيث أسست محطة لتفريخ أسماك المياه العذبة في ديراب جنوب مدينة الرياض بالتعاون مع حكومة الصين الوطنية (تايوان) وتوزيع الأصبعيات مجانا للمزارعين. وتزامن مع هذا الجهد من الدولة في عام 1981، مع إنشاء مركز بحثي للمزارع السمكية في جدة بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) شمالي جدة للتركيز على استزراع الأصناف البحرية.
وخصصت وزارة البيئة والمياه والزراعة استراتيجية لتطوير الثروة السمكية من خلال برنامج خاص بالاستزراع السمكي بدأت بمبادرة تبنتها الوزارة في عهد الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، وانتهت المبادرة بتفعيلها على يد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ببرنامج للتطوير وبميزانية تجاوزت أربعة مليارات ريال وحددت هدف إنتاج 600 ألف طن من المزارع السمكية بحلول 2030.
وانعكس الدعم الحكومي على تفاعل القطاع الخاص مع مشاريع الاستزراع التي بلغ إنتاجها حد التصدير الخارجي للأسواق الأوروبية والأمريكية، إذ بلغت صادرات السعودية من الروبيان 40 ألف طن تجاوزت قيمتها 800 مليون ريال في عام 2018، وبلغت صادراتها من المنتجات السمكية المستزرعة عام 2019، 60 ألف طن بقيمة تجاوزت مليار ريال.
وتشهد السعودية حاليا طفرة حقيقية استثمارية في هذا المجال بعد دعم الدولة مشاريع الاستزراع بقروض ميسرة وطويلة الأجل تغطي معظم تكاليف المشروع التأسيسية والتشغيلية، ودعم غير مسترد (إعانات) على الإنتاج وتسهيلات للتصدير إلى خلاف ذلك من أوجه الدعم.
ومن أهم المقومات اللازمة لنجاح هذه الصناعة سلامة البيئة البحرية من التلوث، وسن التشريعات الرامية إلى الأمن الحيوي لدرء الأمراض، والمتمثلة في اختيار الأصناف الجيدة والمناسبة للبيئة البحرية، وضبط أساليب التربية وفق الأنظمة المناسبة، حيث تتم تربية هذه الأحياء في بيئات ووسائط مناسبة بعيدة عن المبالغة في أساليب التربية المكثفة، وعمل الحجر البيطري الكافي لمواجهة الأمراض التي قد ترد من جلب الأمهات أو الأصبعيات أو اليرقات لحاجة هذه المشاريع وإخضاعها لوحدات حجر بيطرية معزولة عن البيئة البحرية المفتوحة حتى يتم التأكد من سلامتها وعدم جلب أي كائنات من خارج البيئة البحرية.
كما يتطلب من المزارع توفير المفرخات اللازمة لإنتاج أصبعيات الأسماك ويرقات الروبيان داخليا ليتم الاستغناء عن جلب الأمهات والأصبعيات واليرقات من الخارج وما ينطوي عليه ذلك من مخاطر، إضافة إلى أن هذا العمل يتطلب مهارات وتقنيات قد لا تكون متاحة للمربين خاصة صغار المنتجين، منها توفير الأعلاف المناسبة، فزراعة أسماك ناجحة بحاجة إلى قيام صناعة أعلاف ناجحة أيضا، وتحتاج الأسماك لنموها إلى كميات من الأعلاف تصل إلى ضعف وزنها عند بلوغها حجمها التسويقي - أي أن كل كيلوجرام من الأسماك أو الروبيان يتطلب كيلوين من الأعلاف المناسبة.
واختيار الموقع المناسب يعد من أهم مقومات نجاح مشاريع الاستزراع وبالتالي نجاح هذه الصناعة، وله دور بارز في نجاح المشروع وخفض تكاليف التشغيل والإنتاج وكذلك ينعكس على جودة المنتجات واستدامة الإنتاج. وكذلك التمويل المناسب وهو من أهم عناصر نجاح مشاريع الاستزراع السمكي حيث إنها مشاريع متوسطة إلى طويلة الأمد الاستثماري وتستعيد رؤوس أموالها في حدود ثلاثة إلى أربعة أعوام من بلوغ الطاقة المستهدفة وتتطلب توفير بنية تحتية لا بد من توفيرها ليتم الإنتاج بنطاق تجاري يحقق الغرض منها.
صحيح أن بعض المشاريع يأخذ وقتا أكثر من اللازم لإنشائه، وبالتالي يتأخر وصوله إلى إنتاج الطاقة الكلية التي بعدها يمكن حساب فترة استرداد لرأس المال المستثمر في الوقت المحدد بثلاثة أعوام. ومن المهم اختيار فريق تشغيل ماهر في مجالات الاستزراع المطلوبة في التفريخ والرعاية والتربية والتشغيل والجودة والخدمات المساندة إضافة إلى القطاع الإداري والتسويق فالإدارة بالغة الأهمية في نجاح هذه المشاريع. وفتح منافذ للبيع من خلال قنوات غير تقليدية كأسواق الجملة وحراجات الأسماك والاستفادة من خدمات التطبيقات الإلكترونية التي تدار بقدرات شابة لتسويق المنتجات الزراعية حاليا ومن ثم الحصول على أسعار تنافسية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي