دور القطاع الخاص في دعم الاقتصاد الوطني
بعد جائحة كورونا تعرض الاقتصاد العالمي لأضرار بالغة، ومن أهم الأعراض التي تعرض لها الاقتصاد العالمي ظاهرة انخفاض الطلب الكلي الذي بدأنا نلاحظه في كثير من مناحي حياتنا الاقتصادية. والاقتصاد السعودي مثل كل الاقتصادات في العالم، فإن اقتصادات الدول تضررت كثيرا بسبب الجائحة وتبعاتها التي بدأت بإغلاق المؤسسات في القطاعين العام والخاص، ثم إغلاق الأسواق، والمطارات، والمصانع، والموانئ، والمدارس، والجامعات، وكل المؤسسات التعليمية، حتى المسابقات الرياضية بكل أنواعها ومسابقاتها تم تعليقها، بمعنى أن الأسواق في المملكة تعرضت لما يشبه الهبوط في جميع مفاصلها، ما جعل الاقتصاد المحلي عرضة لكثير من مشكلات الانكماش.
ولمواجهة الأضرار التي سببتها جائحة كورونا للقطاع الخاص، فقد أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أوامره بدعم القطاع الخاص السعودي بنسبة 60 في المائة من رواتب الموظفين السعوديين المتأثرين من جائحة كورونا، وجاءت هذه الأوامر السامية بهدف دعم القطاع الخاص وتعزيز مكانته، استشعارا بأهمية تقدير الظروف الاقتصادية بالغة الحساسية التي يمر بها الموظف، ولذلك فإن الدعم جاء لتغطية رواتب شريحة كبيرة من الموظفين السعوديين الذين كانوا عرضة لفقد رواتبهم، بسبب الظروف الطارئة التي مر بها القطاع الخاص نتيجة الجائحة التي اجتاحت جزءا كبيرا من قدرات القطاع الخاص، وجعلت القطاع الخاص يواجه مشكلة عميقة تطول رواتب موظفيه، واستمراريته.
ومن حسن الحظ أن رؤية السعودية 2030 سبق أن اعتمدت في استراتيجيتها الخطط اللازمة لدعم القطاع الخاص، وتكليفه القيام بأدوار مهمة في جميع مجالات التنمية المستدامة، وبذلك أصبح القطاع الخاص السعودي مهيأ للقيام بدور إيجابي ــ جنبا إلى جنب مع المؤسسات الحكومية ــ في إنعاش الطلب في السوق المحلية، وعودة السوق المحلية إلى وضعها الطبيعي لما كانت عليه قبل الجائحة.
أي أن القطاع الخاص جاهز الآن للمساهمة بشكل إيجابي في مكافحة الانكماش الذي بدأت تعانيه السوق السعودية بسبب جائحة كورونا. وكما أن للحكومة دورا في مواجهة الأزمة، فإن للقطاع السعودي دورا مهما بعد الأزمة يجب أن يؤديه لاستعادة الحيوية إلى السوق المحلية ومكافحة الانكماش وتحقيق الرخاء لمصلحة كل قوى الاقتصاد الوطني.
كما أن المطلوب من القطاع السعودي أن يعيد هيكلة مؤسساته في ضوء المتغيرات الجديدة التي خلفتها مرحلة ما بعد كورونا، وأن يعيد النظر في قراراته المستقبلية، بحيث يضع أهدافا تتناسب مع المرحلة بكل سلبياتها وإيجابياتها. وإذا كان القطاع السعودي قد خسر بعض المواقع بسبب جائحة كورونا، فإن هذا الدرس يفيده في ضرورة العودة بقوة إلى السوق الداخلية ويجب أن تكون جرعة مساهمة هذا القطاع في الداخل أكبر حتى يسهم في درء الانكماش المتوقع ومنعه المحتمل.
ولا شك فإن تجربة التوجه بقوة إلى الخارج أثبتت خطورتها وأثبتت أنها ليست صائبة على الدوام، وأثبتت أكثر أن الأمن الاقتصادي والأمان السياسي في الداخل أفضل بكثير من الركض وراء بريق الاستثمارات الخارجية المحفوفة بكثير من المخاطر وعدم الاستقرار. كما أن على القطاع الخاص السعودي ألا يتوقع أن الأرباح في الداخل ستظل على نسبتها العالية قبل الأزمة، ولذلك لا بد من إعمال الفكر الموضوعي وتقديم تضحيات في ظل أزمة عالمية تؤثر في الخارج والداخل وتتأثر به. ويجب أن نسلم بأن العصر الذي تسبب في الأزمة بدأ يغادر بعض المواقع، لأن الأزمة التي ضربت الاقتصاد العالمي هي نتيجة سياسات خاطئة، ولا ذنب لجميع دول العالم فيما تورطت فيه بعض الدول من سياسات كان من نتائجها أن وصل حال الاقتصاد الدولي إلى ما وصل إليه من تصدع وانكماش.
ولا شك أن المطلوب من القطاع الخاص الوقوف جنبا إلى جنب مع حكومته، التي جعلت القطاع الخاص الوطني شريكا استراتيجيا في التنمية الشاملة والمستدامة، ووضعت سياسات متوازنة كانت بمنزلة الدرع الواقي الذي منع تورط القطاع السعودي الخاص في أزمة لا تحمد عقباها، كما أن الحكومة وفرت للقطاع الخاص الأجواء المناسبة لتحقيق كثير من النجاحات والمكاسب.
ومعا – أي القطاعان الحكومي والخاص – يمثلان عقدا متضامنا لمواجهة هذه الأزمة، وقد أثبتت التجارب في السابق أن القطاع الخاص هو الرديف الداعم للاقتصاد الحكومي، والقطاع الحكومي هو الداعم دائما للقطاع الخاص، ومعا "القطاعان الخاص والحكومي" خرج الاقتصاد الوطني السعودي منتصرا على كل الأزمات السابقة، وسيخرج منتصرا على كل الأزمات اللاحقة، لأن اللحمة التي يتمتع بها الاقتصاد الكلي السعودي هي لحمة واحدة ومصير واحد مشترك.
إن أمام القطاع الخاص السعودي كثيرا مما يجب أن يفعله كي يساعد على دعم الاقتصاد الوطني، ولعل أهم ما يجب أن يفعله هو المضي قدما في تنفيذ السياسة الاقتصادية التي تضعها الحكومة لمواجهة أزمة اقتصادية عالمية عاصفة، تؤثر سلبا في أداء كل مكونات الاقتصاد الوطني السعودي.