الشركات الأمريكية تشهد انتعاشا على شكل الحرف K
في أيلول (سبتمبر) الماضي قال جون دوناهو، الرئيس التنفيذي لشركة نايكي "هذه أوقات يمكن فيها للقوي أن يصبح أقوى"، حيث كان يحتفل بالاستثمارات الرقمية والعلامة التجارية القوية التي ساعدت مجموعة الملابس الرياضية على زيادة أرباحها حتى في الوقت الذي عمل فيه كوفيد - 19 على إغلاق متاجرها.
"نايكي" ليست بأي حال الاسم الوحيد المعروف للجميع الذي يتباهى بأرباح متينة وحصة متزايدة من سوق هي تقودها أصلا. من "أمازون" إلى "ستاربكس"، و"ماكدونالدز" إلى "مونديليز"، كثير من أكبر الشركات الأمريكية أصبح أكبر هذا العام، حتى في الوقت الذي أوقعت فيه اضطرابات كوفيد - 19 منافسين أصغر في أزمة.
ستيف شوارزمان، الرئيس التنفيذي لـ"بلاكستون"، قال أخيرا "إن مجموعة الأسهم الخاصة مثلما كانت فائزا كبيرا حين خرجت من الأزمة المالية العالمية، أعتقد أنه سيتبين أن اللحظة الحالية هي لحظة أخرى من لحظات التسارع المذكورة".
الانتعاش غير المتكافئ "على شكل حرف K" الذي يخشى اقتصاديون أنه يقسم الاقتصاد الأمريكي الأوسع، يتبدى أيضا عبر الشركات الأمريكية، في الوقت الذي يعمق فيه الوباء الفجوة بين أكبر الشركات وأفضلها تمويلا والشركات التي تفتقر إلى الحجم والعلامات التجارية الرائدة أو الميزانيات العمومية القوية.
سياسات البنوك العادية والبنوك المركزية، التي اقترنت بالتحولات في سلوك المستهلكين، تبرز الاتجاهات التي كانت بالفعل تضع مزيدا من الثروة والنمو في أيدي عدد قليل من الشركات الكبيرة، وفقا لأكاديميين واستشاريين ومستشاري شركات.
ويحذر بعضهم من أن ذلك يهدد بتقليل المنافسة وخنق الابتكار وعرقلة الشركات الصغيرة التي من المفترض أن تكون مصادر لتوفير الوظائف والديناميكية الاقتصادية.
قال جيمس مانييكا، رئيس معهد ماكينزي العالمي "من الواضح أن العام الماضي كان على شكل حرف K"، مشيرا إلى أن تحليل المعهد وجد أن جميع الشركات "الفائقة" تقريبا التي هي في أعلى تصنيفاتها أصبحت أقوى في 2020.
جزئيا، هذا دلالة على حقيقة أن المجموعة تضم كثيرا من شركات التكنولوجيا والأدوية، وأن معظم أعضائها لديهم الامتداد العالمي الذي يمكنهم من النجاة من موجات كوفيد - 19 المحلية. لكن الفائزين يقومون أيضا بشكل عادي بالاستثمار أكثر في الأدوات الرقمية التي أصبحت بالغة الأهمية مع تشتت الموظفين والزبائن.
وبحسب مانييكا، حتى داخل القطاعات "الاختلافات بين الشركات الأكثر والأقل رقمنة كانت هائلة". فمن شركات التجزئة التي اضطرت إلى زيادة عروضها للتجارة الإلكترونية إلى البنوك التي تحتاج إلى نقل مزيد من المعاملات عبر الإنترنت "كانت المعاملات الممكّنة رقميا جاهزة لهذه اللحظة".
بدأ الاتجاه نحو تركيز الشركات قبل فترة طويلة من انتشار الوباء، حيث تستحوذ الشركات العامة الأمريكية الكبيرة على حصة متزايدة من النشاط الاقتصادي منذ منتصف التسعينيات، حسبما وجد فيجاي جوفينداراجان، الأستاذ في دارتموث، وزملاؤه في دراسة أجريت العام الماضي.
كتبوا أن الشركات الصغيرة تجد صعوبة متزايدة في "الهرب من فئتها"، في حين إن الشركات الكبرى لديها الموارد للاستثمار في الأصول بما في ذلك علاماتها التجارية.
الشركات التي دخلت في الوباء مع أقوى العلامات التجارية وسعت ريادتها في الغالب، في الوقت الذي تراجع فيه الزبائن إلى الموردين المألوفين.
قالت ميشيل باك، الرئيسة التنفيذية لشركة هيرشي، في آخر مكالمة أرباح لشركة صناعة الشوكولاتة "يبحث المستهلكون حقا خلال هذا الوقت عن العلامات التجارية التي يثقون بها". أما ديرك فان دي بوت، الرئيس التنفيذي لشركة مونديليز، التي تمتلك كادبوري، فقد نسب مكاسب حصتها في السوق إلى الظاهرة نفسها. قال للمحللين "المستهلكون (...) ذهبوا إلى العلامات التجارية التي يشعرون بالارتياح إليها. هذا يذكرهم بطفولتهم".
كذلك يتردد المستهلكون المهتمون بالسلامة على عدد أقل من المتاجر، حيث يفضلون الشركات التي يمكنها توفير مجموعة واسعة من السلع. استشهد كل من وول مارت وتارجت بمثل هذا "التجميع للرحلات" باعتباره يعمل لمصلتحهما.
تُظهر بيانات مكتب إحصاءات العمل التأثير البشري للتباعد الذي حدث جزئيا في طول الخطوط القطاعية.
