حذر المستهلكين يترك الصين في صراع مع التضخم الراكد
نظرا لأن الاقتصاد الصيني حقق أفضل أداء منذ ظهور جائحة فيروس كورونا، إلا أن مقياسا واحدا ظل متشائما بحزم.
حقق الإنتاج الصناعي أعلى معدل نمو له في عام 2020، متجاوزا معظم عام 2019. تعافى الاستهلاك وازدهرت الصادرات التي ارتفعت 21 في المائة في تشرين الثاني (نوفمبر). لكن في الشهر نفسه، انخفض مؤشر أسعار المستهلكين في البلاد إلى المنطقة السلبية للمرة الأولى منذ أكثر من عقد.
كان المعدل الرئيسي البالغ 0.5 في المائة مدفوعا بشكل أساسي بلحم الخنزير، وهو مكون أساسي في سلة السلع والخدمات المستخدمة لتحديد مستوى السعر. ارتفعت أسعار لحم الخنزير بشكل حاد العام الماضي مع انتشار حمى الخنازير الإفريقية في قطعان الصين، لكنها بدأت أخيرا في الانخفاض، ما أدى إلى دفع نمو الأسعار الإجمالي إلى المنطقة السلبية.
لكن حتى عندما يتم تجريد الغذاء والطاقة، يظل التضخم الأساسي في الصين عند 0.5 في المائة خلال الأشهر الخمسة الماضية - أدنى مستوى له منذ عام 2010، وهو لغز بالنظر إلى أن الصين تشهد أفضل حالة انتعاش من جائحة فيروس كورونا في العالم.
قال محللون إن الضعف المستمر في الأسعار الصينية يشير إلى أن الطلب المكبوت من جانب الأسر يشكل تحديا لبنك الشعب الصيني في الوقت الذي يحاول فيه إدارة الانتعاش في مجالات أخرى من الاقتصاد.
داريوش كوالتشيك، الخبير الاقتصادي في كريدي أجريكول، الذي أشار إلى أن الصناعة تنمو بوتيرة أسرع مما كانت عليه قبل الوباء، قال: "مع هذا النوع من قوة النشاط الاقتصادي يجب أن يكون هناك مزيد من ضغط الأسعار".
على الرغم من نمو مبيعات التجزئة على أساس سنوي منذ آب (أغسطس)، حيث ارتفعت 5 في المائة الشهر الماضي، تشير بيانات التضخم الضعيفة إلى أن رغبة الأسر في الإنفاق محدودة.
قالت جينجيانج تشين، الخبيرة الاقتصادية في بنك إتش إس بي سي: "نعتقد أن التضخم المنخفض لا يرجع فقط إلى انخفاض أسعار الغذاء والنفط، ولكن لأنه لا يزال هناك بعض الضعف في جانب الطلب". وأضافت أن الصين "لا تزال في خضم معركة شاقة لتحقيق تعاف كامل في الطلب المحلي".
على عكس عديد من الاقتصادات الغربية اتخذت الصين تدابير محدودة لدعم إنفاق الأسر، وركزت بدلا من ذلك على تدابير جانب العرض لتعزيز اقتصادها، جنبا إلى جنب مع نهج صارم للوقاية من الفيروس، أدت إلى الحد من الحالات الجديدة المبلغ عنها.
قال كوالتشيك: "نظمت (الحكومة) وأدارت تعافيا سريعا للإنتاج الصناعي ونتيجة لذلك كان لدينا هذا الفائض من المعروض غير المتوافق مع الطلب، لذلك ليس من المستغرب أن تكون الأسعار منخفضة".
هناك بعض التحفظات حول بيانات الأسعار. يعد التفسير أكثر صعوبة من المعتاد بسبب التغيرات في سلوك الأسر أثناء الجائحة، ولا سيما فيما يتعلق بسلة السلع والخدمات التي يتم استهلاكها. مثلا، ارتفع الإنفاق على خدمات مثل السفر والسياحة أخيرا، لكنه لا يزال منخفضا مقارنة بالعام الماضي.
وليست جميع الأسعار ضعيفة. كان مؤشر أسعار المنتجين في الصين الذي يقيس أسعار بوابة المصنع في المنطقة السلبية منذ شباط (فبراير) على أساس سنوي. لكنه ارتفع على أساس شهري في تشرين الثاني (نوفمبر)، ما يشير إلى تراجع الانكماش بفضل نمو الصادرات، الذي يعتمد على الاستهلاك في الغرب، حيث كان الدعم الحكومي أقوى.
ازدهرت سوق الأسهم في الصين هذا العام وارتفعت أسعار المنازل الجديدة بسرعة. وظهرت بالفعل مخاوف بشأن الرفع المالي في قطاع العقارات، حيث اتخذت الحكومة تدابير لتقييد الاقتراض. بدأت هذه العوامل في التأثير: في تشرين الثاني (نوفمبر) ارتفعت أسعار المنازل الجديدة 4 في المائة على أساس سنوي في جميع المدن الكبرى - وهو أبطأ معدل منذ نحو أربعة أعوام. لا يشمل مقياس مؤشر أسعار المستهلكين في الصين مشتريات المنازل بشكل مباشر لكنه يتضمن جزئيا تكلفة الإيجار.
جانب إيجابي آخر هو سوق العمل الصينية المتحسنة، التي قد تساعد في إنعاش التضخم في الأشهر المقبلة. انخفض معدل البطالة في تشرين الثاني (نوفمبر) إلى المستوى نفسه الذي كان عليه في كانون الأول (ديسمبر) 2019، قبل تفشي الوباء. يمكن أن يؤدي ذلك إلى انتعاش ثقة المستهلك وبالتالي الاستهلاك، ما يدعم الأسعار.
لكن تشين قالت إن نمو الدخل ظل متفاوتا: "يركز كثير من الناس فقط على متوسط نمو الدخل المتاح في الصين، لكن إذا ألقيت نظرة على نمو (دخل) العمال المهاجرين، فهم لا يزالون متخلفين في الوراء".
الملايين من العمال المهاجرين في البلاد الذين لم ترد معلوماتهم بشكل كامل في بيانات البطالة الرسمية، تضرروا بشدة بسبب قيود السفر وإجراءات الإغلاق في وقت سابق من هذا العام.
يمارس التضخم السلبي ضغوطا على الشركات والأسر من خلال زيادة أسعار الفائدة الحقيقية، إضافة إلى التهديد بتقويض الربحية. وبينما يتوقع كثيرون بدء رفع أسعار الفائدة هذا العام، يشير البعض إلى أن الأسعار الراكدة يمكن أن تضغط على بنك الشعب الصيني للاحتفاظ بأسعار الفائدة أو حتى خفضها.
جادل هايبين تشو، كبير الاقتصاديين الصينيين في جيه بي مورجان، في تقرير صدر في كانون الأول (ديسمبر) بأن "ديناميكيات الاقتصاد الكلي والتضخم تشير إلى اتجاهات مختلفة" ومن المرجح أن يخفض بنك الشعب الصيني أسعار الفائدة في عام 2021". ويقول إن الأسواق المالية ركزت "كثيرا على بيانات قوية".
لكن سيتعين على البنك المركزي أن يتعامل بحذر عند التفكير فيما إذا كان سيخفف السياسة النقدية وسط حالة تعاف قوي.
قال تشو: "تخفيض أسعار الفائدة قد يبعث برسالة مضللة بشأن التيسير في السياسة. هذا شيء لا يريد بنك الشعب الصيني نقله إلى السوق بشكل خاطئ".