أبولو .. قائد جديد يصنع من الفوضى أموالا
لم يظهر مارك روان، ولو بشكل مخادع، أي علامة قط على رغبته في الحصول على أعلى منصب في "أبولو جلوبال مانيجمنت". لكن قرار الملياردير المفاجئ العودة إلى الشركة بعد أسابيع قليلة فقط من إجازة مفتوحة كان، من ناحية، مندمجا مع شخصيته.
قبل بضعة أعوام قال إن الاستثمار خلال فترة الازدهار الاقتصادي "ممل إلى حد ما. لم يكن عليك تمييز نفسك بفعل أي شيء مذهل". لكن في أوقات الفوضى كان روان في مكانه الطبيعي، يعمي خصومه في وول ستريت بطرق مبتكرة لتحويل الفوضى لمصلحته.
الآن يجب عليه وضع "أبولو" في الموضع المناسب للاستفادة من الفوضى في الأسواق المالية، بينما يروض نوعا أكثر خطورة من الاضطرابات داخل شركته.
سيترك ليون بلاك، منصب الرئيس التنفيذي لشركة أبولو بحلول نهاية تموز (يوليو)، بعد أن كشف أنه دفع 158 مليون دولار للراحل جيفري إبستين الذي انتحر في السجن قبل محاكمته في جرائم جنسية – أعلى بكثير مما كان معروفا في السابق – على الرغم من أن محامي مجلس إدارة "أبولو" برؤوه من التورط في أعمال إبستين الإجرامية.
أثارت النتائج قلق جوش هاريس، أحد المؤسسين المشاركين لـ"أبولو"، لدرجة أنه حث بلاك على التنحي باعتباره رئيسا ومديرا تنفيذيا في اجتماع لمجلس الإدارة في أواخر كانون الثاني (يناير)، وفقا لأشخاص على دراية بالمحادثة.
رفض بلاك التخلي عن الرئاسة، بحسب ما قال الأشخاص. وفاجأ العاملين في "أبولو" باختيار روان (58 عاما) قائدا جديدا للشركة بدلا من هاريس، الذي أشاد به لدوره في بناء "أبولو" بشكل أكثر حداثة وجعلها ذات إدارة أفضل. يقول بعض العاملين في الشركة إن الشريك المؤسس الأصغر سنا ربما أثار غضب بلاك من خلال تطلعه إلى هذا المنصب بشكل علني للغاية.
بهذا القرار وضع بلاك – وهاريس في نهاية المطاف – ثقتهما في مهندس مالي بارع قد يكون ألمع العقول في "أبولو" لكنه كان غير مبال بما فيه الكفاية بشأن المنصب حتى أنه بدأ في تموز (يوليو) "شبه إجازة" مفتوحة بعيدا عن أعمال التأمين التي كان يبنيها للشركة على مدى 11 عاما.
قال روان عند حديثه مع محللين في الثالث من شباط (فبراير) الجاري: "بعد فوات الأوان، أخذ إجازة وسط الجائحة فكرة سيئة للغاية".
كان روان مهندسا ماليا محترفا أسرع من غيره في وول ستريت في فهم القوى الزلزالية وراء أزمة 2008، وسرعان ما بنى هياكل مالية مبتكرة حققت أرباحا هائلة لشركة أبولو.
أثينا القابضة Athene Holding، وهي شركة تأمين أسستها "أبولو" في 2009 للاستفادة من الاضطراب الناشئ عن الأزمة المالية، تعد نصبا تذكاريا لتلك الموهبة. تمثل شركة التأمين الآن نحو خمسي 455 مليار دولار تديرها "أبولو" للمستثمرين، وتصرف مدفوعات الأقساط السنوية لحاملي بوليصات التأمين في شكل قروض كبيرة لكل شيء، من منازل الضواحي إلى المستشفيات والطائرات. قال بلاك: "لقد كانت من بنات أفكار شريكي المؤسس، مارك روان".
لكن الشعور بالانتصار شابه فراق حاد بين روان ومساعده الأول، عمران صديقي، الذي لعب دورا كبيرا في إطلاق شركة التأمين مع روان. ترك صديقي شركة أبولو في 2017 بعد انفصال شنيع عن معلمه بلغ ذروته في قرار تحكيم يقضي بأن يعيد صديقي ما قيمته 15 مليون دولار من الأصول المتعلقة بأبولو. بشكل منفصل، اشتكى بعض المساهمين في "أثينا" من أن شركة أبولو كان لها نفوذ كبير على شركة التأمين، ما أدى في النهاية إلى الفوز باستثمارات إضافية وإصلاحات أخرى في الحوكمة من شركة الأسهم الخاصة.
في أعمال الاستحواذ القديمة ذات الرافعة المالية لشركة أبولو، هناك أكبر صفقة لروان، وهي عملية الاستحواذ على "هارا إنترتينمنت" Harrah’s Entertainment في 2008، التي كادت أن تنتهي بكارثة له ولشركته.
