أمريكا والسعي للتعاون مع الصين اقتصاديا «2 من 2»
الرأي الثالث: يزعم بايدن أن العالم منخرط في صراع إيديولوجي عظيم بين الديمقراطية والاستبداد. نحن نمر بنقطة انقلاب بين أولئك الذين يزعمون أن الاستبداد هو أفضل طريق إلى الأمام، نظرا إلى التحديات التي تواجهنا، من الثورة الصناعية الرابعة إلى الجائحة العالمية، وهؤلاء الذين يدركون أن الديمقراطية ضرورة أساسية للتصدي لهذه التحديات.
وعلى ضوء هذه المعركة الإيديولوجية المزعومة بين الديمقراطية والاستبداد، أعلن بايدن أننا "يجب أن نكون مستعدين جميعا لمنافسة استراتيجية طويلة الأمد مع الصين"، مضيفا أن هذه المنافسة موضع ترحيب "لأنني أؤمن بالنظام العالمي الذي عملت أوروبا والولايات المتحدة بجدية، مع حلفائنا في منطقة الهادي الهندي، على بنائه على مدار الـ70 عاما الأخيرة".
ربما ترى الولايات المتحدة أنها تخوض صراعا إيديولوجيا طويل الأمد مع الصين، لكن هذا الشعور ليس متبادلا. لقد أصبح إصرار المحافظين الأمريكيين على أن الصين عاقدة العزم على حكم العالم أساسا للإجماع بين الحزبين في واشنطن. لكن الصين لا تسعى إلى إثبات تفوق الاستبداد على الديمقراطية، ولا ترغب في تقويض الأمن والرخاء في أمريكا، كما تؤكد استراتيجية الأمن الوطني التي أعلنتها الولايات المتحدة في عام 2017.
لنتأمل هنا الخطاب الذي ألقاه الرئيس الصيني شي جين بينج في المنتدى الاقتصادي العالمي في كانون الثاني (يناير). لم يتحدث شي جين بينج عن مزايا الاستبداد، أو إخفاقات الديمقراطية، أو الصراع العظيم بين الأنظمة السياسية. بل كان شي حريصا على نقل رسالة تستند إلى التعددية في مواجهة التحديات العالمية المشتركة، محددا أربع مهام رئيسة.
دعا شي قادة العالم إلى تصعيد عملية تنسيق سياسات الاقتصاد الكلي والترويج المشترك لنمو اقتصادي عالمي قوي، ومستدام، ومتوازن، وشامل. كما حثهم على "نبذ التحيز الإيديولوجي واتباع مسار مشترك من التعايش السلمي، والمنفعة المتبادلة، والتعاون المربح للجميع". ثالثا، يتعين عليهم أن يعكفوا على "سد الفجوة بين الدول المتقدمة والنامية والعمل المشترك لتحقيق النمو والرخاء للجميع". أخيرا، ينبغي لهم أن "يجتمعوا على التصدي للتحديات العالمية وإيجاد مستقبل أفضل للبشرية".
أعلن شي أن المسار إلى التعاون العالمي يتطلب أن نظل "ملتزمين بالانفتاح والشمول، وكذا بالقانون الدولي والقواعد الدولية، والتشاور والتعاون". كما أقر بأهمية "مواكبة العصر بدلا من رفض التغيير".
يجب أن تبدأ سياسة بايدن الخارجية في التعامل مع الصين بالبحث عن التعاون وليس افتراض الصراع. وقد تعهد شي أن الصين "ستشارك بنشاط في التعاون الدولي في التصدي لجائحة كوفيد - 19، وتواصل الانفتاح على العالم، والترويج للتنمية المستدامة ونوع جديد من العلاقات الدولية. ومن الحكمة أن تسعى الدبلوماسية الأمريكية إلى التعاون مع الصين في هذه المجالات. أما الخطاب العدائي اليوم، فإنه يهدد بإيجاد نبوءة تحقق ذاتها.
إن التعاون ليس جبنا، كما يزعم المحافظون الأمريكيون على نحو متكرر. وكل من الولايات المتحدة والصين من الممكن أن تكسب كثيرا من التعاون: السلام، والأسواق الموسعة، والتقدم التكنولوجي المتسارع، وتجنب سباق تسلح جديد، وإحراز التقدم ضد جائحة كوفيد - 19، وتعافي الوظائف بقوة على مستوى العالم، والجهود المشتركة ضد تغير المناخ. ومع انحسار التوترات العالمية، يستطيع بايدن أن يوجه جهود الإدارة نحو التغلب على التفاوت بين الناس، والعنصرية، وحالة انعدام الثقة التي أفضت إلى وضع ترمب في السلطة عام 2016 ولا تزال تقسم المجتمع الأمريكي على نحو بالغ الخطورة.
خاص بـ "الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2021.