الاختراق الأوروبي الصيني في نهاية العام «1من 2»
تستحق المفوضية الأوروبية الثناء والإشادة بعد أن وضعت اللمسات الأخيرة على اتفاقية استثمارية جديدة مع الصين. لعبت الدبلوماسية الأوروبية النشطة أيضا دورا مهما في التزام الصين أخيرا بتحقيق هدف الحياد الكربوني بحلول عام 2060، وهو القرار الذي سرعان ما تبعه تعهد اليابان بإزالة الكربون بحلول عام 2050. والآن حققت أوروبا نجاحا كبيرا آخر.
الواقع: إن اتفاقية الاستثمار الجديدة بين الاتحاد الأوروبي والصين ستعود بالفائدة على الصين، والعالم، بل حتى الولايات المتحدة، رغم تحذيرات الأخيرة ضدها. في عموم الأمر، تدل الاتفاقية على اعتزام الاتحاد الأوروبي والصين مواصلة تعميق العلاقات الاقتصادية، من خلال منح كل من الطرفين القدرة على الوصول الثابت المضمون بدرجة أكبر إلى الاستثمارات في اقتصاد الطرف الآخر. فستحظى الصناعة الأوروبية بقدرة أكبر على الوصول إلى السوق المحلية الهائلة في الصين حيث تشرع الصين في إدارة عقد من إعادة بناء الاقتصاد الأخضر والرقمي، وحيث تجاهد أوروبا للبقاء في الصدارة التكنولوجية في هذه المجالات.
تأتي الاتفاقية في مواجهة محاولات شديدة التضليل وبالغة الخطورة في حقيقة الأمر من جانب الإدارة الأمريكية، ليس فقط لقطع العلاقات الاقتصادية مع الصين في الصناعات التكنولوجية الفائقة، بل أيضا لاحتواء نمو الصين من خلال تشكيل تحالف بقيادة الولايات المتحدة كان ترمب يأمل أن يحظى بدعم الاتحاد الأوروبي ودول آسيا والمحيط الهادئ، بما في ذلك أستراليا، والهند، واليابان، وكوريا الجنوبية. ويبدو أن إدارة بايدن المقبلة ربما تميل في الاتجاه ذاته، وإن كان ذلك بقدر أكبر من المهارة والدهاء وقدر أقل من الكلمات الطنانة الفارغة مقارنة بالرئيس المنتهية ولايته دونالد ترمب بكل تأكيد.
يتلخص الهدف الظاهري لسياسة الولايات المتحدة في تقييد عدوانية الصين وانتهاكات حقوق الإنسان، أو هكذا تقول الولايات المتحدة. لكن من الجدير بالملاحظة أن هذه هي السياسة المفضلة من قبل مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية الثنائية الحزبية التي تحتفظ بنحو 800 قاعدة عسكرية في الخارج، التي دأبت على شن حروب غير مشروعة، وفرض عقوبات أحادية غير قانونية، ورفضت من ناحية أخرى الالتزام بميثاق الأمم المتحدة ومعاهداتها وقرارات مجلس الأمن. ومن الصعب بكل تأكيد أن نزعم أن الصين هي الطرف المولع بالقتال هنا.
لا شك أن الصين يجب أن تعمل على تحسين سجلها في مجال حقوق الإنسان، خاصة لمعالجة القضايا التي أثارها مفوض الأمم المتحدة الأعلى لشؤون حقوق الإنسان فيما يتصل بالوضع في منطقة شينجيانج، حيث الأقلية الإيجورية التي تتمتع بوضع الحكم الذاتي. لكن يتعين علينا أن نتحرى الوضوح هنا: يجب على الولايات المتحدة، وأوروبا، والهند، وعديد من الدول الغربية أن تتبنى تحسينات مماثلة. على مدار الـ 20 عاما الأخيرة خصوصا، عانى السكان المسلمون في الشرق الأوسط وجنوب آسيا ووسطها، على نحو متكرر، حروبا وحشية شنتها قوى غربية، وحملات قمع محلية، وعقوبات فرضتها الولايات المتحدة من جانب واحد، وغير ذلك من الانتهاكات.
الحقيقة هي أن قلة من الدول تلتزم على النحو اللائق بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وينبغي للولايات المتحدة أن تشعر بالخزي الشديد لأنها لم تصدق حتى الآن على ميثاق الأمم المتحدة الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، في حين أن الصين ودول الاتحاد الأوروبي الـ 27 فعلت ذلك قبل فترة طويلة. تتمثل الاستجابة الصحيحة للمخاوف الحقيقية المتعلقة بحقوق الإنسان في طرحها بطريقة جادة وبناءة، دون توجيه أصابع الاتهام على نحو لا يخلو من نفاق ورياء، ودون مبالغة أو تعطيل للحوار والدبلوماسية والعلاقات الاقتصادية. وليلق البلد الذي بلا خطيئة الحجر الأول.
لكن نية أمريكا الحقيقية في معارضة الصين لا علاقة لها بحقوق الإنسان. في ظل الإدارة الأمريكية كانت السياسات الأمريكية مدفوعة بتوق شديد إلى فرض الهيمنة، بكل وضوح وبساطة. فالولايات المتحدة تحاول منع صعود الصين تكنولوجيا واقتصاديا من أجل الحفاظ على هيمنتها. لكن النظام الاقتصادي العالمي من غير الممكن ولا ينبغي له أن يعمل لمصلحة الهيمنة الأمريكية، خاصة إذا وضعنا في الحسبان أن الولايات المتحدة تمثل 4 في المائة فقط من سكان العالم... يتبع.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2021.