ثالث ارتفاع لأسعار النفط .. هل يقلص بايدن الإمدادات الأمريكية؟
حققت أسعار النفط الخام مكاسب جيدة بدعم من قرار السعودية بإجراء تخفيضات طوعية في إنتاجها تبلغ مليون برميل يوميا في الشهرين المقبلين وترافق ذلك مع دعم جيد تلقته الأسعار من انخفاض المخزونات النفطية في الولايات المتحدة.
وتترقب السوق تأثير اقتحام متظاهرين مبنى الكونجرس الأمريكي، وهو ما يدعم مزيد من الارتفاع في الأسعار، خاصة بعدما حذرت منظمات دولية بارزة مثل منظمة الأمن والتعاون الأوروبي من مخاطر عدم الاستقرار في الولايات المتحدة، كما يرجح أن تقوم إدارة الرئيس جو بايدن بتحجيم مزيد من الإمدادات النفطية الأمريكية، خاصة في قطاع النفط الصخري.
ويكبح تحقيق مزيد من المكاسب السعرية استمرار وتيرة الإصابات المرتفعة بالسلالة الجديدة بفيروس كورونا في عديد من دول العالم وتواصل قرارات الإغلاق العام، ما يبث توقعات سلبية عن بطء تعافي وتيرة الطلب العالمي على النفط الخام.
ويقول لـ"الاقتصادية"، مختصون ومحللون نفطيون، إن القرار السعودي أسهم في انتعاش أسعار النفط الخام وتسجيل مكاسب جيدة، كما رفع أسعار البيع إلى الأسواق الآسيوية والأمريكية بعدما أقدمت السعودية على مبادرة جيدة وفردية وطوعية لتقليص المعروض النفطي في ضوء قراءة مستقبلية متعمقة لصعوبات تعافي الطلب بسبب اشتداد وتيرة الجائحة.
وذكر المختصون أن السياسات الإنتاجية والبيعية للسعودية تتسم بالمرونة والتعامل مع مستجدات السوق برؤية متعمقة، حيث في مقابل زيادة أسعار البيع في آسيا والولايات المتحدة، نجد "أرامكو" تخفض أسعار البيع في أوروبا تقديرا لضعف الطلب على الطاقة بسبب عمليات الإغلاق الجديدة نتيجة فيروس كورونا.
وفي هذا الإطار، يقول مفيد ماندرا نائب رئيس شركة "إل إم إف " النمساوية للطاقة، إن السياسات السعودية نجحت في تقليص المعروض وخفض مستوى المخزونات النفطية الأمريكية، ما أسرع بوتيرة تعافي الأسعار، لافتا إلى حدوث انخفاض تاريخي في شحنات النفط السعودية إلى الولايات المتحدة لأول مرة منذ 35 عاما، حيث لم تستورد أمريكا أيا من خام المملكة الأسبوع الماضي.
وأشار إلى أن القرار السعودي أدى بالفعل إلى ارتفاع أسعار النفط الخام وصعد خام برنت بأكثر من 7 في المائة، في الأيام الثلاثة الماضية واقترب من 55 دولارا للبرميل، وهو أعلى مستوى منذ فبراير الماضي.
ويرى، فتوريو موسازي مدير العلاقات الدولية في شركة "سنام" الإيطالية للطاقة، أن الإنتاج السعودي - وفق القرار الجديد - سيهبط إلى نحو 8.12 مليون برميل يوميا في شباط (فبراير) وآذار (مارس)، لكنه مستوى جيد وملائم لاحتياجات السوق في هذه المرحلة الحرجة التي يتطلع فيها الجميع إلى تعاف ملموس للطلب على النفط الخام بحلول الصيف المقبل، لذا اختارت السعودية نيسان (أبريل) المقبل لانتهاء هذه التخفيضات الطوعية الإضافية وواسعة التأثير في الأسعار.
