الإثنين, 5 مايو 2025 | 7 ذو القَعْدةِ 1446


اقتصادات تحت سيطرة الجائحة 

 
أصيب الاقتصاد الأوروبي بواحدة من أعلى نسب الانكماش على مستوى العالم، بفعل تفشي فيروس كورونا المستجد، وكانت حصة منطقة اليورو من هذا الانكماش هي الأعلى، ما دفع حكومات المنطقة إلى الإسراع في إقرار حزمة إنقاذ تاريخية بلغت أكثر من ثلاثة تريليونات يورو. وهذه الحزمة خصوصا، لم تلق أي اعتراضات ذات أهمية من بعض الدول الأوروبية، التي اعتادت على الاعتراض، وفي مقدمتها ألمانيا، الدولة المانحة الكبرى على الساحة الأوروبية. فالأزمة الاقتصادية العالمية كانت ولا تزال أكبر من أن تعترض أي جهة على أي خطة إنقاذ، خصوصا أن الفيروس ظل خارج السيطرة فترة طويلة، وهو حتى اليوم خارجها، رغم ظهور اللقاحات العالمية المختلفة.

الضرر الذي أصاب الاتحاد الأوروبي، جاء ضمن الأذى العام الذي ضرب اقتصادات الدول الغربية أكثر من غيرها على الساحة الاقتصادية، ولذا أصبح اقتصاد القارة العجوز خلال هذه الظروف في قبضة وسيطرة الجائحة. في الموجة الأولى لفيروس كورونا، تراجع الناتج المحلي الإجمالي الأوروبي 6.8 في المائة، ومع الموجة الثانية التي ظهرت في أول الخريف، سجل تراجعا بلغ 0.7 في المائة، وفق مكتب الإحصاءات الأوروبي. ومع ذلك، فإن هذه النسبة أدنى قليلا من توقعات المفوضية الأوروبية، التي أعلنت انخفاض الناتج الأوروبي 7.8 في المائة في أواخر العام الماضي. الانكماش الأوروبي جاء في الدرجة الأولى من قطاعات خدمية محورية، مثل النقل والسفر والسياحة، والمواصلات، والتحويلات المالية، وغير ذلك من ميادين أغلقت كليا في فترة من الفترات لمحاصرة ما أمكن من مخاطر كورونا. وفي كل الأحوال، نسبة الانكماش كبيرة جدا، فرضت على الحكومات العمل في كل الاتجاهات من أجل انتشال الاقتصاد الأوروبي من حالة الركود التي وصفها البنك المركزي الأوروبي بأنها الأعمق منذ أكثر من 100 عام.

لا شك في أن دول الاتحاد الأوروبي، خاصة دول منطقة اليورو الـ19، تمتلك مقومات اقتصادية قوية، أسهمت في الصمود أمام مد الأزمة الاقتصادية الناجمة عن الجائحة العالمية. فقد كان القطاع الصناعي الألماني بمنزلة سند مهم في وقت الأزمة، لكنه مع القطاعات الصناعية الأوروبية الأخرى، لم يقلل كثيرا من الضربات التي تلقتها المنطقة بسبب تردي أوضاع قطاع الخدمات المختلفة. ولهذا السبب وغيره، كان تراجع الناتج المحلي الإجمالي الأوروبي أكبر منه في الولايات المتحدة وآسيويا، وبالطبع الصين، وحتى الهند، وهذا يضع هذه الدول في مقدمة الدول القادرة على الخروج من الركود وتحقيق النمو المطلوب بسرعة أكبر مقارنة بالوضع على الساحة الأوروبية. ففي حين تسير التوقعات إلى إمكانية أن تحقق الولايات المتحدة نموا مقبولا قبل نهاية العام الحالي، هناك شكوك حول قدرة أوروبا على ذلك في الفترة نفسها.

والذي يزيد من الضغوط على الاقتصاد الأوروبي عموما، النسخ المتحورة من كورونا، التي انتشرت في بريطانيا وانتقلت بصورة مختلفة إلى عدد من دول الاتحاد الأوروبي. وهذا ما يدفع المراقبين إلى الاعتقاد بأن فترة التعافي الأوروبي ستكون أطول من غيرها مقارنة بدول العالم الأخرى. ولا أحد يمكنه أن يحدد نسبا واقعية للنمو المتوقع على الساحة العالمية، لأن الأمر لا يزال مرتبطا بمدى قدرة العالم على احتواء كورونا بسرعة، وعلى نجاعة اللقاحات التي تنتشر على الساحة الدولية. لكن دون أدنى شك، فإن الآفاق قاتمة على الميدان الأوروبي خلال العام الجاري على الأقل، ما يطرح تساؤلات حول قدرة الاتحاد الأوروبي على التعافي الحقيقي هذا العام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي