التضخم وأسعار السلع
قبل شهرين كتبت مقالا بعنوان: "انتبه التضخم قادم"، وطرحت رأيي في موضوع احتمالية ارتفاع التضخم المقبل من انخفاض الدولار والعوائد على الودائع، وركزت في ذلك المقال على تأثير التضخم في أسعار الأصول وبالذات الأسهم والعقار التي أتوقع أنها ستشهد ارتفاعات خلال الأعوام المقبلة، وهو ما يؤدي إلى استنتاج أن الاحتفاظ بنسبة عالية من النقد سيؤدي إلى تآكل الثروات وحسابات الادخار للأسر.
بسبب ارتباط الريال بالدولار، تصبح تأثيرات حركة الدولار في الريال مباشرة، فما نشهده هذه الأيام من ارتفاعات كبيرة في الأسواق المالية يعود جزء منها إلى موضوع الدولار، وإن استمرار العوامل المؤدية إلى انخفاض الدولار ستكون داعمة لاستنتاج ارتفاع الأصول عموما، فمفهوم التضخم وتآكل قيمة النقد هما وجهان لعملة واحدة، انخفاض العملة يعني ارتفاع قيمة كل ما يسعر بها.
في هذا المقال سأتطرق إلى جانب آخر من موضوع ضعف الدولار والتضخم وهو ارتفاع أسعار السلع، كما هو معلوم يتم استخدام الدولار اليوم كمسعر لجميع السلع ابتداء من البترول وانتهاء إلى السلع الغذائية والكمالية، فالعلاقة مثلا بين أسعار النفط والدولار علاقة عكسية في الأغلب، طبعا هناك عوامل الطلب والعرض تؤثر في الأسعار، لكن معامل الارتباط بين الدولار والنفط في الأغلب بالسالب، كذلك باقي السلع تتخذ علاقة عكسية مع الدولار، لهذا إذا كانت التوقعات باستمرار ضعف الدولار خلال الأعوام المقبلة بسبب سياسات ضخ الدولار في الاقتصاد والدعم الحكومي غير المسبوق واستمرار معدلات الفائدة المنخفضة، فإن أسعار السلع متوقع لها ارتفاع لهذا السبب، وقد يزيد أو ينخفض هذا الارتفاع على حسب قوة الطلب والعرض لكل سلعة، ولذلك إن صدقت هذه التوقعات فالتأثيرات ستكون كبيرة، فمثلا من المحتمل ارتفاع تكاليف البناء بسبب ارتفاع المواد مثل الحديد وغيرها، كذلك هذه الارتفاعات في السلع ستضغط أكثر على القوة الشرائية، وهو ما يستدعي مراجعة التكاليف لكل المشاريع المستقبلية وأخذ الاحتياطات لذلك.
على جانب آخر، هذا الارتفاع - إذا حدث - له جوانب إيجابية لكل الشركات المنتجة للبتروكيمكال على سبيل المثال، إذا استمر انخفاض الدولار سترتفع أسعار المنتجات البتروكيمكال، وبالتالي ترتفع عوائد الشركات خصوصا إذا تحسنت معها هوامش الربحية سنشهد تحسنا كبيرا في أرباح الشركات خلال العام المقبل، وما بعده، لذلك قد تكون سنة 2020 هي القاع في أرباح شركة مثل سابك، وبداية العودة قد تكون من العام المقبل، أو حتى من نتائج الربع الرابع، وكما هو معلوم تشكل أرباح سابك وبقية شركات القطاع وزنا مهما في السوق السعودية ولهذا أي تحول في النتائج سينعكس على تقييمات السوق، كذلك لا ننسي تأثير تحسن أسعار النفط في أرباح أكبر شركة في السوق وهي أرامكو وكيف ستنعكس على تقييمات السوق كذلك.
في الختام: إن التعامل مع فكرة ضعف الدولار يجب أن تتم بتحليل وتحوط أكبر على مستوى الشركات والأفراد، فكما ذكرت حتى على مستوى المشاريع قد يكون من المناسب للمقاولين التحوط لهذا الارتفاع والتضخم المقبل لبعض السلع والمواد في قطاع الإنشاءات خصوصا ما هو مستورد من الخارج، كذلك المستثمرون يجب أن يراجعوا تقييمهم للسوق وللشركات المنتجة للسلع والمواد الأساسية تحسبا لتحسن الأرقام والنتائج لارتفاع منتجاتها، والأفراد لجميع ما ذكر، ولتجنب تآكل المدخرات إذا كانت نقدية عبر استثمارها إما بشراء الأصول - أسهم أو عقار - أو استثمارها في مشاريع ذات جدوى أو أي استثمار عبر أدوات استثمارية تحفظ لهم مدخراتهم عن التآكل بفعل التضخم وضعف الدولار.