شركات البريد السريع والتخزين التي تغذي طفرة التجارة الإلكترونية، ومجموعات التكنولوجيا، والبنوك الكبرى وشركات التأمين، كانت من بين القلائل التي أضافت وظائف في عام 2020. في عالم الفنون والترفيه الأكثر انقساما، وفي الفنادق وشركات الطيران التي تضررت بشكل كبير للغاية من الجائحة، وقعت عمليات التسريح بقوة.
تكشف مجموعة البيانات نفسها أيضا عن الفجوة بين الرابحين والخاسرين في قطاعات معينة. شركات التجزئة الوحيدة ـ بخلاف الشركات التي تبيع الطعام والكحول ـ التي وفرت وظائف في العام حتى تشرين الثاني (نوفمبر) هي شركات التجزئة الكبيرة مثل وولمارت وكوستكو، والشركات التي تبيع مواد البناء ولوازم الحدائق، مثل هوم ديبو.
في بيانات أرباحها الأخيرة، أبلغت "وولمارت" و"كوستكو" وهوم ديبو" زيادات في المبيعات على أساس سنوي بنسبة 5.3 في المائة و16.9 في المائة و23 في المائة على التوالي.
شهدت كل شركة ارتفاع أسهمها أكثر من 20 في المائة هذا العام، حتى مع تزايد هيمنة "أمازون" على التجارة الإلكترونية التي ارتفعت أسهمها أكثر من الثلثين.
ينبع كثير من الاختلاف من سهولة وصول الشركات الكبرى إلى رأس المال، وفقا لأوليفييه دارموني، وهو أستاذ للاقتصاد في كلية كولومبيا للأعمال.
الشركات العامة الكبيرة ذات التصنيف الائتماني في المرتبة الاستثمارية تصدرت رقما قياسيا بلغ 2.5 تريليون دولار من اقتراض الشركات هذا العام. وقد وضع ذلك قادة الصناعة الحاليون، مثل فورد وجنرال موتورز، في حالة استعداد عندما يبدأ الطلب على منتجاتهم في التعافي.
في المقابل، أظهرت دراسة بقيادة دارموني أن القروض المصرفية الأكثر تكلفة التي تعتمد عليها الشركات الصغيرة بشكل أكبر أصبح الحصول عليها أكثر صعوبة بكثير هذا العام، في الوقت الذي شددت البنوك معايير الإقراض الخاصة بها. وخلص بحثه إلى أن الزيادة في القروض المصرفية في النصف الأول من عام 2020 "جاءت بالكامل تقريبا من عمليات السحب من جانب الشركات الكبيرة على خطوط ائتمان تم الالتزام بها مسبقا".
قال "هناك علاوة واضحة جدا على أن تكون كبيرا. العقود التي تم توقيعها في الأوقات الجيدة موثوقة فقط إذا كنت شركة كبيرة".
لاحظ دارموني أن العام الماضي أظهر ليس فقط كيفية تدفق الائتمان بشكل غير متساو، لكن أيضا كيف أن استجابات السياسة للأزمة تنذر بتضخيم الاتجاه. قال "الاحتياطي الفيدرالي ووزارة الخزانة معتادان على مساعدة الشركات الكبيرة مثل شركات صناعة السيارات الكبرى والبنوك الكبرى. وهما ليسا معتادين على التعامل مع الشركات الصغيرة. الدرس الكبير هنا هو أن المساعدة لا تأتي بالتدريج إلى من هو أصغر".
كانت أكبر خسائر الشركات في عام 2020 هي الشركات التي دخلت في الوباء بميزانيات عمومية هشة، مثل هيرتز، شركة تأجير السيارات، والمشغلين غير المحظوظين في الأسواق مثل محال التجزئة والمطاعم والممتلكات التي تعاني طاقة مفرطة.
قال محسن مغجي، الرئيس التنفيذي للمجموعة الاستشارية لإعادة الهيكلة، M-III Partners "أدى الوباء إلى تفاقم قوة الشركات الجيدة وسلط الضوء بالمثل على نقاط الضعف لدى أسوأ الشركات".
وأضاف أن "الشركات ذات الرسملة الضعيفة يمكن أن تدبر أمورها كيفما اتفق، في اقتصاد قوي، لكن الآن سيوجه الناس رؤوس أموالهم إلى الناجين ويزيلونه من الشركات التي لا ينبغي أن تبقى على قيد الحياة".
يتوقع ميغجي الآن "ترشيدا كبيرا" في تلك القطاعات المكتظة، حيث تبيع بعض الشركات الضعيفة نفسها للفائزين في صناعاتها، بينما ينهار بعضها الآخر تماما.
وجادل بأن ذلك إذا حدث "يمكن أن ينتهي الأمر بكوفيد ليكون حافزا مهما لجعل الاقتصاد الأمريكي أكثر وضوحا وتنافسية بكثير، لأنه فرض ما كان ينبغي أن يحدث على مدى خمسة أو سبعة أو عشرة أعوام، على أن يحدث بشكل أسرع".
وفقا لمانييكا، من معهد ماكينزي العالمي، فإن نحو نصف الفائزين في دورة عمل واحدة يسقطون من صفوف "النجم الفائق" في الدورة التالية. وقال "إن ذلك أثار تساؤلات حول المدة التي ستستمر فيها الديناميكية على شكل حرف K".
ولاحظ مانييكا أن الشركات التي استفادت من الإنفاق الاستهلاكي المعزز بالتحفيز هذا العام يمكن أن تعاني، إذا كانت تدخلات السياسة أقل من اللازم في عام 2021، في حين إن الشركات التي اعتمدت على سوق ديون متسامحة "لا يمكنها الاعتماد إلا على ميزانيتها العمومية لفترة محدودة، قبل أن يقول المساهمون "لا يمكننا الاستمرار في دعم هذا" في النهاية، يجب أن يعود الطلب من جديد".