المستقبل الأخضر والتحول إلى بدائل الفحم «2 من 2»

تمثل الأسواق الصاعدة اليوم 76.8 في المائة من استهلاك الفحم العالمي، وهي نسبة تسهم الصين بنصفها. ويمثل توليد الكهرباء 72.8 في المائة من استخدام الفحم، وتمثل الاستخدامات الصناعية، مثل فحم الكوك لإنتاج الحديد الصلب، نسبة أخرى قدرها 21.6 في المائة. وبشأن العقبات أمام إلغاء استخدام الفحم، فإنه غالبا ما يستغرق الأمر عدة عقود للتخلص بالتدريج من استخدام الفحم. فقد استغرق الأمر من المملكة المتحدة 46 عاما لتخفيض استهلاكه بنسبة 90 في المائة عن الذروة التي بلغها في سبعينيات القرن الماضي. وعبر مجموعة من الدول، انخفض استخدام الفحم بنسبة 2.3 في المائة فقط سنويا في الفترة 1971 - 2017. وبهذا المعدل، يمكن أن يستغرق الأمر 43 عاما للتخلص من استخدام الفحم نهائيا، بدءا من العام الذي بلغ فيه الاستهلاك ذروته.
وهناك عوامل عدة تجعل الابتعاد عن استخدام الفحم أمرا صعبا.
أولا، يصعب التخلص من استخدام الفحم في الصناعة، الذي يتركز في الأسواق الصاعدة، وإبداله بمصادر أخرى للطاقة. فالتكنولوجيات القائمة على الهيدروجين تتيح مسارا لتحضير إنتاج الحديد الصلب، لكن الحوافز ضعيفة حاليا، نظرا لتسعير الكربون بشكل منقوص.
ثانيا، تمثل محطات توليد الكهرباء من الفحم أصولا طويلة الأمد حيث تم تصميمها لفترة حياة لا تقل عن 30 إلى 40 عاما. وبمجرد بنائها، يستمر بقاء المحطات العاملة بالفحم ما لم تطرأ تغيرات حادة في تكاليف مصادر الطاقة المتجددة أو تحدث تدخلات من صناع السياسات.
ثالثا، إن الابتعاد عن الفحم عادة ما يتسبب في خسائر لصناعة التعدين المحلية والعاملين فيها. وفي كبرى الدول المستهلكة للفحم، كالصين والهند، قد تتسبب المصالح القوية لصناعة التعدين المحلية في تعقيد التخلص من الفحم وتأخير حدوثه. وفي الولايات المتحدة، تسببت سرعة التحول من الفحم إلى الغاز الطبيعي في انخفاض التشغيل في مناجم الفحم، ووصول حالات الإفلاس إلى رقم قياسي بين شركات التنقيب عن الفحم، وحدوث انخفاض حاد في أسهم هذه الشركات. ومن شأن حدوث تحول مماثل في بعض الدول المنتجة للفحم أن يعرض الاستقرار المالي للخطر، حيث تتحمل البنوك خسائر الاستثمارات في المناجم التي يتوقف استخدامها ومحطات توليد الكهرباء العاملة بالفحم – ما يطلق عليه اسم "الأصول المهملة" stranded assets. وغالبا ما يرى العنصر البشري أن العمل في هذه الصناعة يمثل تقليدا طويلا باعثا على الفخر بالنسبة لعمال المناجم وغيرهم من العاملين فيها، ما يجعل التخلي عنها كأسلوب حياة أمرا صعبا.
وحول إمكانية التحول عن الفحم، فهناك أوضاع سوقية وأدوات للسياسة يمكن أن تساعد على تخطي العقبات أمام إلغاء استخدام الفحم. ويعد تشديد السياسات البيئية، وتطبيق ضرائب الكربون، واستخدام بدائل الطاقة ذات التكلفة المعقولة عوامل حاسمة في هذا الصدد. فعلى سبيل المثال، ساعد نظام تسعير الكربون في المملكة المتحدة على تخفيض اعتمادها على الفحم بنسبة 12.4 نقطة مئوية عما كان عليه في الفترة من 2013 إلى 2018. وفي إسبانيا، ساعد الدعم الحكومي الذي يعطي أفضلية لتوليد الكهرباء باستخدام مصادر الطاقة المتجددة، على تخفيض الاعتماد على الفحم بين 2005 و 2010 – وإن كانت هناك عوامل مؤقتة أسهمت في إحداث هذا التخفيض. وفي الولايات المتحدة، فرضت قوى السوق انخفاضا أكثر محدودية حين أدت ثورة الغاز الصخري إلى خفض أسعار الغاز الطبيعي.
وهناك أسئلة صعبة سيتعين طرحها والإجابة عنها عند النظر في البدائل بين السياسات الداعمة للتحول عن الفحم. فعمال مناجم الفحم وغيرهم ممن يعتمدون على صناعة الفحم في كسب الرزق يحتاجون ويستحقون حلولا واقعية للاضطرابات المحتملة التي تواجههم. وسيتطلب الأمر سياسات داعمة أخرى لتيسير انتقالهم لوظائف أخرى، وربما تشجيع إقامة صناعات بديلة لتجنب تفريغ المجتمعات المحلية وإحداث اضطرابات حادة في حياة الأسر. وفي حالة الأسواق الصاعدة والدول منخفضة الدخل، يمكن للمجتمع الدولي تقديم مساعدات مالية وتقنية (من قبيل الدراية الفنية اللازمة لبناء الشبكات التي تعمل بمصادر طاقة متقطعة، كالرياح والشمس) والحد من تمويل مصانع الفحم الجديدة، على الأقل إذا كانت هناك بدائل أخرى. كذلك تساعد البدائل الأنظف، مثل الغاز الطبيعي، على تخطي الفترة الانتقالية في استخدام الطاقة نحو مستقبل أكثر خضرة. وقد تكون تكنولوجيا حبس الكربون وتخزينه حلا ممكنا لتيسير التحول عن الفحم، ولكنها الآن أقل تنافسية من مصادر الطاقة الأخرى التي تتسم بانخفاض مستوى الكربون، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي