الخليج والمغرب العربي يجتمعون في مسلسل «دفعة بيروت»
من قلب العاصمة اللبنانية بيروت، تحديدا في منطقة الحمراء يجتمع نخبة من الممثلين الخليجيين والعرب ليقدموا إلى الجمهور دراما مثقلة بالأبعاد الثقافية والدينية والاجتماعية، حاكتها الكاتبة الكويتية هبة مشاري حمادة، وفصلها المخرج البحريني علي العلي، في حين أطلقتها شركة إيجل فيلمز اللبنانية لصاحبها جمال سنان، فتمخض عن هذا المزيج عمل درامي شامل ومحكم يحمل عنوان "دفعة بيروت". فكيف تم التوفيق بين هذا الكم من التشعب الجغرافي، وكيف تلقف الجمهور هذا التنوع؟
من الخليج إلى بيروت
تعود أحداث "دفعة بيروت" إلى عام 1965 عندما توجه كثير من طلاب الخليج والمغرب العربي إلى بيروت بهدف إنهاء دراستهم الجامعية، ونتيجة لهذا الأمر نتجت حكايات مختلفة ومنوعة، خاصة أن الطلاب والطالبات كانوا يقطنون معا في بيوت خاصة، حاملين معهم أفكارهم ومعتقداتهم وعاداتهم وأحلامهم إلى العاصمة اللبنانية بيروت، تحديدا في الجامعة الأمريكية، الموجودة في منطقة الحمرا التي كانت تعج بالساسة والشعراء والأدباء والمثقفين والفنانين، فيدور بينهم كثير من التطورات والمغامرات والمناكفات، وتتصاعد الخطوط الدرامية لتتلاقى مصائرهم ويومياتهم ما بين الحب والغيرة والسياسة والزواج والمنافسة والمؤامرة.
قضايا حساسة
يطرح المسلسل جملة من القضايا الحساسة، حيث جمع القوميين العرب والبعثيين، والمناضلين، والنهضويين والشيوعيين وغيرهم، وتم تصوير المشكلات التي كانت تنشب بينهم بطريقة السهل الممتنع، التي تمحورت حول الموروثات والحريات، وترجم المخرج هذه المناكفات في قاعات المحاضرات، حيث كانت تحصل فيها نقاشات محتدمة بين طلبة مليئين بالشغف والفكر والنهضة وآخرين منغلقين، تحكمهم ثوابت معينة خاصة في قاعات كلية الحقوق، أما قاعة الطب فشهدت دخول المرأة الخليجية لأول مرة في معترك شبابي والتابوهات التي كانت تحكم ذلك الزمن، وفي خط مواز تم طرح قصة حب افتراضية بين شابة كويتية وشاب عراقي، كذلك جدلية حب بين شاب مسلم وفتاة مسيحية، وبين شاب سوري وشابة خليجي.كما تطرق المسلسل إلى "الإخوان المسلمين" وطريقة تفكيرهم وحضورهم السياسي ومحاولة تجنيدهم مجموعة من الطلاب والطالبات، واستخدام أدوات دينية خارح إطار الجامعة، كإمام المسجد، والجريدة، ثم فكرة العنصرية والطبقية والتمييز العرقي، إلى فكرة تطويع البشر تحت فكرة لون بشرتهم.
ربط القصص انسيابي
إن هذا الكم الهائل من القصص والأفكار لا يمكن حصره في سياق درامي انسيابي من دون هفوات، إلا أن الكاتبة هبة مشاري حمادة أبدعت في ربط القصص بطريقة درامية مشوقة وواضحة للمشاهد، لوهلة تشعر أن كل قصة يجب أن تكون في دراما منفصلة عن القصة الثانية، إلا أن جمعهم جاء ناجحا إلى حد كبير، ولقد لعبت الديكورات الضخمة التي صممت خصيصا في بيروت لتصوير العمل بما يتناسب مع الحقبة الزمنية التي يناقشها دورا في تماسك أحداث المسلسل، حيث تم الاتفاق مع فريق عالمي متخصص في الـSpecial Effects والأكشن والإثارة، وقام فريق الشركة المنتجة إيجل فيلمز بتنفيذ الملابس في مصانع محلية لتتماشى مع الزمن المناسب، وتنفيذ الموسيقى التصويرية في أوروبا، حيث ستعزفها أوركسترا عالمية.