وأوضح أن "أوبك +" تحافظ على الحلول الوسطية وتحقيق الإجماع والتوافق في كل خطوة بفضل التفاهمات السعودية - الروسية، التي نجحت في احتواء تباين وجهات النظر حول زيادة الإنتاج في فبراير، الذي كانت تؤيده روسيا في المقام الأول وتقابله السعودية بحذر، حيث تم التوافق في النهاية على السماح لروسيا وكازاخستان بزيادات طفيفة في الإنتاج وبقاء بقية المجموعة عند مستويات الإمدادات في يناير الجاري.
من جانبه، يقول روبرت شتيهرير مدير معهد فيينا الدولي للدراسات الاقتصادية، إن تراجع مخزونات النفط الأمريكي في بداية العام، مؤشر على تعاف تدريجي في الأسواق وترافق مع انتشار اللقاحات وخطط التحفيز المالي وقرب تولي إدارة جديدة سترغب على الأرجح في تحجيم الإمدادات من الموارد غير التقليدية، خاصة النفط الصخري الضيق مقابل تقديم دعم أكبر للطاقة النظيفة.
وأشار إلى أن المكاسب السعرية تعود في جانب منها إلى القرار السعودي الحريص على دعم الصناعة وضمان توازن العرض والطلب، ويترافق ذلك مع الآمال المتزايدة بقرب هزيمة وباء كورونا والعودة التدريجية إلى الحياة الطبيعية بفضل توافر لقاحات متعددة، إضافة إلى استمرار انضباط الإنتاج من قبل "أوبك +".
من جانبها، تشير نايلا هنجستلر مدير إدارة الشرق الأوسط في الغرفة الفيدرالية النمساوية، إلى أن ارتفاع الأسعار مؤشر مشجع للغاية ومعزز للاستثمارات مع بلوغ مستوى حول 55 دولارا للبرميل، لافتة إلى عديد من الدراسات الدولية، التي تؤكد أنه قد تمر عقود قبل أن تتمكن مصادر الطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية من تحدي هيمنة النفط والغاز بشكل كامل.
وأضافت أن "تلقي مزيد من الناس التطعيم سيحسن معنويات السوق ويمهد لإعادة فتح الاقتصاد كاملا بعد تجاوز ذروة الأزمة الراهنة" لافتة إلى اعتماد الاتحاد الأوروبي للقاح "مودرنا"، وهو ما يمثل نقلة نوعية في جهود احتواء الوباء في القارة الأوروبية الأكثر تضررا من الأزمة، التي عانت تراجعات حادة في الطلب على الطاقة في الشهور الماضية، خاصة بعد ظهور السلالة الجديدة وتعدد موجات انتشار الجائحة.
من ناحية أخرى فيما يخص الأسعار، ارتفعت أسعار النفط 1 في المائة، تقريبا أمس، بعد أن قدم انخفاض مخزونات الخام في الولايات المتحدة مزيدا من الدعم في أعقاب قرار السعودية، أكبر مصدر للخام في العالم، بشكل أحادي خفض الإنتاج على مدى الشهرين المقبلين.
ولم تتضح على الفور الكيفية التي سيؤثر بها اجتياح موالين للرئيس الأمريكي دونالد ترمب للكونجرس الأمريكي على أسواق النفط، بيد أن بعض المحللين يتوقعون أن تكبح إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن إنتاج النفط الأمريكي. وصعد خام برنت 44 سنتا بما يعادل أكثر 54 دولارا للبرميل خلال الجلسة، بعد أن ربح بأكثر من 1 في المائة، خلال الليل. وصعد خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 51 سنتا أو 1 في المائة، إلى أكثر من 51 دولارا. وارتفع الخام لأكثر من 1 في المائة، الأربعاء.
من جانب آخر، ارتفعت سلة خام أوبك وسجل سعرها 53.29 دولار للبرميل الأربعاء مقابل 50.75 دولار للبرميل في اليوم السابق. وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" أمس، إن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة، حقق أول ارتفاع عقب انخفاض سابق، وإن السلة كسبت نحو ثلاثة دولارات مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي، الذي سجلت فيه 50.22 دولار للبرميل.