الغش يتمدد إلكترونيا .. سرطان الاقتصاد
تعاني دول العالم كلها تقريبا منذ فترة طويلة، الآثار التي تتركها تجارة السلع المقلدة أو المزيفة، والتي تقع في قالب البضائع المغشوشة، يتم إنتاجها عن طريق التزوير عموما، مع أن هناك دولا ومدنا معروفة تتفشى فيها هذه الظاهرة بالغة الأضرار على البشر والاقتصادات، ومن الغريب جدا سكوت وصمت الجهات الحكومية في هذه الدول والمدن بما يوحي برضاها وقبولها! والحق أن كثيرا من الدول تعاني المشكلة نفسها، خصوصا مع توسع السوق العالمية وزيادة رقعتها الجغرافية في ظل العالم المفتوح تجاريا أو ما يسمى سقف العولمة المفتوحة، وإعادة تصدير السلع والمنتجات، وارتفاع مستوى الاعتماد على التجارة الإلكترونية، التي تسهم بصورة متزايدة في نشر السلع المزيفة.
وهذا النوع من الإنتاج، لا يضر فقط بالجهات صاحبة الابتكارات والاختراعات والتطوير، بل يهدد سلامة وصحة المستهلك نفسه، زيادة على ذلك، وفي الأساس، يضر بمؤشرات نمو الاقتصادات، لأن المعايير النوعية لهذه السلع ليست خاضعة في كثير من الأحيان للوائح المعمول بها في هذا البلد أو ذاك.
ونتيجة لذلك، يعاني كثير من الاقتصادات في العالم هذه الجوانب التجارية السلبية، ونلاحظ أن معظم الدول وضعت قوانين ولوائح لمحاربة هذا النوع من التجارة والسلع المقلدة، وتعد من الغش التجاري المحرم، ويقع في دائرة الجريمة المنظمة، ومن سلبيات اقتصادات الظل، لأنها تعوق مسار ومؤشرات اقتصاد أي دولة. وفي هذا الإطار، تحذر الجهات المختصة حول العالم من ارتفاع زخم تجارة السلع المقلدة، وتعترف بعض هذه الجهات بصعوبة السيطرة على هذا الميدان، لأسباب عديدة، في مقدمتها اتساع رقعة المنصات الإلكترونية إلى جانب الأسواق المادية التقليدية المعروفة.
الولايات المتحدة تهتم بهذا الجانب من التجارة غير المشروعة، لأنها تتصدر الدول الأكثر استهدافا، يضاف إلى ذلك تمتع البلاد بسوق تضم أكبر عدد من المستهلكين في العالم الغربي بعد سوق الاتحاد الأوروبي. وإدارة الرئيس دونالد ترمب المنتهية ولايته، تقدمت كل الإدارات في اهتمامها بهذا الجانب، بل شنت حملات متواصلة من أجل الحد من تجارة السلع المزيفة، والعمل على حماية حقوق المبتكرين والمخترعين الأصليين. بل إن إدارة ترمب خاضت مواجهات سياسية معلنة وعنيفة مع عدد من الدول من أجل التخلص من هذه السوق التي عدتها تخريبية.
والأمر لا يختلف كثيرا عند الإدارات الأمريكية الأخرى، لكن أسلوب المعالجة يختلف بين إدارة وأخرى، فبعضها يعتقد بأنه يمكن حل هذه المسألة عبر اتباع سياسة حاسمة وقوية لكن هادئة، بمن فيها إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن. الممثل التجاري الأمريكي روبرت لايتهايزر، الذي يعد بمنزلة وزير التجارة الخارجية، حدد الأسواق التي وصفها بـ"سيئة السمعة في التقليد والقرصنة"، وسماها، حيث بلغت وفق آخر تقرير له 73 سوقا من بينها 39 هي عبارة عن منصات إلكترونية.
وهذه الأخيرة تمثل معضلة بالفعل لدى المشرعين الأمريكيين لصعوبة السيطرة عليها، أو في أفضل الأحوال للتأخير في الوصول إليها ومحاصرتها. فالمنصات المشار إليها تسهل عمليات بيع السلع المزيفة، ما طرح أسئلة حول ضرورة إعادة فتح ملف التجارة الإلكترونية ووضع تشريعات جديدة لها، أو إخضاعها لرقابة مباشرة من المشرعين الحكوميين في الولايات المتحدة وغيرها من الدول الأخرى. ويؤكد الممثل التجاري، أن الخطر يكمن في استيراد السلع المقلدة والمقرصنة، التي تضر بكل من منشئي المحتوى الأمريكيين وأيضا بالمستهلكين الأمريكيين، وهذا صحيح إلى أبعد الحدود.
وتتفق الجهات الدولية المعنية في هذا الميدان المتنامي على عدم كفاية الإجراءات الفاعلة من قبل شركات التجارة الإلكترونية، التي تقوم ببيع المنتجات الأجنبية في السوق الأمريكية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى بقية الأسواق الأخرى في العالم. وفي كل الأحوال، تنتشر الأسواق التي تبيع المنتجات المقلدة في كل مكان حول العالم تقريبا، بما في ذلك أوروبا والشرق الأوسط، وبالطبع في المنطقة الآسيوية وكثير من الدول الإفريقية التي تعد أكثر معاناة لهذا النوع من السلع المغشوشة، حيث لا تزال بعض الدول تعاني العشوائية في إدارة وضبط الأسواق من أجل مصلحة دعم اقتصاداتها، التي ينظر إليها البعض كمصدر لنسبة متصاعدة من المنتجات المزيفة أو المقلدة.
وهذا لا بد أن يدفع الحكومات في العالم، إلى إعادة النظر في القوانين التي اعتمدتها منظمة التجارة العالمية، حتى القوانين المحلية، المتعلقة بالحماية الفكرية، مع ضرورة الإشارة هنا، إلى أن عددا من الدول يحاول الالتفاف على هذه المسألة، ودعت إلى تنظيم وتأسيس منظمات متخصصة لمواجهة هذا الوباء الذي يمثل مرضا ينخر في جسم الاقتصادات، مثل أمراض السرطانات العنيفة المختلفة، بما فيها بعض الدول التي وقعت بالفعل على قوانين واتفاقيات الحماية الفكرية وصيانة الابتكار والتصدي لجميع أنواع القرصنة التجارية.