عندما تعرضت أجزاء من إمبراطورية كازينو هارا للإفلاس في 2015، اتخذ مقرضو صناديق التحوط، بما في ذلك "أبالوسا مانيجمنت" Appaloosa Management و"إيليوت مانيجمنت" Elliott Management، موقفا صارما. في هزيمة قاسية في قاعة المحكمة في 2016، أوصلت المعركة إلى ذروتها، صدرت أوامر لروان ومديري "هارا" الآخرين بتسليم كشوف حساباتهم المصرفية وغيرها من التفاصيل المالية الشخصية للتثبت مما إذا كان بإمكانهم تلبية أحكام محتملة تقدر بمليارات الدولارات قد تتبع ذلك، إذا تبين أنهم نقلوا أصولا عن طريق الاحتيال إلى خارج الكيانات المنكوبة.
استعادت "هارا" صحتها في النهاية، ويرجع الفضل في ذلك جزئيا إلى عقد روان للصفقات بلا هوادة في الأعوام التي تلت الأزمة المالية. بحلول ذلك الوقت، قامت مجموعة الكازينو ومالكو الأسهم الخاصة بتسوية قضية الإفلاس بنحو ستة مليارات دولار، وكانت "هارا" التي تغير اسمها إلى "سيزارز إنترتينمنت" Caesars Entertainment، إلى حد كبير تحت ملكية جديدة. اعترف بلاك في وقت لاحق أن أبولو "تعثرت" ودفعت مبالغ كبيرة للشركة في لاس فيجاس.
على عكس شريكيه الرئيسين، كان روان مترددا في التقدم إلى المسرح العام. في حين أن مشتريات بلاك الفنية المتألقة ورعايته للمؤسسات الثقافية جعلته شخصية مميزة في دور المزادات والمهرجانات، وبدا أن هاريس يستمتع بوضعه باعتباره مالكا لفريق فيلادلفيا سفنتي سيكسرز Philadelphia 76ers لكرة السلة وفرق رياضية أخرى، لم تجذب استثمارات روان الشخصية سوى قليل من الاهتمام. وهي تشمل استثمارا مربحا في علامة بيتس Beats التجارية لسماعات الرأس، وممتلكات عقارية في حي ترايبكا في مانهاتن، ومطاعم في لونج آيلاند في ولاية نيويورك.
تبرع روان بمبلغ 50 مليون دولار لمدرسة وارتون، حيث درس في الثمانينيات، ودافع عن شكل من أشكال التنوع هو نفسه يقر بأنه يتصادم مع بعض المثل العليا "الليبرالية". قال أمام لجنة في "مهرجان آسبن للأفكار"، وهو يروي تجربته باعتباره أمين جامعة: "أنا دائما الشخص الذي (يقول) ’ماذا عن التنوع السياسي؟‘ ثم يمضون قدما لتناول الغداء".
بخيبة أمل من هذه اللامبالاة، تعاون روان مع معهد آسبن ورابطة مكافحة التشهير لمنح زمالة للجمع بين "حلالي المشكلات" من جميع القناعات السياسية. قال أمام لجنة آسبن: "دعونا نجري مناقشة بشأن الإجهاض من كلا الجانبين. دعونا نناقش حقوق السلاح من كلا الجانبين".
في بعض الأحيان كان يقدم مبالغ مالية لدعم وجهات نظر معينة. في أيلول (سبتمبر) الماضي، تبرع بمبلغ 248 ألف دولار لـ"صندوق انتصار ترمب" Trump Victory Fund، حسبما تظهر ملفات الانتخابات الفيدرالية. لطالما كان ناشطا في العمل الخيري في إسرائيل، وهي طرف له مصلحة أوسع في سياسات الشرق الأوسط. قبل أكثر من عقد من الزمان زار شخصيا الرئيس السوري بشار الأسد لحثه على تحقيق السلام مع إسرائيل. وفقا لسجلات مؤسسته، في 2013 قدم 250 ألف دولار لـ"مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" Foundation for the Defense of Democracies وهي مؤسسة فكرية. هذا التبرع جعله ينتمي إلى جماعة معروفة بآرائها المتشددة.
يتذكر روان أنه في 1985، عندما وصل إلى دريكسيل بورنهام لامبرت، المصرف الاستثماري الذي التقى فيه بلاك، كان يفكر "يا إلهي، لقد فات الأوان. تم جني كل الأموال بالفعل".
لقد ضرب وترا مختلفا الأسبوع الماضي، حين قال: "إننا سنشهد مزيدا من التغيير في صناعتنا على مدى الأعوام الخمسة المقبلة أكثر مما شهدناه في الأعوام العشرة الماضية، (ما يقدم) فرصا مثيرة للاهتمام لنا وللاستثمار (و) لزيادة امتيازنا بطرق ربما غير متوقعة".
الآن يجب أن يستفيد روان، الذي يتبنى منصبا قياديا لم يسع إليه أبدا، من غرور شركائه المؤسسين المتضارب، وأن يجد فرصة مرة أخرى في الفوضى.