القوة في التنوع
يعد التنوع في جنسيات الممثلين أحد عناصر القوة في هذه الدراما، حيث يجمع ممثلين من الجنسيات السعودية، البحرينية، التونسية، الفلسطينية، اللبنانية، العراقية، والكويتية، إضافة إلى جنسيات عربية أخرى، ولقد اندمجوا جميعا في بيئة حاضنة لهم هي الجغرافيا اللبنانية، وقدموا - كل بحسب دوره - إبداعات ستترك دون أدنى شك بصمة في عالم الدراما التلفزيونية، والممثلون هم بشار الشطي، نور الغندور، مهند الحمدي، فاطمة الصفي، خالد الشاعر، نور الشيخ، علي كاكولي، حمد الأشكناني، شيلاء سبت، وروان المهدي، فيما يضم العمل أيضا عددا من نجوم لبنان، من بينهم سارة أبي كنعان، أنطوانيت عقيقي، أسعد رشدان وغيرهم، إلى جانب نجوم من سورية والمغرب العربي أيضا.
الآخر شريك
في حديث للكاتبة هبة حمادة إلى مختلف وسائل الإعلام، أكدت أن الهدف من وراء إطلاق هذا المسلسل هو تكريس فكرة التعايش بين مختلف فئات المجتمع، والتأكيد على أن الآخر هو شريك في الأرض واللغة والهواء والماء والمحتوى الثقافي، إلا أن هذه الفكرة ليس مؤكدا أنها ستصل إلى الجمهور، الذي أكثر ما يجذبه الممثلون وأداؤهم، بحسب ما غردوا على موقع التواصل الإجتماعي "تويتر"، حيث أجمع البعض على براعة أداء ناعسة وشاهة وجمال صداقتهما، كما تطرق كثيرون إلى علاقات الغرام بين الممثلين، وأبدوا انبهارهم بالقصة وتفاصيلها، وكثير من المشاهدين استذكروا في تغريداتهم جملا كانت تقال في بداية بعض الحلقات، فهي التي ترسخت في ذهنهم وعدّوها عبرة يمكن استعمالها في المكان والوقت المناسبين.
بين دفعتي القاهرة وبيروت
يأتي مسلسل "دفعة بيروت" بعد النجاح الكبير الذي حققته الكاتبة هبة حمادة في مسلسل "دفعة القاهرة" الذي حقق نسبة مشاهدة عالية على مستوى الخليج والدول العربية، ونتج عنه جدل كبير في مواقع التواصل الاجتماعي، لما احتواه من مشاهد مثيرة وقصة وسيناريو استقطب عددا كبيرا من المشاهدين، وتناول قصص مجموعة من الطالبات الكويتيات، أثناء فترة دراستهن في المرحلة الجامعية في مصر مع أول دفعة كويتية إلى القاهرة، وما تعرضن له خلال رحلتهن، ودارت أحداث المسلسل بعد أربعة أعوام من ثورة يوليو 1952، وتناول العمل كيف قابل الشعب المصري الطالبات الكويتيات، ناقلا صورة للمجتمع المصري في تلك الفترة.
مقولات استهلالية للحلقات
مع بداية كل حلقة، تنطلق مقولة شعرية ترافقها موسيقي حنينية، نستذكر بعض المقولات:
كنت أسأل نفسي وأنا صغير، كيف يعرف الدواء الذي يجلس في الملعقة طريقه إلى المكان الذي يؤلمنا بعد أن نبتلعه... وكبرت ونسيت هذا السوال تماما حتى أحببتك... بالله اجيبيني كيف تفعلين هذا.
في الطب ألا توجد طريقة طبية ننقل فيها مرض الزهايمر من العقل إلى الصدر... لا نريد فقد الذاكرة، إنه الحنين الذي نود التخلص منه.
أحفادي الأعزاء، أعتذر أن أوطاننا تسير إلى الوراء... أعتذر عن الضرائب وفواتير الكهرباء... وعود الساسة وخطب الزعماء وعمائم الموت التي تحكم الأحياء... وأن الرصاص حقيقي والدماء دماء... عجبا فالحرب أيامنا لم تكن سوى تراشق الثلج مع الأصدقاء.
الحمد الله أن الوسائد خرساء... لا تخبر أحدا بأوزان رؤوسنا الثقيلة... والصدف والحيرة، والحب الذي ما استطعنا إليه سبيلا... ومصافحاتنا القصيرة على اللهفة الطويلة... وأحلامنا الكثيرة على قسمتنا القليلة... وخطواتنا الكريمة على اللقاءات الأخيرة... وصدورنا الخربة وصورتنا الجميلة، وعقلنا الباطن وقلوبنا القديرة... وشهرزادنا المذبوح قبل ألف ليلة.
في ودائع الله تلك القلوب المحروقة... كل عاشق وصل الحياة متأخرا على معشوقه... كل الخواتم التي لبستها أصابع مخنوقة... كل عروس لا يدري زوجها أنه سارق وأنها مسروقة... رحم الله كل اثنين لا يلتقيان إلا بمصيبة، كرصاصة أحبت عصفورا فلا تستريح حتى تصيبه.