جمهوريون وديمقراطيون .. الكل يريد لجم شركات التكنولوجيا الكبرى
بحظرهما حسابات دونالد ترمب، كان "تويتر" و"فيسبوك" يأملان في تهدئة الشكاوى - من الديمقراطيين وغيرهم - من سماحهما للرئيس الأمريكي باستخدام منصتيهما لنشر ما يعدونه معلومات مضللة وكراهية.
لكن بفعلهما ذلك ضخمتا الشكوى التي قدمها المحافظون منذ فترة طويلة، وهي أن جزءا كبيرا من التأثير السياسي تمارسه الآن حفنة من شركات التكنولوجيا الخاصة التي يمكنها تحديد من يمكنه الوصول إلى جمهورها ومن لا يمكنه ذلك.
أحداث الأسبوع الماضي أعطت زخما كبيرا للنقاد من كلا الجانبين، الذين يريدون فرض أنظمة أشد صرامة على منصات التواصل الاجتماعي.
قال جميل جعفر، المدير التنفيذي لمعهد نايت فيرست أميدمينت في جامعة كولومبيا: "الإجراءات التي اتخذتها شركات التكنولوجيا الأسبوع الماضي كانت قانونية، ولا شك في ذلك. لكنها تؤكد أيضا القوة الهائلة التي تتمتع بها بعض هذه الشركات الآن بصفتها حراسا على الساحة العامة".
حظرت كل من "فيسبوك" و"تويتر" حسابات ترمب، بعد أن قررتا أن أفعاله خلال أعمال الشغب التي حدثت من جانب أنصاره في مبنى الكابيتول بلغت مستوى التحريض على العنف.
لكن إذا كانت المنصتان تأملان في تجنب الخطر الذي يهدد بفرض ضوابط تنظيمية من الديمقراطيين - الذين حصلوا الأسبوع الماضي على السيطرة على مجلس الشيوخ، إضافة إلى مجلس النواب والبيت الأبيض - فيبدو أنهما لم تنجحا.
ريتشارد بلومنتال، أحد أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين الذي قاد محاولات لفرض أنظمة أكثر صرامة على شركات التكنولوجيا الكبرى، قال إن أعمال الشغب في مبنى الكابيتول "ستجدد حاجة الكونجرس إلى إصلاح امتيازات والتزامات شركات التكنولوجيا الكبرى وتركز عليها".
جزء القانون الذي يريد بلومنتال وزملاؤه في مجلس الشيوخ إعادة النظر فيه هو الحماية القانونية الممنوحة لشركات الإنترنت منذ ولادة الاتصال عبر الإنترنت. بموجب المادة 230 من قانون آداب الاتصالات في 1996، يمكن لمنصات الإنترنت أن تنشر وتعدل محتوى منشورا من أطراف ثالثة دون أن تتحمل المسؤولية القانونية عن ذلك.
تصف الشركات هذا الجزء من القانون بـ"الكلمات الـ 26 التي أوجدت الإنترنت". يقول النقاد إن الشركات كبرت وأصبحت تمتلك مثل هذه السلطة الخطاب السياسي، وأن تلك الحماية القانونية ينبغي ألا تستمر.
يعمل كل من ترمب وجو بايدن، الرئيس الديمقراطي المنتخب الذي دعا في الماضي إلى إلغاء المادة 230، وكثير من أعضاء الكونجرس على مشاريع قوانين سترسم حدودا لذلك عندما يتم تطبيقها. المشكلة هي أنه ليس هناك اتفاق حول ما يجب أن تكون عليه تلك الحدود.
قالت دافني كيلر، مديرة برنامج تنظيم المنصات في جامعة ستانفورد: "يتفق كل من الديمقراطيين والجمهوريين على رغبتهما في تغيير المادة 230، لكن كلاهما يريد فعل ذلك لأسباب مختلفة"، مضيفة: "السؤال هو ما إذا كان أي من الجانبين لديه أصوات تمكنه من تمرير أي قانون".
ليندسي جراهام، الجمهوري من ولاية كارولينا الجنوبية، والرئيس المنتهية ولايته للجنة القضائية في مجلس الشيوخ، اقترح السماح للشركات بأن تتمتع بالحصانة من قانون التشهير فقط، إذا وقعت على مجموعة من المبادئ التوجيهية لأفضل الممارسات التي ستضعها لجنة مستقلة.
إنه يروج لإجراء من شأنه إلغاء المادة 230 تدريجيا إذا لم يتم الاتفاق على بديل بحلول 2023.
اقترح بريان شاتز، السناتور الديمقراطي من هاواي، وزميله الجمهوري جون ثون، من ولاية ساوث داكوتا، بشكل مشترك قانونا من شأنه إجبار الشركات على أن تكون أكثر شفافية بشأن طريقة تنسيقها للمحتوى والسبب الذي يدفعها إلى ذلك.
تقول كل من "فيسبوك" و"تويتر" إنهما ستؤيدان بعض القيود على المادة 230، رغم أنهما لم تصرحا ما القيود تحديدا. تجادل جماعات الضغط في الصناعة بأن أي شيء، باستثناء التغييرات الطفيفة، سيجعل الشركات أقل احتمالا لتعديل المحتوى، في محاولة لعدم تصنيفها جهات نشر.
في غضون ذلك، هناك نقاش مماثل يجري خارج الولايات المتحدة. في المملكة المتحدة، جادل مات هانكوك، وزير الصحة، بأن قرار حظر حسابات ترمب "يثير تساؤلات حول الأحكام التحريرية (لشركات التواصل الاجتماعي) والطريقة التي يتم بها تنظيمها". في ألمانيا، وصفت المستشارة أنجيلا ميركل الخطوة التي اتخذتها "تويتر" بأنها انتهاك "إشكالي للحق الأساسي في حرية التعبير".
تصرفت كل من "فيسبوك" و"تويتر" بطريقة قانونية عندما حظرتا ترمب، لأن واجب ضمان حرية التعبير بموجب التعديل الأول للدستور الأمريكي ينطبق فقط على الحكومة، وليس الشركات الخاصة، كما يقول محامون أمريكيون.
هذا هو الحال حتى عندما تتمتع الشركات المعنية بسلطة كبيرة على التعبير عبر الإنترنت.
في العام الماضي، رفضت محكمة استئناف أمريكية شكوى من جامعة براجر، وهي قناة يمينية على منصة يوتيوب، مفادها أن موقع مشاركة الفيديو انتهك حقها في حرية التعبير من خلال تقييد وصولها.
كان حكم القاضي: "بصرف النظرعن انتشار يوتيوب في كل مكان ودوره باعتباره منصة عامة، إلا أنه لا يزال منتدى خاصا، وليس منتدى عاما يخضع للرقابة القضائية بموجب التعديل الأول".
المؤيدون الأمريكيون لتشديد الأنظمة يولون اهتماما كبيرا لما يحدث في الاتحاد الأوروبي، حيث يمنح قانون الخدمات الرقمية المقترح المستخدمين حق الاعتراض على مواقع التواصل الاجتماعي التي تزيل محتواهم.
قال جريجوري ماجاريان، أستاذ القانون في جامعة واشنطن: "أظهرت أوروبا أن من الممكن تطبيق أنظمة إضافية على شركات التكنولوجيا دون خنقها أو القضاء على نماذج أعمالها. إذا كان من الممكن فعل ذلك في أوروبا وأماكن أخرى، فيمكن فعله هنا".